استطاعت الرواية الجزائرية وعبر سنواتها الطويلة أن تخلق لنفسها حيزاً في الساحة الروائية العربية، حيث تمكن روادها من تغيير نمط وشكل الرواية العربية المتعارف عليه، لتكسر قيودها الاجتماعية، ويصبح الروائي الجزائري من أوائل الباحثين عن الحداثة في الرواية. هذه الأسباب وغيرها دفعت الكثير من الأدباء والفنانيين السوريين لحضور الحوار المفتوح مع الروائي الجزائري "رشيد بو جدرة" في قاعة المحاضرات بمبنى مؤسسة الوحدة، ليدير الحوار الروائي والصحفي "غازي حسين العلي" المسؤول عن الملحق الثقافي الصادر عن جريدة الثورة.
موقع "eSyria" حضر الحوار بتاريخ 19/1/2009 حيث افتتحه الصحفي "غازي حسين العلي" محاولاً القاء الضوء على تجربة "بوجدرة" الروائية وحيثيات موافقته على الكتابة في الملحق الثقافي فقال: «منذ أربعة أشهر اتصلت بالروائي الجزائري "رشيد بوجدرة" ودعوته للكتابة في الملحق الثقافي، ولكي أضمن موافقته قلت له عبر الهاتف أن نخبة فقط من المثقفين والكتاب في سورية يعرفونك وهذا باعتقادي أمر مؤسف، فأجابني دونما تردد وبشيء من الأسف أيضاً: "أعرف ذلك"، والمفاجأة التي أسرتني كثيراً أن "بوجدرة" الروائي الذي كتب ويكتب بحد السكين وسبر أغوار المجتمع الجزائري كما لم يفعل قبله أحد وافق على الكتابة بعد قليل من التردد والاستفسار، فكان ذلك بالنسبة لي مطلباً لما أكن متأكداً من نيله بأن يكون "بوجدرة" ضيفاً عزيزاً على الملحق كل أسبوع. "بوجدرة" الكاتب الجزائري من مواليد "عين البيضا" في الشرق الجزائري من مواليد العام 1941م. يحمل إجازة في الفلسفة والرياضيات، ودراسات عليا من جامعة "السوربون" في "فرنسا"، وله 13 سيناريو فيلم أهمها "وقائع سنوات الجمر" الذي نال السعفة الذهبية في مهرجان "كان" السينمائي العام 1975م، وصدر له 26 رواية منها: "التطليق"، "التفكك"، "ألف وعام من الحنين"، "الحلزون العنيد"، "ليليات امرأة أرق"، وقدمت بأعماله الأدبية المئات من رسائل الدكتوراه، وترجمت أعماله إلى 32 لغة».
إن الأديب لا يبحث عن الحقيقة. حتى الفيلسوف لا يبحث عن الحقيقة، وهنا أقصد الحقيقة المطلقة، ألف عام من الحنين هو مثال طوباوي ومطلق في عمل إبداعي عن ما نريد قوله
وابتدأ الحوار بسؤال الفنان السوري "جهاد سعد" حيث قال: «هل نطق "رشيد بوجدرة" الكلمة التي يريد أن يقولها؟». ليجيب "بوجدرة": «إن الأديب لا يبحث عن الحقيقة. حتى الفيلسوف لا يبحث عن الحقيقة، وهنا أقصد الحقيقة المطلقة، ألف عام من الحنين هو مثال طوباوي ومطلق في عمل إبداعي عن ما نريد قوله».
وحول سؤال "eSyria" عما إذا كان مستوى حرية التعبير في أدب "بوجدرة" بكلتا اللغتين الفرنسية والعربية واحد. أجاب "بوجدرة": «كنت أقول لنفسي دائماً انتبه من الرقابة الذاتية وكنت أبالغ بها أحياناً لكي لا أقع بهذا الفخ، ولكن كتبت بحرية أكثر في اللغة العربية، خصوصاً وأني أستعمل اللغة الشعبية الشعرية، وهي لغة اللامقول المتميزة بالضبابية».
ولدى إجابته عن سؤال أحد الحاضرين حول قدرته تجسيد المرأة وأحاسيسها في أعماله الروائية، وخصوصاً في روايته "ليليات امرأة أرق" تحدث "بوجدرة": «علاقتي مع المرأة ابتدأت مع أمي ومن ثم النساء اللاتي تعرفت إليهن، حقيقة لا أعرف ما هو سر قدرتي بالكتابة عن المرأة، ولكن في روايتي "ليليات امرأة أرق" أعتقد أن هناك شيء من تلك الأحداث عن امرأة، وبقية هذه الأحداث لدي في اللاوعي لتظهر عند كتابتي الرواية، وهناك الكثير من النساء اللاتي اتصلن وقلن لي بأن هذه المرأة التي تتحدث عنها ليست جزائرية بل هي امرأة لا هوية لها قد تجدها في أي مكان وزمان».
وفي نهاية الندوة اختتم الروائي "بوجدرة" حديثه عن المحرقة في غزة ووحشية العدوان الإسرائيلي فقال: «في العام 1972م كتبت رواية "يوميات فلسطينية" حيث ساعدني صديق في السفر، ورؤية المخيمات التي يقطنها الشعب الفلسطيني والحياة التي يعيشها. إن ما حصل في غزة محرقة تُشعر المواطن العربي بالأسف والعذاب والألم على الشعب الفلسطيني. لقد تحدث الصهاينة كثيراً عن محرقتهم، والآن هم يرتكبون المحارق ضد الآخرين. يقتلون ويشردون ويعذبون الشعب الفلسطيني لتكون محرقة ومجزرة جديدة تضاف إلى محارقهم».