سمع الكثير عن جهاز الكشف عند العرب وما زال الكثير يشكك في فعاليته، وطريقة البدو في "الجزيرة" بكشف الكذب وحل معضلاتهم على أساسه، من الأمور التي جربوها منذ قديم عهدهم وما زالت موجودة عند بعضهم. وللاطلاع على تفاصيل الموضوع التقى eHasakeh بتاريخ 18/5/2009 بالمبلع "ياسر علاوي" ليحدثنا عن "البلعة" وطريقتها عند أهل "الجزيرة" فيقول:
«من المعروف أن البدوي يأنف الكذب ولا يرضى أن يتهمه احد به، ولكن ماذا لو تعرض لموقف يحتاج فيه لإثبات براءته؟ فاخترع "البلعة" (بكسر الباء) وهي تقوم على الشكل التالي: يجتمع المتخاصمون في مجلس عربي عند شخص يقال له "المبلع" ومن المعروف انه لا يمكن لأي شخص أن يصبح "مبلعاً" بل هناك عائلات مخصصة لهذا الأمر وإذا مات المبلع يخلفه اكبر رجل من عائلته، حتى ولو لم يكن هذا الرجل هو الأفضل، ولا ينتخب "المبلع" انتخاباً وإنما يصل إلى منصبه بحكم الوراثة والعادة».
إنهم أشخاص يختارهم المدعي والمدعى عليه "كشهود" قبل ذهابهما إلى "المبلع" ليشهدوا بالطريقة التي اتفق عليها الطرفان لأجل حل خلافهما والأسباب التي حلت بهما إلى "البلعة"، وان يشهدوا أيضاً بالنتيجة التي آلت إليها "البلعة"
ويذكر "علاوي": «"البلعة" هي عبارة عن قطعة من المعدن وعلى الأغلب محماس البن حيث يقوم "المبلع" بإضرام النار ويضع فيها المحماس وينتظره حتى يحمر وبعدها يخرج المحماس من النار ثم يفرك بها ذراعه ثلاث مرات ليرى الناس أن النار لا تؤذي الأبرياء، ليخرج المحماس وهو يتأجج على ما وصفناه من احمرار إلى الذي يريده أن يبشع. ويكون هذا الرجل جالساً خلفه ثم يقول له "ابلع"، ومن الأمور التي يتبعها المبلع قبل أن يضع المحماس على لسان المتهم، هو أن يمد المتهم لسانه للحاضرين كي يريهم انه حر وليتمكنوا أيضاً من التمييز بين الحالتين قبل التبليع وبعده. يقوم المتهم بلعق (لحس) المحماس الخارج من الجمر ثلاث مرات، بعد ذلك يترك "المبلع" المحماس ويعطي الرجل المتهم قليلاً من الماء فيتناوله هذا ويتمضمض به ثم يبصقه، يخرج المتهم بأمر "المبلع" لسانه ليراه "السامعة" والحاضرون، فإذا ظهر على لسانه بقع تدل على انه احترق أو ظهر اثر للنار فيه قالوا انه "موغوف" أي متهم وإلا فهو بريء».
وعن سؤالنا عن "السامعة" أجاب "علاوي": «إنهم أشخاص يختارهم المدعي والمدعى عليه "كشهود" قبل ذهابهما إلى "المبلع" ليشهدوا بالطريقة التي اتفق عليها الطرفان لأجل حل خلافهما والأسباب التي حلت بهما إلى "البلعة"، وان يشهدوا أيضاً بالنتيجة التي آلت إليها "البلعة"».
وعن طريقة المجيء إلى "المبلع" يقول "علاوي": «هناك فريقان متخاصمان المدعي وهو الذي يطلب تبليع المدعى عليه في اغلب الحالات وقد يرفض المدعى عليه أن "يبلع" فيحكم عليه بالشبهة أو الاتهام وفي بعض الأحيان يكون الطالب للبلعة هو المدعى عليه للتخلص من التهمة الموجهة إليه. وعادة من يختار المبلع يكون المدعي وليس المدعى عليه وذلك لأنه هو الرجل الذي يجب أن يطمئن قلبه وله الخيار في الإصرار على حقه أو العفو عنه، وكما ذكرنا يعين المدعي والمدعى عليه "سامعة" قبل سفرهما إلى "المبلع" كما يتفقان على تعيين الزمان والمكان، وفي الوقت المقرر وفي المكان الذي اتفقا عليه ليجتمعا فيه، ومن هناك يسيران إلى البلعة والذي يخالف احد هذين الشرطين يخسر دعواه، يعني إذا اخل المدعي بهذه الشروط سقط حقه، وإذا اخل المتهم يعتبر كأنه "بلع" وخرج من "البلعة" موقوفاً ويستثنى من ذلك من كان له عذر».
وعن الأعذار المقبولة حسبما يذكر قال: «مرض شديد أو وفاة قريب أو طلب حكومة أو سيل حاجز. وأخيراً بعد انتهاء عملية التبليع يدون "المبلع" نتيجة "البلعة" في ورقة ويوقع عليها هو والشهود الحاضرون ويعطيها إلى السامعة وأحياناً لا تكتب النتيجة وإنما يكتفى بأمانة السامعة نفسه من حيث ذكر النتيجة ونقلها إلى العربان».