«ترك لوحاته للاحتفال بذكرى المدينة القديمة ممزوجة بحالة من التوليد الدائم.. سلك خلالها طرق الحداثة والثقافة المتنوعة التي ضمنت له ولفترة طويلة العمل في مواضيع كثيرة، استمدت عناصرها من أسوار وساحات وبيوت "طرطوس" المائلة على البحر، حيث كانت في ستينيات القرن الماضي مدينة صغيرة بالغة الخصوصية، عالماً نقياص صافياً.. مفتوحة على البحر..» بهذه الكلمات قدّم المركز الثقافي الفرنسي معرض الفنّان "غسان جديد" الثاني بالمركز منذ العام /1995م/ والأربعين في "دمشق" منذ العام /1968م/.

تم افتتاح المعرض في 8/10/2008 ويستمر إلى 31/10/2008، ويتكوّن من سبعة عشر لوحة هاربة من عالم الطفولة، زاخرة باللون الأزرق، بريئة تشعر المتلقي بالسلام الداخلي.

أصبحت شاعراً بين البشر عندما كنت أستنشق الحياة وأعيدها في زفيرٍ أسمى..

ولد "غسّان جديد" في العام /1946م/ بمدينة "طرطوس" على الساحل السوري، تخرّج من كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق" في العام /1971م/، ويعرض أعماله منذ ستينيات القرن الماضي بانتظام في مدن "دمشق، حمص، وطرطوس"، وفي الخارج أيضاً: "تونس، ألمانيا وفرنسا"، كما شارك بالعديد من معارض الفن المعاصر في: "الكويت والإمارات العربية المتحدة"، وتوجد مجموعات خاصة مقتناة من أعماله على امتداد العالم.

غسان جديد

الأعمال المعروضة للفنان "غسان جديد" بالمركز الثقافي الفرنسي بـ"دمشق" تمثل بانوراما لمجمل مسيرته التشكيلية، التي بدأت من التعبيرية وصولاً إلى التجريد، وتتمحور كلها حول موضوع واحد فقط هو عوالم مدينة "طرطوس" القديمة ورموزها التاريخية: "البرج، قلعة الفرسان، المرفأ الروماني، المتحف، طاحونة الهواء، جزيرة "أرواد"، وكل ذلك مغلفاً باللون الأزرق لون البحر، كما قاد السفر في زرقة البحر فنّاننا إلى مشاهد من بلاد أخرى اتكأت على كتف المتوسط منذ زمن طويل مثل "اليونان".

«أصبحت شاعراً بين البشر عندما كنت أستنشق الحياة وأعيدها في زفيرٍ أسمى..» ببيت الشعر هذا بدأ الفنّان "غسّان جديد" حديثه لموقع"eSyria" عن تورطه في حب مدينة اسمها " طرطوس" مازال يعيد صياغة مشاهدها التي تراكمت في وعيه منذ الطفولة المبكّرة: «كنت ومازلت أسكن على البحر في عزلة تامّة، وفي مدينة لم تغرب الشمس على مشهدٍ أجمل منها، وأنا أعيد صياغة مفردات هذا المشهد منذ بدأت الرسم في مرحلةٍ مبكرة من الشباب..» وعن التقنية التي يتبعها بالرسم قال: «معظم لوحاتي رسمتها بالفرشاة، بألوان "الأكرليك" على ورق "الكانسون"، ولدي العديد من الأعمال الجديدة المرسومة على القماش بتقنيات مختلفة».

ما هي حكاية اللون في لوحاتك؟ من أين أتيت بكل هذا الإشراق، بكل هذا الفرح؟

«الألوان عندي تبدأ من الأزرق بدرجاته المختلفة وصولاً إلى ألوان الصخور المختلفة وما بينها كل ألوان الطيف التي تعكس الضياء، ألواني لها ملمس وفيها تبسيط وشفافية، وهي تنطلق من حس شاعري، تنطلق من بيئة أدمنت حبّها، مدينتي "طرطوس" فيها الكثير من العناصر التي يمكن أن تصنع فنّاناً»

ماذا عن التكوينات والخطوط والفراغ في لوحاتك؟

«الفراغ عنصر مهم جداً في لوحاتي، وفي هذا الفراغ أطرح تكويناتي الحركية المختلفة، وأعتمد كثيراً على التكوين البيضوي الذي يرمز للولادة في الحضارات القديمة، والدائرة التي ترمز للخصوبة أيضاً، وبدأت تدريجياً بإلغاء الخطوط لصالح التجريد، لتبدو لوحاتي الجديدة مجموعة من الرموز الطافية فوق الفراغ»

كيف تبدأ بالرسم؟ وبمن تأثرت بالفنانين التشكيليين السوريين والعالميين؟

«لا أخالط أحداً، أعيش لوحدي معظم الوقت، استمع إلى الموسيقا متفرغاً للرسم.. تأثرت بفنانين عالميين كبار مثل: "بيكاسو، غوغان، ميرو.." وبالفنّان السوري الراحل "لؤي كيّالي" الذي كنت أرافقه دائماً في زياراته إلى "طرطوس" حينما كان يأتي إلى المدينة للإطلاع على تجارب الهواة والانتقاء منها، وكانت مواضيعه المفضّلة جزيرة "أرواد" وأطفالها، وأدين لهذا الفنّان بالفضل لأنه قدم لوحاتي للمرّة الأولى في المعرض السنوي بمدينة "دمشق" في موسم العام/1964-1965م/ وكنت وقتها طالباً في الصف الثاني الثانوي.. أذكر تلك الأيام بكل حنين. أمّا اليوم فأقضي ساعات طويلة من حياتي اليومية على شبكة الانترنت، وأطلع على أحدث التجارب الفنيّة العالمية، وأتجوّل افتراضياً عبر هذه الشبكة في العديد من صالات العالم..» وختم بالقول: «لا أحب أن أتوقف عن الرسم أبداً، ولكن لا أدري هل سيمنحني العمر الكثير من الوقت.. أرجو ذلك».