هو واحد من الذين عشقوا ماضيهم، وتمسكوا بملاعب طفولتهم، في ظل هجمة الحداثة التي شملت العالم بأكمله في المدينة والقرية على حد سواء.

"برهان حيدر" واحد من متلقفي بقايا تراثنا الآخذ بالزوال، فبات من الأسماء التي يدين لها جيل الشباب، لجهوده الكبيرة في حفظ هذا التراث والبحث فيه.

لقد تمكنت بعلاقة طيبة مع الآهل والجيران، بجمع ما يسمى نواة لمتحف تراثي، كان للأستاذ "أيمن ياسين" مدير "المركز الثقافي في عين البيضا" دور في إظهاره، وإبرازه، والآن يعرض القسم الأكبر من مقتنياتي من هذا التراث في أحد قاعات المركز الثقافي في القرية، ومن خلال موقع eSyria أنا أدعو الجميع لزيارة هذا المتحف الشبه دائم

eLatakia زار الباحث في منزلة في قرية "عين البيضا"، بتاريخ 9/1/2009م، وأجرى معه حواراً حدثنا فيه عن مسيرة حياته، التي بلورت لديه دوافع الرغبة في البحث عن الماضي.

موقد داخل منزل

بدأ الباحث "برهان حيدر" حديثه بتفسيره لمعنى التراث بقوله: «إن التراث نوعان نوع مادي، وآخر معنوي، أما المادي فهو الأدوات والأشياء الملموسة، كأدوات الحداثة، والطعام، وكالبيوت، وغيرها، وأما اللامادي، أي "المعنوي"، فهو "الكلمة"، و"المثل"، و"الحزورة" و"الأغنية" و"الحكاية" وأنا أجد أن الأزياء تجمع بين التراث المادي، والتراث المعنوي، فهي مادية عندما ترد عنا البرد والحرارة، وهي غير مادية لما يمكن أن تمثله من فكر، وثقافة».

كما تحدث الباحث عن جملة مواقف في حياته بلورت عنده الرغبة في الحفاظ على التراث والبحث فيه فقال: «إن ما شدني للتراث هو أني ابن بيئة ريفية، وأبوين فلاحين. أنا ابن قرية "عين البيضا"، فترة هامة من طفولتي قضيتها في البيادر، فللحصاد موسم يذكرنا بالخصب، والعطاء، والتعب، أما باقي أوقات السنه فالبيادر مكان للعب والمرح.

من قرية عين البيضا

في العام 1968م، كنت حينها طالباً، فشكلت مع أصدقائي فرقة فنية هي أشبة بالمسرح الراقص، ولم نكن حينها نحتاج لديكور خاص، بل كان لباسنا اليومي هو لباس المسرح، الأعضاء كانوا من أبناء القرية، والعمل الذي كانوا يقدمونه هو من وحي القرية. عملنا مصطبة طينية من بيت مهدوم، وقدمنا أول حفل فني عندها في موسم قطاف التين والعنب، وكنا نضيء ليلنا بضوء "الكاز" قدمنا في عرضنا أغاني "الدلعونا"، و"اللالا"، و"اليادي"،

ذلك جعل عندي ذخيرة جعلتني أتفتح على ذلك الموروث الغني في ريفنا.

لقد تابع هذا المسرح عدة سنوات واكبه خلالها الأستاذ "غياث محمود"، ثم تحول بعدها إلى مهرجان أدبي كبير بفضل الشاعر "سعيد محمود" فكان الشعراء يأتون من جميع المناطق، يلقون شعرهم في الساحة الرئيسية، وكنت عريف الحفل لأكثر من عام، وعندما بني هذا الصرح "المركز الثقافي العربي في عين البيضا" تحول نشاطنا إلى مهرجان أشمل وأكثر تنظيماً».

كما تحدث عن العلاقة ما بين نشاطه الفني وحبه للتراث قائلاً: «لدي نشاط في الفن التطبيقي، وفن القشر، حيث أصوغ أعمالي من أغصان الأشجار، و"اليقتين" وأحوله إلى أشكال فنية وفي هذا السياق عندما غادرت إلى اليمن في العام 1984م، وعملت في مدينة صنعاء العاصمة، شاركت هناك بعدة معارض لأربع سنوات بما أقدمه من فنون تطبيقية، حصلت خلالها على شهادة تقدير من وزارة التربية اليمنية، وهذا ما اعتز به كوني مثلت بلادي خير تمثيل كمعلم معار من سورية

وما لفت نظري لدى وصولي هناك هو أن اليمن تتألف من قسمين، حديث وآخر قديم، فصنعاء القديمة مسورة بسور قديم لها أسواقها التي ما تزال تحتفظ بطابعها القديم، كما بناؤها، وأزقتها، ونوافذها، مما جعل منها لوحة فنية تجذب إليها الغريب، والقريب. هكذا تمكن اليمنيون من الحفاظ عليها كما هي لأنهم لم يسمحوا بالبناء الحديث فيها، بل كان في مكان آخر مستقل. عندما أتذكر صنعاء القديمة أتذكر قرانا قديماً، هذه القرى التي فقدت خابية الزيت، و"الباطوس" و"الجرن عند العين" و"البيوت الطينية" و"الحجرية" ومن هذا المنطلق أنا لا أرفض التطور لقريتي، والحمد لله التطور فيها كبير، ولكني أتمنى أن يصاحب هذا التطور الاحتفاظ بتراث الآباء والأجداد حتى لا يندثر، لأنه يمثل الجذر الذي نأخذ منه النسغ من الماضي، وهو ما يمثل هويتنا، وتاريخنا».

أخيراً حدثنا الباحث عن مشروعه الخاص وهو متحف للتراث الريفي فقال: «لقد تمكنت بعلاقة طيبة مع الآهل والجيران، بجمع ما يسمى نواة لمتحف تراثي، كان للأستاذ "أيمن ياسين" مدير "المركز الثقافي في عين البيضا" دور في إظهاره، وإبرازه، والآن يعرض القسم الأكبر من مقتنياتي من هذا التراث في أحد قاعات المركز الثقافي في القرية، ومن خلال موقع eSyria أنا أدعو الجميع لزيارة هذا المتحف الشبه دائم».