اقترن الحديث عن كنيسة "مارجورجيوس" الأثرية في مدينة "ازرع" شمال شرق "درعا" المدينة بواقع 22 كم، بأحاديث التاريخ المعسل بقصص الأولياء الصالحين. فهي مقر "الخضر" عليه السلام وإحدى أجمل التحف المعمارية البازلتية في "سورية" و"العالم".
ولمعرفة المزيد عن خصائصها الأثرية والفنية حدثنا الآثاري "أيهم جدعان الزعبي" من دائرة آثار "درعا":
يظهر أن الكنيسة وإضافةً لوظيفتها الدينية قد لعبت دور قلعة دفاعية، وهذا ما تؤكده الباحثة "فهمية نصر الله" في إحدى كتاباتها، جاء ذلك كحل وقائي أوقات الخطر، ففي الجهة الشمالية الداخلية للهيكل يوجد باب يفضي لغرفة مظلمة، يقوم وسطها سلم حجري يؤدي إلى سطح البناء يصعب على الغريب التعرف عليه، فيسقط في بئر فتحته تحت الدرج، تفتح وتغلق حسب الحاجة، فإذا قيض للمهاجم تتبع معالم الطريق المؤدي إلى السطح، يفاجأ بعد صعوده عدة درجات بفتحة ضيقة جداً، فيجد نفـسه مضطراً للعـبور منها كما يخرج الطفل من الرحم (باسطاً يديه أمام وجهه)، فيتمكن أحد الحراس من ضرب رقبته بأي آلة حادة، أو حتى سكب شيء مغلي (ماء – زيت) على رأسه ثم يركله ليسقط ميتاً على الفور
«بنيت الكنيسة فوق أساسات معبد وثني للآلهة "ثياندريت"، التي كانت تعبد بشكل واسع في جميع أرجاء حوران، كان ذلك أواخر عام 515م أو بداية 516 م وفقاً لتقويم "بصرى" السائد آنذاك.
والحقيقة أنها البناء الوحيد القائم حتى الآن الذي تتمثل فيه كيفية انتقال الكنائس من الطراز البازليكي المستطيل إلى الشكل المربع الذي تعلوه قبة من الحجر، قائمة على قاعدة مثمنة الشكل، يقول عنها "دي فوغ" (أنها أكثر المباني في تلك المنطقة)، أدرجها "فلتشر" في كتابه تاريخ الهندسة المعمارية الصادر عام 1961 م الذي يعد مرجعاً أساسياً لطلاب الهندسة في جميع أنحاء العالم.
إنها معاصرة لأشهر الكنائس في العالم القديم أمثال: كنيسة "سيرجيون" و"باخوس" في "بصرى" 512م، كنيسة "سانت فيتال" في "ايطاليا"، كنيسة "أيا صوفيا" في "استنبول" 535م. مازالت تحافظ على أصلها الأول، ولعل التغيير الوحيد الذي أصابها قد نتج عن الحروب التي خربت جزءاً من قبتها، في أعقاب حملة "إبراهيم باشا"، رممت في عهد البطريرك "غريغوريوس حداد" الذي دشنها بنفسه ضمن احتفال مهيب سنة 1911م، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الساعة لم تصب بأي تشويه كما يفيد بذلك جميع السكان».
وعن أقسامها يتابع "الزعبي": «لدينا الهيكل الذي يتميز بمكوناته الفخمة، موقعه في الضلع الشرقي من الكنيسة، يتألف من عدة أقسام متصلة ببعضها، فهناك المذبح الذي هو عبارة عن عتبة حجرية محاطة بقناة منحوتة، وهو مكان نحر الضحايا والذبائح المقدمة.
وكذلك السقف: يعد واحداً من أجمل السقوف المعروفة، نظراً لدقة الهندسة في رصف معظم العناصر المشكلة له، يعتمد هذا الطراز على رصف مداميك حجرية طويلة، بحيث يرتكز طرف كل مدماك على حافة القنطرة والطرف الآخر على الجدار الجانبي، ثم يصار إلى رصف سقف آخر بحجم أصغر من السقف الأول وباتجاه معاكس، بهدف التقوية والمتانة.
