لم تبق الرغبة الطفولية بالعزف على آلة العود حبيسة الأمنيات عند العازف "أحمد الموسى" ابن مدينة "جرابلس"، بل شاء الله أن تجمعه الصدف بأحد العازفين الشباب الذي أتاح له فرصة ملامسة "العود" ليتحول بعد ذلك خيط الأمل إلى جسر من الواقع يصله بآلة العود، ومن ثم ليتعهد بشراء "العود" من أول مرتب سوف يقبضه، ولتضمه الموسيقى في جماعة الهواة الذين أُغرموا بدندنات الأوتار..

eSyria التقى وبتاريخ (5/3/2008) بعازف العود "أحمد الموسى" أحد الهواة الريفيين الذين لم تمكنهم بساطة الريف وافتقاره للمعاهد من تعلم الموسيقى بشكل أكاديمي ليكون اجتهاده الشخصي هو كل ما يملك، وعن مثل هذه البداية يتحدث "أحمد الموسى" قائلاً:

الريف بشكل عام بحاجة إلى أمور كثيرة..، أما الموسيقى فيه فهي مهملة كثيراً، فحتى المدرسين الذين يُدرسون الموسيقى في المدارس الكثير منهم لا يفقه في الموسيقى شيئ، وتوازيا مع هذا فإنك تجد الكثير من الموهوبين الذي بحاجة إلى من يرعاهم ويرشدهم إلى الطريق السليم..

«حبي لآلة العود كان يلازمني منذ الصغر إلاّ أنني لم أُقدم على تعلمه لأنني كنت أظنه صعبا فبدأت مع شيء أسهل ألا وهو الرسم والخط فصرت أحتك بالخطاطين وأتعلم منهم، ومن ثم وبعد تخرجي من المعهد الرياضي ذهبتُ في دورة مركزية في الرسم والعزف نظمها اتحاد شبيبة الثورة في "دمشق"، ولتكون بدايتي مع الموسيقى عن طريق احتكاكي بأحد الزملاء من محافظة " الرقة" والذي كان يعزف على آلة العود، فشعرت حينها أن العود أصبح أكثر قربا مني، وحينما صرت أتلمس أوتاره وأدندن بها زال وهم الصعوبة، وبدوره زميلي لم يبخل عليّ بشيء، وصار يتحدث لي أكثر عن العود ويعلمني أساسيات العزف عليه، وبعد ذلك قررت أن أشتري عودا من أول مرتب أحصل عليه من وظيفتي وفعلا كان ذلك..».

مع مراسل eSyria...

ولأن "أحمد" لم يجد من يعلمه أكثر ويساعد لجأ إلى الكتب والكراسات معتمدا على نفسه في تطوير ذاته، ويقول:

«بعد شرائي للعود اعتمدت على العزف السماعي، وصرتُ أطور نفسي عن طريق شرائي للكتب التي تعلم العزف، وأيضاً كنت كثير السؤال لمن لديهم خبرة ولو بسيطة في مجال الموسيقى، وذلك باستغلالي لزيارة بعض العازفين خريجي المعهد العالي الذين هم من أبناء "جرابلس"، وبعد ذلك صرت أشارك في حفلات ومهرجانات الطلائع، وفي إعداد بعض المعزوفات البسيطة للأطفال وخصوصاً في المدرسة التي أدرس فيها..».

أحمد الموسى

وحينما سألناه، لماذا اخترت آلة العود دون غيرها أجاب:

«كما قلت لك منذ صغري كنت أعشق هذه الآلة وأحب العزف عليها، ربما لأنني أحسها قريبة مني أكثر من غيرها على الرغم من أن العود من أصعب الآلات الموسيقية، وذلك لأنك تتعامل مع ستة أوتار مزدوجة، وبالإضافة إلى ضرورة أن يتمتع عازف العود بأذن موسيقية ودقة في العزف، فهي بحاجة أيضاً إلى إحساس خاص يربط الآلة بالعازف، وبذلك فإنك لن تستطيع إتقان العزف على أية آلة موسيقية ما لم يشدّك إليها حب خاص ومميز يفوق تعلقك بأي شيء آخر سواها، وهذا ما شدني إلى آلة العود».

