مالذي تخبئه المخططات التنظيمية الجديدة لمدينة "الميادين"، والتي يزمع مجلس المدينة تنفيذها بالقريب العاجل، وما هي آخر الحلول التي تم التوصل إليها بشأن المنطقة الصناعية التي تم تثبيتها في هذا المخطط ضمن الحرم الطبيعي لقلعة "الرحبة" التاريخية، وهي القضية الأكثر تعقيداً في تنفيذ هذا المخطط بعد أن تم نقلها إلى أعلى مستويات المسؤولية، وأصبحت ككرة الثلج تكبر وهي تتدحرج في أروقة الجهات المعنية، كوزارتي الثقافة والإدارة المحلية وجمعيات العاديات والهيئات الثقافية الدولية، إضافة إلى القيادات الإدارية في محافظة "دير الزور"؟

القضية ببساطة يمكن تلخيصها بأن مجلس مدينة "الميادين" قد قرر تجميع الحرفيين في منطقة واحدة، سميت بالمنطقة الصناعية، وقد اختار لهذا الغرض موقعاً متاخماً لقلعة "الرحبة" لبناء ما يقارب الـ 1000 مقسم، وهذا ما أثار حفيظة دائرة آثار "ديرالزور" وكذلك جمعية العاديات فيها، إضافة إلى عدد كبير من الشخصيات الثقافية في المحافظة، مطالبين بنقل المنطقة الصناعية إلى مكان آخر لأن موقعها الحالي يدخل ضمن الحرم المعدل للقلعة.

المطلوب الآن تجميع الحرفيين والصناعيين في منطقة واحدة وإخراجهم من المدينة لأنهم أصبحوا يشكلون عبئاً عليه، والبديل، عدا منطقة الحرم، غير موجود حالياً، وإيجاده يستلزم سنوات من الدراسات والمسح الطبوغرافي وغيرها..

بين أخذ وجذب وتبادل الاتهامات، استمر لما يقارب الثلاث سنوات، يبدو أن الأمور قد حسمت مؤخراً، فقد أنهت اللجنة الوزارية أعمالها وخلصت في تقريرها إلى بعض الحلول العملية..فهل كانت هذه الحلول مرضية للجميع.

قلعة الرحبة وتبدو الأرض المحيطة بها والتي تشكل حرماً لها

eDair-alzor قام بتاريخ 5/3/2009 بالاتصال بجميع الأطراف المعنية للتعرف على آخر ما آلت إليه الأمور.

السيد "علاء السوادي"، رئيس مجلس "مدينة الميادين" يقول:

«منذ ما يقارب الشهر أنهت اللجنة المشكلة من وزارة الثقافة ومجلس مدينة "الميادين" واتحاد الحرفيين، أعمالها واستقرت على رأي مفاده الاعتراف بحرم للقلعة بطول 500 م وتنفيذ المقاسم في المساحات التي تليه، وبهذا فقد خرج 400 مقسم من الحسبة، سيعوض أصحابها بمقاسم أخرى في مناطق أخرى من التوسع.

كذلك تم الاتفاق على وقف أعمال الحفر والبناء والخدمات الخاصة بالبنى التحتية اللازمة للمقاسم، داخل الحرم المتفق عليه، والمباشرة باستكمالها خارجه، بما في ذلك الصرف الصحي وشبكات المياه والكهرباء».

وعن استفسارنا عن السبب الذي منعهم من إخراج جميع المقاسم خارج منطقة القلعة، أسوة بـ 400 مقسم، آنفة الذكر، وإنهاء للغط والاحتجاج، أجاب "السوادي":

«المطلوب الآن تجميع الحرفيين والصناعيين في منطقة واحدة وإخراجهم من المدينة لأنهم أصبحوا يشكلون عبئاً عليه، والبديل، عدا منطقة الحرم، غير موجود حالياً، وإيجاده يستلزم سنوات من الدراسات والمسح الطبوغرافي وغيرها..».

بالمقابل فإن "جمعية العاديات" ترفض التسليم بالأمر الواقع وتعتبره حلاً ناقصاً، وهذا ما يعبر عنه المهندس "أسامة الرحبي"، أحد أعضائها، إذ يقول:

«برأيي إن المعالجة تتم على شقين: الأول: وهو متعلق بالمنطقة الأثرية، وفيه يجب تثبيت حرم القلعة على المخطط التنظيمي مع التأكيد على أسلوب البناء للمباني الواقعة خارج منطقة الحرم، وذلك وفق المخططات المعتمدة من قبل مديرية الآثار.

والثاني: متعلق بالمنطقة الصناعية، إذ لا يكفي إخراج 40% من المقاسم لنقول أننا فعلنا شيئاً عظيماً لحماية القلعة، الحل الأمثل هو إخراج كل هذه المقاسم من المنطقة الأثرية، أي إيجاد منطقة صناعية بديلة عن المنطقة الأثرية، وهو موجود في منطقة التوسع الجديدة، لا سيما أن هناك دراسات جديدة بشأنها وقد بوشر فعلياً بأعمال المسح الطبوغرافي، ولا تحتاج إلى سنوات طويلة كما يقول السيد رئيس مجلس المدينة.

كذلك أنصح بأن تضاف إلى المنطقة الصناعية الجديدة منطقة أخرى، سكنية، خاصة بالصناعيين، ضمن تجمع عمراني متكامل ومزود بالخدمات والمرافق والحدائق، أي منح الصناعيين مقسمين، صناعي وسكني، كشكل من أشكال ترغيبهم للتخلي عن مطالبهم لمجلس المدينة بتنفيذ مقاسمهم في المنطقة ألأثرية، كما تنص على ذلك عقود البيع».