أما القبة: فكانت قبة هذه الكنيسة مبنية من الحجر، لكنها انهارت واستعيض عنها بواحدة مصنوعة من الخشب المغطى من الخارج بطبقة معدنية، ترتفع عن الأرض أكثر من 15م، وترتكز على رقبة دائرية الشكل.
بوابات الكنيسة: ولها ثلاث بوابات، الجنوبية والشمالية متطابقتا الشكل والمضمون، أما الغربية فهي الأفخـم كونها تتألـف من باب كبير يعلـوه سـاكف حجري آية في الروعة والجمال، يحمل كتابات يونانية مسيحية تعريبها: ("إن ملتقى الأبالسة أصبح الآن منزلاً للرب السيد، إن نور الخلاص يملأ هذا المكان الذي كانت تغطيه من قبل الظلمات، فالاحتفالات الكنسية حلت محل الطقوس الوثنية، والمكان الذي كان مركزاً لخلاعة الآلهة، تصدح منه اليوم تسابيح الرب، إن رجلاً محباً للمسيح الشريف "جان بن ديوميدس" هو الذي بنى من ماله الخاص هذه الكنيسة الجميلة ووضع فيها ذخيرة الشهيد "جورجيوس"، بعد أن ظهر له القديس المذكور ليس في المنام بل في اليقظة عام410».
وعن باقي وظائفها يردف "الزعبي": «يظهر أن الكنيسة وإضافةً لوظيفتها الدينية قد لعبت دور قلعة دفاعية، وهذا ما تؤكده الباحثة "فهمية نصر الله" في إحدى كتاباتها، جاء ذلك كحل وقائي أوقات الخطر، ففي الجهة الشمالية الداخلية للهيكل يوجد باب يفضي لغرفة مظلمة، يقوم وسطها سلم حجري يؤدي إلى سطح البناء يصعب على الغريب التعرف عليه، فيسقط في بئر فتحته تحت الدرج، تفتح وتغلق حسب الحاجة، فإذا قيض للمهاجم تتبع معالم الطريق المؤدي إلى السطح، يفاجأ بعد صعوده عدة درجات بفتحة ضيقة جداً، فيجد نفـسه مضطراً للعـبور منها كما يخرج الطفل من الرحم (باسطاً يديه أمام وجهه)، فيتمكن أحد الحراس من ضرب رقبته بأي آلة حادة، أو حتى سكب شيء مغلي (ماء – زيت) على رأسه ثم يركله ليسقط ميتاً على الفور».
يطلق أهالي حوران أسماء متعـددة على كنيـسة القديس "جورجيوس"، حسـب اعتقاداتهم فهي "الدير" و"دير ازرع" و"دير مارجرجس" و"خضر ازرع".
والحقيقة أن "خضر ازرع" له أهمية دينية كبيرة لدى سكان حوران في الفترات المنصرمة، فهو راعي "ازرع" وكنيستها وحاميها من عوامل الطبيعة والإنسان، فلا زلازل ولا أمطار ولا حروب تؤثر عليها بوجوده وهو السبب الرئيسي في بقائها سليمة إلى يومنا هذا، على الرغم من مرور أكثر من ألف وخمسمئة سنة على بنائها.
وإذا ألم أي خطر وتضرع الناس للخضر بقولهم (هيه ياخضر ازرع) تجده يعتلي جواده ويذود عن حماها مبعداً عنها كل مكروه، ويذر الرمال ليضلل الغزاة.
و"الخضر" محبوب من جميع سكان "حوران" من مسلمين ومسيحين الذين ينذرون له النذر ويحجون إليه من كل أنحاء المنطقة مصطحبين معهم النذور ليذبحوها على العتبة، ويوزعوها على الفقراء، كما يقدمون النقود والحلي على مذبح السلام فهو عندهم عجائبي كثير الرأفة حاضر الإغاثة والعون.