أهل "الرقة" كغيرهم من شعوب العالم، لديهم الكثير من المعتقدات الشعبية والأسطورية، التي كانت سائدةً لفترة طويلة من الزمن، وكثيراً ما كانوا يمارسون طقوساً شعبية خاصةً، تتناسب مع هذه المعتقدات، ولعلَّ من أشهرها وأقربها عهداً، هو ذاك الطقس الذي يتزامن مع حدوث ظاهرة خسوف القمر، ما هو هذا الطقس يا ترى؟ وكيف كان يحييه أهالي منطقة "الرقة"؟ وهل مازال قائماً إلى يومنا هذا؟
موقع eRaqqa وبتاريخ (26/3/2009)، التقى الباحث "حمصي فرحان الحمادة"، وطرح عليه جميع هذه الأسئلة، فأجاب بتفصيلٍ مفيدٍ، قائلاً: «إن الخسوف والكسوف ظاهرتان طبيعيتان علميتان، ويستطيع العلماء اليوم أن يحسبوا بدقةٍ ولمئات السنين المستقبلية موعد حدوثهما، لأنهما مبنيَّتان على أسس رياضية معروفة.
فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره
والإنسان منذ القدم كان يراقب هاتين الظاهرتين الغامضتين بالنسبة له، وذلك لارتباط حياته بالشمس والقمر، وكان ينسج الأساطير حولهما، ويعتبر أن كسوف الشمس وخسوف القمر من الظواهر المخيفة، فكان يظنُّ عندما تنكسف الشمس أن تنيناً قد ابتلعها، أو أن عظيماً قد مات، أو أن حدثاً خطيراً سيحدث، وغير ذلك من الأساطير التي لا تقوم على أساس علمي.
وكان بعض الناس يعتقدون أن الكسوف هو نتيجة لمعركة تدور بين الآلهة، ففي الصين مثلاً، كانوا يرمزون للشمس بأنها طائر ذهبي، وأما القمر فرمزه الضفدع، وعند حدوث الكسوف، فإن المعركة لا شك أنها بدأت بين هذين الرمزين، أما عرب الجاهلية، فكانوا ينظرون إلى كسوف الشمس على أنه يمثل موت إنسان عظيم، أو خسارة معركة عظيمة.
ولقد بينت الأبحاث العلمية في العصر الحديث، أن خسوف القمر، ناتج عن وقوع الأرض بين الشمس والقمر، فتحجب الأشعة المنعكسة عن القمر فيظن المرء، أن القمر قد اختفى، ويحدث الخسوف للقمر دائماً عندما يكون بدراً، ويستمر الخسوف عادة لمدة /100/ دقيقة، أما ظاهرة كسوف الشمس، فتحدث عندما يمرُّ القمر من أمام الشمس فيحجب ضوئها عن الأرض، وإذا مرّ القمر بشكل كامل أمام الشمس فإن الشمس تختفي بشكل كامل، وهنا يحدث الكسوف الكلي، أما إذا مرّ القمر بشكل يحجب قسماً من ضوء الشمس، فهذا ما يسميه العلماء بالكسوف الجزئي.
أما بالنسبة للمسلمين، فمن المعروف أن هناك صلاة تسمى صلاة الكسوف، وهذه التسمية تشمل الظاهرتين على حدٍّ سواء، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، صفة صلاة الكسوف، وأمرَ أن ينادى لها بجملةِ: "الصلاة جامعة"، عند بداية الكسوف أو الخسوف، فيسارع الناس إلى المساجد لأدائها، وأصح ما ورد في ذلك، هو أن يصلي الإمام بالناس ركعتين، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، ويطيل فيهما القراءة والركوع والسجود، ثم بعد الصلاة يُشرَّع للإمام إذا كان لديه علم، أن يَعِظَ الناس ويذكِّرهم ويخبرهم أن كسوف الشمس والقمر، آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، وأن المشروع للمسلمين عند ذلك، الصلاة وكثرة الذكر والدعاء، والتكبير والعتق والصدقة حتى ينكشف ما بهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم».
وفي روايةٍ أخرى: «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره»، وهناك تفصيل دقيق لهذا الموضوع في الشريعة الإسلامية، لا مجال لذكره الآن».
وبسؤال "الحمادة" عن الاعتقاد الشعبي لأهالي منطقة "الرقة"، فيما يتعلق بتفسير هاتين الظاهرتين، أجاب قائلاً: «لقد اهتم أهل "الرقة" كثيراً لظاهرة خسوف القمر، ولم تنقل إلينا الذاكرة الشعبية لهذه المدينة، أي اهتمام يذكر لظاهرة كسوف الشمس، ولعل مردَّ ذلك، هو أن الكسوف يحدث نهاراً، على عكس الخسوف الذي يحدث ليلاً، حاجباً نور القمرِ، محدثاً ظُلمةً حالكةً، تبعث الخوف في نفوس الناس، وقد فسروا سبب الخسوف بطريقة أسطورية، قريبة لما هو سائد لدى الكثير من الشعوب، حيث كانوا يعتقدون أن حوتاً عملاقاً قد ابتلع القمر.
وقد كانوا يشعرون أن من واجبهم إنقاذ القمر من هذا الحوت المفترس، وذلك لا يكون إلا بإخافته وإيقاع الرعب في قلبه، كي يلفظ من فمه القمر الذي ابتلعه، والطريقة هي أن يلجأ الناس إلى القرع على الأواني المعدنية بضربات عالية الصوت، أو بالقرع على الصفائح المعدنية، مرددين: «حوته بالله يا حوته...خلِّي قمرنا يفوتا».
وفي كثير من الأحيان كان الرجال يستخدمون البنادق والمسدسات، وذلك زيادة في إيقاع الرعب في قلبه، وكانت يستمر هذه الطقس إلى حين انجلاء ظاهرة خسوف القمر، فيعود الناس فرحين إلى منازلهم، بعد أن حققوا أمنيتهم بتخليص قمرهم المحبوب من الحوت الغدار، والذي عاد ليضيء بنوره ظلمة لياليهم.
ولم يكن أهل "الرقة" يمارسون صلاة الكسوف، ولم نعرف أو نسمع أن أحداً قد قام بهذه الصلاة، ولعلَّ ذلك يعود لتفشي الأمية، وعدم معرفتهم الكافية بالعلوم الشرعية، أما الآن فإن بعض المساجد تؤدي هذه الشعيرة الدينية، وأستطيع أن أقول أخيراً إن هذا الطقس بدأ يختفي شيئاً فشيئاً من مدينة "الرقة"، لكننا مازلنا نرى بعض الممارسات الفردية له، والتي تقتصر على إطلاق العيارات النارية، من بعض الأحياء عند حدوث الخسوف، ولعلَّ السبب في تراجع هذا الطقس، يعود لانتشار التعليم في السنوات الأخيرة، ووقوع الناس على التفسير العلمي والحكم الشرعي لهذه الظاهرة، من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة».