إن الحياة ما هي إلا محطة من التحديات للنفس البشرية من صفات إرادة وضعف والنتيجة النهائية يبقى القاسم المشترك بين هذه التحديات من صمود واستمرار أو انهيار، والزواج من الأجنبيات يأتي من واقع الحاجة لتحقيق حياة أقل عناء من تلك التي نعيشها في مجتمعاتنا دون الالتفات للانعكاسات التي تترتب على هذا الزواج.

التقى موقع eHasakeh المرشد الاجتماعي "محمود بادلي" الذي تحدث عن أسباب وآثار الزواج من الأجنبيات قائلاً: «ظاهرة زواج الشباب السوري من الأجنبيات "الجزيرة" نموذجاً، ظهرت تحديداً في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينييات من القرن المنصرم، ذلك إبان الانطلاقة الهائلة للكثير من الشباب وخاصة من منطقة "الجزيرة" نحو الدراسة في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقاً، والكثير منهم تزوجوا وهم طلاباً وبعد استكمال الدراسة عادوا مع زوجاتهم الأجنبيات إلى البلاد، وبعضهم اتخذوا من موطن زوجاتهم محل إقامة لهم وتفضيل العيش هناك، حيث إن نسبة الزواج بين الشباب السوري من الفتيات الأجنبيات مقارنة مع الدول العربية الأخرى وخاصة دول الخليج العربي نسبة قليلة جداً، فما تزال هذه الظاهرة في حدودها المعقولة، ولم تصل بعد إلى حد الخطورة والخوف منه كما في دول الخليج العربي ومصر والمغرب... الخ».

لم يكن زواجي عائقاً لي أو لأهلي، وتزوجت عن قناعة وحب وليس لمصالح شخصية، فهناك الكثير من شبابنا تزوجوا لكي يحصلوا على الجنسية أو الإقامة، وبالنهاية كان زواجهم سبب فشلهم بالدراسة والعمل أيضاً وأهم شيء بالنسبة لزواج من أجنبية هو الصدق والحب وتفهما لمجتمعنا

عن أسباب هذا الزواج أضاف "بادلي": «أسباب كثيرة لعبت دورها في هذا المجال منها عاطفية واقتصادية واجتماعية، منها وقوع الكثير من الشباب في علاقات غرامية مع الفتيات الأجنبيات، حيث إن علاقات الحب كانت دافعاً وراء الكثير من حالات الزواج، وأيضاً الدراسة في الدول الأجنبية كلفت مبالغ هائلة على أسر الطلاب الموفودين، لذا فالكثير من الطلاب الشباب فكروا بالزواج هناك لتخفيف الكلفة على أسرهم، خاصة أن المهر المقدم للفتاة بغية الزواج منها في "الجزيرة" مبلغ هائل، كما أن اختيار بعض الشباب للزوجة الأجنبية بقصد الاندماج والتكيف مع المجتمع الجديد وللتخفيف من مشاعر الغربة ومصاعب حياة الوحدة لفترة لا تقل عن خمس سنوات "فترة الدراسة"، وانخفاض نسبة الفتيات الجامعيات في منطقة "الجزيرة" كان دافعاً وراء اختيار الزوجة الأجنبية الجامعية من قبل الشباب، أيضاً الحرمان العاطفي للشباب وانجذابهم نحو الفتاة الأجنبية المختلفة من حيث المظهر والملبس والتفكير والسلوك، وهناك أسباب أخرى وراء ظاهرة الزواج من الأجنبيات، كالوضع المعيشي وتأمين السكن، بالإضافة إلى الانفتاح الأخير للشباب على الفتيات الأجنبيات عن طريق الانترنت والقنوات الفضائية».