وتابع "احمد الموسى" حديثه عن الخطوات التي ينتهجها لتطوير نفسه قائلاً:

«كنت أتمنى أن توجد معاهد موسيقية في مناطقنا نجعلها المعين لنا في التعلم الصحيح للموسيقى، ولكن للأسف لا يوجد، وبالرغم من ذلك فقد بدأت مؤخراً بتعلم "النوتة" الموسيقية، وذلك بمساعدة بعض الأصدقاء خريجي المعهد العالي للموسيقى، وأنا أرى في هذه الخطوة شيء مهم جداً بالنسبة لي وذلك لأن العازف السماعي يعتمد على أذنه في إتقان اللحن وهذا ما قد يقوده إلى الخطأ أحياناً، بينما "النوتة" الموسيقية تعتبر قواعد أساسية ينتهجها العازف للوصول إلى اللحن الصحيح..».

أما تكيف آلة العود مع اللحن والصوت فهو كما يراه "أحمد":

«كل آلة موسيقية تختلف عن غيرها بعدّة نقاط ابتداء من الصوت مرورا بأسلوب العزف انتهاءً بإحساس العازف..

وبالنسبة لآلة العود فهي تضم خمسة أوتار مزدوجة بالإضافة إلى الوتر السادس وهو وتر مضاف، والعزف عليها يتم بالتناسق بين اليدين الاثنتين، فالبيد الأولى تضغط على الوتر وبالأخرى تتحول على نفس الوتر وبها استطيع الحصول على أكثر من نغمة من خلال تنقل الأصابع على الوتر.

وبالنسبة للنغمة في المقامات الغربية فهي تقسم إلى نصفين، أما في المقامات الشرقية فحتى النصف قسم إلى نصفين، أي أنك حصلت على ربع النغمة، ولدينا أيضا ما يسمى بالقرار والجواب، فالقرار يتم بالأوتار العلية، والجواب بالأوتار السفلية، أما أكثر الأوتار استخداما فهو وتر "الري" الوتر الذي يقع في الوسط وذلك لأن أكثر الأصوات تنسجم معه..».

وعن تكيف عازف العود في تقديم اللحن مفرحا أو حزينا يضيف:

«هنا يبرز عامل الإحساس عند العازف، فالعازف بإمكانه أن يعزف نفس اللحن بأسلوب حزين أو بأسلوب مفرح، ويعتمد في ذلك على سرعة الإيقاع وبنفس الوقت اللعب على النغمة من خلال حركة الأصابع، والموسيقى كما يصفها الجميع هي غذاء الروح، وأنا أعتبرها أنيسي الدائم في فرحي وحزني، ومصدر بوحي الذي أجعله متنفسا لما يختزن في داخلي، أحيانا يشعر العازف انه يعصر العود عصراً لإخراج كل ما فيه من أحزان..».

وختام ما دار من حديث مع العازف "أحمد الموسى" هو عن وضع الموسيقى في منطقة "جرابلس" فتحدث "أحمد" عن فقر المنطقة لكل ما يمتُ للموسيقى بصلة، قائلاً:

«الريف بشكل عام بحاجة إلى أمور كثيرة..، أما الموسيقى فيه فهي مهملة كثيراً، فحتى المدرسين الذين يُدرسون الموسيقى في المدارس الكثير منهم لا يفقه في الموسيقى شيئ، وتوازيا مع هذا فإنك تجد الكثير من الموهوبين الذي بحاجة إلى من يرعاهم ويرشدهم إلى الطريق السليم..».

بقي أن نذكر أن "أحمد الموس" من مواليد (1976)م مدينة "جرابلس" في ريف "حلب"، خريج معهد التربية الرياضية عام (1996)، يعمل مدرس للتربية الرياضية في "جرابلس"وأيضاً عازف للعود في فرقة "جرابلس" للفنون الشعبية المحدثة منذ أشهر..