من جهتها فإن دائرة الآثار والمتاحف بـ"ديرالزور" تتعامل مع الأمر على مبدأ "الرمد أحسن من العمى"، وهي التي كانت تُمني نفسها بحرم أوسع للقلعة، وبمزيد من الحماية للمنطقة الأثرية برمتها، فالسيد "ياسر شوحان"، مدير دائرة آثار دير الزور يقول:

«لقد حُدد حرم الرحبة منذ عام 1960، وضمن هذا الحرم تقع بعض المواقع الأثرية، كمزار "الشيخ شبلي" ومزار "الشيخ أنس" ومزار "الشيخ فريح" ومئذنة "الشيخ علي"، وبالتالي فإن منطقة القلعة منطقة أثرية ضمن سلسلة المواقع الأثرية، وهذا يعني أن إقامة منطقة صناعية تطوق القلعة أو جانبيها سيؤدي مع الزمن إلى ذوبان الموقع.

التنقيبات التي أجريت على قلعة "الرحبة"، أثبتت أن هناك إمكانية وجود مواقع أثرية أخرى خارج القلعة وخارج حدود الحرم، وبالتالي فإن هذا الحرم نفسه قابل للتوسع، وهذا ليس غريباً، ومثال ذلك "دورا أوريوس" أو "الصالحية" التي كان حرمها 1000م فأصبح اليوم 4 كم، وهو قابل للتوسع مستقبلاً.

حال الرحبة قد يكون حال "دورا أوريوس" وهناك ما يؤشر لذلك، كالجامع القديم على الشارع الرئيسي مباشرة، والقبور والمدافن التي قد تعود للفترة الآرامية وغيرها.

نحن اليوم، بالتعاون مع وزارة السياحة، نسعى لتخديم المنطقة سياحياً ونعمل على إعادة تأهيل المزارات المحيطة بالقلعة والاستمرار بأعمال التنقيب ومتابعة عمل البعثات السورية - الفرنسية المشتركة».

ويتابع "شوحان" كلامه:

«علينا توضيح الأمر التالي: إن حرم القلعة قد حُدّد كما قلنا في عام ،1960 وأعيد تحديده عام 1987، وفي عام 2004 وسعنا الحرم، ووزع على ثلاثة مواقع:

الموقع أ- يمنع فيه البناء والزراعة بشكل كامل.

الموقع ب- يسمح فيه بالزراعة الموسمية فقط.

الموقع ج- يسمح فيه بالبناء لطابق واحد فقط على أن لا يتجاوز ارتفاعه 4 م.

وضمن الدراسات المعدة حالياً في المخطط الجديد لمدينة "الميادين"، فإن المنطقة الصناعية تقع في منطقتي"ب" و"ج"، وبالتالي ضمن حرم القلعة.

لقد فعلنا، رسمياً، كل ما يمكن فعله من أجل القلعة، وأتمنى من مجلس مدينة "الميادين" أن يعيد النظر في مخططه التنظيمي وأن يفتش عن مكان آخر للمنطقة الصناعية، حتى لو لم يكن هناك خلافات حول الحرم، لأن هذه هي المنطقة الأثرية الأهم للمدينة».

بقي القول إن علينا اليوم أن نتطلع إلى المستقبل وألا نفرط بالاستثمارات الاستراتيجية للأجيال القادمة، فإذا كان المناخ السياحي في المنطقة الشرقية اليوم ضعيف رغم وجود أكثر من 25% من آثار سورية وتاريخها في هذه المنطقة، إلا أنها قد تشهد في العقود القادمة نشاطاً سياحياً وبالتالي الأموال والاستثمارات السياحية.

جدير بالذكر أن قلعة الرحبة تقع على بعد 5 كم جنوب مدينة الميادين، التابعة لمحافظة دير الزور، وهي إحدى القلاع الرومانية الشهيرة، تم تهديمها أكثر من مرة بفعل الحروب أو الكوارث الطبيعية، وقد أعيد بناؤها في الفترة الإسلامية على يد الأمير مالك بن طوق الذي أحسن سياستها وتنظيم شؤونها حتى باتت تعرف باسمه. عرفت الرحبة منذ هذا الأمير ألقها التاريخي فغدت في عهده الطريق الثانية للخلافة العباسية، وقد عاشت أحداثاً وتطورات عسكرية وسياسية خطيرة كان لها تأثيرها البارز في الفترة المتأخرة من الدولة العباسية.

آلت الرحبة إلى السلاجقة ثم إلى الأتابكة، وقد تعرضت لهزة أرضية أدت إلى تخريبها وتخريب مدن سورية أخرى كشيزر وسلمية، إلى أن دخلت في طاعة صلاح الدين الأيوبي وخلفائه الذين أعادوا بناءها وتحصين قلعتها وأسوارها، لكنها سقطت مجدداً بأيدي التتار الذين خربوها مجدداً وفتكوا بسكانها.

في العهد المملوكي أدرك الظاهر بيبرس أهمية الرحبة في مواجهته مع التتار، فاستولى عليها وأعاد إعمارها، وبقيت في أيدي المماليك حتى آلت إلى العثمانيين مع كامل البلاد الأخرى في الشام والعراق.