المرشد الاجتماعي محمود بادلي

أما عن المشكلات والآثار الناجمة عن هذا الزواج فيقول "بادلي": «لا يمكن لنا أن نقول إن هذه الظاهرة سلبية تماماً، فالكثير من حالات الزواج الموجودة حالياً على أرض الواقع "الجزيرة" مثالاً كتب لها النجاح، واعتقد أن الحب الحقيقي بين الطرفين والتفاهم للعلاقة الزوجية، والتوافق بالإضافة إلى تقبل الآخر "الزوجة الأجنبية" للعلاقات الاجتماعية والوضع الاقتصادي والثقافي والبيئي، من أسباب نجاح الحياة الزوجية وفي نفس الوقت هناك الكثير من حالات الزواج هذه باءت بالفشل وتركت آثاراً سلبية، مثلاً البعض من الزوجات الأجنبيات هجرن أزواجهن بعد أقامة شهر أو أكثر إلى خارج البلاد، وتركن وراءهــن أبناء لهم بلا أمومة بسبب عدم تقبلهن للعلاقات الاجتماعية من عادات وتقاليد، وبسبب اختلاف المناخ والبيئة، وهناك من تقبلن الوضع العام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتقبل وعدم التقبل يعود بالدرجة الأولى إلى الفروق الفردية بين شخص وآخر، أيضاً البعض من الزوجات الأجنبيات رفضوا المجيء أصلاً مع أزواجهن للإقامة في البلاد، فعاد الزوج من دون زوجة تاركاً له هناك أبناء بلا أبوة، كما الطفل من دون أحد الأبوين سوف يعاني من مشكلات نفسية وسلوكية، وكذلك من مسألة الازدواجية في الهوية بالنسبة للطفل الذي يعيش مع أمه دون أب خارج البلاد، واستغلال بعض الفتيات الأجنبيات الظروف المادية للشباب خاصة أن روسيا ودول "السوفيات" عموماً كانت تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، ومعروف أن الدوافع المادية وراء اختيار الزوج أو الزوجة نتائجه سلبية، وان هذا الزواج أدى إلى زيادة نسبة العنوسة بشكل أو بآخر الموجودة أصلاً بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور وارتفاع نفقات الزواج وصعوبة تأمين السكن، الذي أدى بدوره إلى عزوف الشباب أو تأخرهم عن الزواج أو الهجرة إلى خارج البلاد، وهذا الزواج ليست ظاهرة سلبية تماماً، أي إنها تحمل في طياتها بعض الإيجابيات أيضاً، كتحسين النوع أو النسل، حيث ينقل مورثات "بعض السمات والصفات الوراثية" الأجنبية إلى الأبناء من الجنسين وكذلك يحصل نوع من التقارب والانفتاح من النواحي الاجتماعية والثقافية بين الزيجات وأسرهم من البلدان المختلفة».

في حكم الشريعة بالزواج من الأجنبيات يقول الأستاذ "بشير حسن الهاشمي": «إذا كانت المرأة مسلمة فحكمها حكم زواج المسلمة داخل الوطن، ويصح الزواج منها دون قيد أو شرط سوى ما حددته الشريعة في كل زواج، أما إذا كانت غير مسلمة، فهي إما أن تكون كتابية، أولاً والكتابية هي التي تدين باليهودية أو النصرانية فيصح الزواج، منها بشرط ألا تكون من دولة بيننا وبينها حرب، أو تؤيد وتقف مع الدولة المحاربة لنا، فلا يحل الزواج منها حينئذ أما إذا لم تكن كتابية كالبوذية مثلاً فلا يصح الزواج منها بأي حال إلا إذا أسلمت، ودليل جواز الزواج من الكتابيات قوله تعالى: "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"

السيدة أكسانا من روسيا

"سورة المائدة" 5».

الصيدلي حسين وزوجته اكسانا

السيدة "أكسانا" تقول: «زواجي من شاب سوري لم يكن أنه شرق أوسطي، إنما أحببت هذا الشاب وبالنهاية تزوجنا، في الفترة التي كان يدرس في بلدنا، وقبل الزواج كان قد تكلم زوجي الصيدلي "حسين" عن عاداتهم وتقاليدهم ومعيشتهم وأخذت صورة كاملة عن المجتمع السوري بشكل عام والمجتمع الكردي بشكل خاص، وكنت مقتنعة به وبعاداتهم وبأسلوب معيشتهم، فبالنسبة للفترة الأولى من قدومي إلى سورية مع زوجي، كان الأمر صعباً جداً لعدم معرفتي باللغتين العربية والكردية، وأيضاً عدم الانتظام بمواعيد الزيارات وغيرها من الأمور التي كانت مفاجئة وجديدة لي، وبعد فترة من الزمن أتقنت اللغة الكردية وبدأت أندمج مع محيطي، حيث تعلمت اللغة العربية من تلقاء نفسي وأنا الآن أكتب وأقرأ بالعربية ولي العديد من الصديقات اللواتي يتكلمن العربية فقط، ولم أفكر بالرجوع إلى مسقط رأسي لأن زوجي ساعدني كثيراً بمحنتي الأولى، وتفكيري الأساسي هو بمستقبل أطفالي "ليليان" و"ايلينا" اللتان هما أملي وحياتي، والشيء الذي يربطني هنا أكثر هو الأمان وزوجي لم يرغمني على ترك ديانتي المسيحية وهو مسلم طبعاً وأمارس طقوسي الدينية في كنيسة "مار جرجس" للأرثوذكس، حيث أصلي فيها وأصوم، أما أطفالي فلهم الحرية بالتمسك بأي من الديانتين، فالزواج من أجنبي ليس بالزواج الفاشل إن وجد الحب والاحترام والتفاهم».

الصيدلي "حسين خلو" يضيف: «لم يكن زواجي عائقاً لي أو لأهلي، وتزوجت عن قناعة وحب وليس لمصالح شخصية، فهناك الكثير من شبابنا تزوجوا لكي يحصلوا على الجنسية أو الإقامة، وبالنهاية كان زواجهم سبب فشلهم بالدراسة والعمل أيضاً وأهم شيء بالنسبة لزواج من أجنبية هو الصدق والحب وتفهما لمجتمعنا».