«كنت صغيراً عندما كان يحضر الطحّان ومعه دابته ويحمل كيساً من القمح إلى الطاحونة، ففي كلّ شهر كان يتناول الكيس ويأخذه إلى الطاحونة ليصبح دقيقاً وخطر لي في إحدى المرات أن أتبعه فركبت خلف كيس القمح فوق "الكديش" -الدابة- ذاهباً معه إلى طاحونة "الدنك".....». تلك ذكريات يرويها "نعيم الزهراوي" مؤرخ "حمص" عن إحدى طواحينها التي بدأت بالاندثار والزوال بسبب غزو الآلة الحديثة لكنّها تبقى إرثاً من آثار مدينة "حمص" ولمعرفة المزيد عن طواحين مدينتنا وأهميتها التقينا بالسيد "نعيم" الذي أخبرنا قصة الطواحين التي تبدأ من تعريف "الطاحون":

«يُرجح أن "الطاحون" تعود إلى ما قبل الألف الخامس الميلاد، حيث أن الأدوات المكتشفة تدلنا على أنّ الإنسان بدأ باستخدام الطاحونة المائية وطورها حتى غدت أنواعاً ونماذج مختلفة وهي مؤلفة من (المدار اليدوي، رحى القطب، الرحى البدائية الأولى، رحى القطب أو القعر الزائد، الرحى المرفوعة) وتنقسم الرحى المائية إلى ثلاثة أقسام أولها "الشيبية" أقل الأنواع استخداماً للمياه ومثال عليها طاحونة "العفص" التي كانت قائمة خلف شارع "القوتلي" وخلف شارع "الخمارة" حيث أنها تستخدم الماء القادم من ناعورة "حمص" حيث يسير الماء نحو الشمال بانحدار وعلى بعد 150 متر تقريباً من الناعورة، مع استخدام الإنسان لجسر اصطناعي من ارتفاع طبيعي ليصب الماء في برج، ثمّ يدفع فراش "الطاحون" بواسطة مصب مائل أو شبه عمودي يضيق في أسفله جداً ليعطي أكبر قوة ممكنة، ولكن إنتاجها -الشيبية- أقلّ من غيرها فلا يزيد الطحن فيها عن 500 كغ في اليوم.

أمّا النوع الثاني أي "الجبية" فهي تعتمد على المستودع الضخم المسمى بـ "الجب" -البئر- وهذا النوع موجود في القرى ومثال عليها طاحونة "الأسعدية" وهي واقعة في آخر "جورة الشياح" إلى الشمال بمنطقة تعرف بـ "القرابيص" وتسميتها بـ "الأسعدية" نسبةً إلى الوالي "أسعد باشا العظم". وثالث الطواحين "الجغلية" وهي طواحين ذات الحركة المستديمة وأقيمت على نهر "العاصي" وتمّ تقسيمها إلى طابقين: أرضي ويوجد فيه محرّك "الطاحون"، وعلوي وهو مكان أو قاعة الطحن مع أحجار الطحن، ومستودع الحبوب وإسطبل "الدواب" إضافةً إلى أدوات الرحى "الجغلية" وهي:

القسم الداخلي من طاحونة "القصير"

  • "الكفت": مؤلفة من خشب مستطيل

  • "السهم": مصنوع من الخشب والبعض يستعمله من الحديد وهو المحور الأساسي لـ "الجغل"، مربع "الشكل" يرتكز على قطعتين خشبيتين مجوفتي الوسط تسمى الواحدة منها "الكفت"

  • "المرس" عبارة عن عوارض أربعة مستطيلة الشكل مصنوعة من الخشب تتصالب على دولاب الجغل ويتوسطها السهم

  • "القبالة" قطعة خشبية بطول 1,5 سم تحتوي على تسعة كركير بارزة وكل كركير يبرز في وجهها

  • "الكنية" مصنوعة من الخشب بطول 50 سم يتمّ تنزيلها على رأسي قبالتين ليتمّ تنظيم إدارة الصدر.

  • أما الوجه الثاني فيتألف من: (البدن، الصدر، العروة، الريش، المطرة وغيرها...)، وهذه التسميات متعارف عليها وهي من أعمال "الطاحون" بحيث يتمّ تثبيت تلك الأدوات لإجراءات الطحن، أمّا الأحجار فهي إمّا "بازلتية" أو من "الصوان"، ويتكون دلو "الطاحون" من وعاء مخروطي يصب فيه الحبّ يصنع من خشب "التوت" أو "السنديان"، وهناك قطعة مسماة بـ "الجرس" وهو قطعة معدنية مؤلفة من ثلاث قطع لإحداث رنين قرب انتهاء الحبّ المستخدم إضافة إلى عدد من الأدوات المستخدمة لعمل الطحان.

    السيد "نعيم الزهراوي"

    وختاماً يروي السيد "نعيم" أن هنالك قصص عديدة لثوار "حمص" مع الطواحين" التي كانت بمثابة ملاجئ لهم خلال الاحتلال الفرنسي عام 1925م.

    أمّا طواحين "حمص" المسجلّة رسمياً والتي مازال البعض منها باقياً حتى الآن فهي على التوالي طاحونة "القنطرة" في "القصير"، "أم الرغيف"، "ربلة"، "عرجون- المنجكية"، "السدّة"، "الخشانة"، "المزرعة"، "الخراب"، "الجديدة"، "الميماس- الغزالة" مقابل "ديك الجن"، "السبعة"، "الدنك"، "الناعورة"، "الحصوية"، "الدنكزية- الدوير"، "خرخر- الدوير"، "الدار الكبيرة- قبلي التل- هبوب الريح"، "الغنطو"، "أم شرشوح"، "غجر- أمير"، "الرستن"، "الجبية الأسعدية"، "العفص- يزبك".

    طاحونة "الجديدة" على "العاصي"، دوار "المهندسين" حالياً

    وفي قرى شرقي "حمص" هي: "تل عمري"، "أم الصفصاف"، "القنطرة"، "عين ظاظا- عين النسر"، "دير فول"، "هرقل"، "الحميدية- مهاجرين".