لا يخفى على القادم إلى "معرة النعمان" من الطرف الغربي رؤية قلعتها التي ترتفع على كتلة صخرية كلسية مطلةً على وادٍ يسمى وادي "الخطيب"، وسط منطقة مليئة بالبساتين والأراضي الخضراء، معلنة الوصول إلى أرض "المعرة" المرتفعة، ومكملةً رحلة اكتشاف الآثار العظيمة من قرى المنطقة الغربية لـ"المعرة" وحتى وسط المدينة، ويقال أن بناء هذه القلعة كان وبالاً على المنطقة، وتاريخها كان مبهماً وحافلاً بالمآسي....

ولا أدل على ذلك من قول المؤرخ الفرنسي "ألبير ديكس" شارحاً همجية القتل الذي مارسته إحدى الحملات الصليبية على أهالي "المعرة" الذين اعتصموا داخل القلعة بقوله: «لم تكن جماعتنا تأنف أكل العرب والمسلمين بل كانت تأكل الكلاب أيضاً».

لم تكن جماعتنا تأنف أكل العرب والمسلمين بل كانت تأكل الكلاب أيضاً

باحث التاريخ "هشام كرامي" تحدث لموقعeIdleb عن تاريخ القلعة، ورأى أن القلعة "في شكلها الحالي لم تشهد حروباً صليبية وهي كما قال: «بنيت في عام /631/ هـ /1235/م بأمر من "المظفر الثاني" صاحب "حماة" في العصرالأيوبي، وكان إعادة بناء القلعة وبالاً على "المعرة" لما جلب لها من الخراب والدمار، وقد هُدمت مرتين إحداهما على يد من سُموا "الخوارزمية" وذلك بعد بنائها بثلاثة أعوام ، والهدم الآخر على يد التتر سنة /658/ هـ، ومدة بقاء القلعة عامرة لم يتجاوز الـ /27/ عاماً».

الأستاذ هشام كرامي

وللسيد "أحمد غريب" مدير متحف "المعرة" رأيٌ في الموضوع حيث قال: «بناء القلعة الحالي أتى في مرحلة متأخرة، بينما أغلب الحقائق تشير إلى وجود القلعة قبل ذلك، وكانت الحصن المنيع لأهل "المعرة" عند مرور حملة "الفرنجة" الأولى عام /1098/ م بقيادة "بوهيمون" وظلت منيعة في وجه هذه الحملة لأكثر من /15/ يوماً، حيث لاذ أهل "المعرة" بها بعد أن دمر أفراد الحملة الصليبية بلدتهم وعاثوا فيها فساداً، وبعد أن أعطوا الأمان للأهالي المعتصمين في حال استسلامهم، إرتكبوا بهم مجزرة عظيمة قتلوا فيها الأطفال والنساء وسُميت مجزرة القلعة، وهي وصمة عار في تاريخ الحملات الصليبية».

وتابع السيد "أحمد غريب" واصفاً القلعة بقوله: «مساحة القلعة /2500/ م2، وتتألف من /10/ أبراج دفاعية مستطيلة يتخللها طلاقات لرمي السهام، ويحيط بالقلعة خندق دفاعي إحاطة السوار بالمعصم وهو بعرض /13/ م وإرتفاع /7/ أمتار، كان السكان يزرعونه بأشجار "الرمان" و"التين" و"العنب"، ويضم هذا الخندق كتلة صخرية ليستند عليها الجسر الخشبي الواصل ببوابة القلعة من الجهة الجنوبية، وعندما تحدث الغارات أو المحن يُرفع الجسر الخشبي ويُملأ الخندق بالماء، وتضم القلعة من الداخل بيوتاً سكنية ومسجداً تحول عن كنيسة، وقد وُجد على جدار المسجد كتاباتٍ باليونانية والعربية تقول أحدها أن المسجد بناه الأمير "عبد القادر الخديجة" و يُعتقد أنه الرجل الذي أسس بناء القلعة».

السيد أحمد غريب

وعن الأمير "عبد القادر الخديجة"، حدثنا الأستاذ "هشام كرامي" قائلاً: «أغلب الظن أن الأمير "عبد القادر الخديجة" هو من فئة سُميت "الفدوية" اعتمد عليها الأيوبيون في مناوشة "الفرنجة"، وكان أمير المنطقة كلها في نهاية القرن السابع الميلادي، وتدل هذه الكتابات المكتشفة و وجود بقايا لآثارٍ رومانيةٍ وإغريقية على عودة القلعة إلى عهود مُغرقة في القِدم، وأغلب الظن أن سكان القلعة القدماء وهم "آل الخديجة" اشتهروا بالغنى وكان لديهم الآلاف من رؤوس الحيوانات مثل الأبقار والماعز، ويمتد نسب هذه العائلة إلى العصر الحاضر».

سكان القلعة كان لهم كبير الأثر في تغيير معالمها، فأحد سكانها السابقين وهو "محمود الخديجة" شرح لموقع eIdleb كيف قام بعض الأهالي ببناء البيوت عليها وسمى منهم بعض العوائل، إلا أن قرار إخلاء القلعة لم يصدر سوى مؤخراً، وقد استملكتها المديرية العامة للآثار والمتاحف، وعن هذا تحدث السيد "أحمد غريب" قائلاً: «كانت القلعة في الماضي وحتى فترةٍ قريبة مسكونة من بعض السكان المحليين، وقد غير أهل "المعرة" الكثير من معالمها، لذلك فإن معظم بيوتها البادية للعيان بُنيت في فترة قريبة من التاريخ، أضف أن جدران القلعة الخارجية تتعرض للهبوط والتكسر إلى أسفل الخندق نتيجة الأمطار وعوامل المناخ الأخرى، هذا ما حدا بوزارة الثقافة استصدار مرسوم إخلائها من السكان واستملاكها تمهيداً لترميمها، وفي العام القادم هناك مشروع رفع طبوغرافي ومساحي للقلعة وإزالة المباني الحديثة ضمنها ومن ثم استثمارها سياحياً وأثرياً لكشف الستارعن بقعة تاريخية هامة كانت حلقة وصل بين الحضارات».

قلعة المعرة من الطرف الشمالي