«تعد ولادة الشعر الشعبي ولادة ناهضة وذلك عندما نبع من الشرق كشعر عامي من رحم الشعر الفصيح، وهو الذي حمل في ترانيمه العادات والتقاليد العربية التي رسخت دعائم منظومة اجتماعية ثقافية هدفها الرئيسي المحافظة على الأعراف الاجتماعية التي من خلالها استطاع العالم الآخر التعرف على الحضارة التاريخية التي نمتلكهافي مواجهة العولمة وما تفرضه علينا من مواد فنية سيئة وللأسف يتأثر بها الكثير من الجيل الشاب، وهي مثار لشجون العربي الذي بات بمنأى عن تراثه، ولدى الاستماع إلى الأشعار الشعبية القديمة تشعر بمدى المعاناة الحقيقية للشاعر آنذاك الذي استطاع أن يكون مؤرخاً وموثقاً للأحداث والوقائع».
هذا ما تحدث به الشاعر الشعبي المخضرم "نواف أبو شهدة" بتاريخ 28/9/2008 لموقع esuweda وأضاف قائلاً: «إن ما قرأته في ديوان الشاعر الشعبي "إسماعيل العبدالله" الصادر عن دار "سمرقند" يجعلني أعيش حالة من التأمل الذاتي والتساؤل مع نفسي كم كان هذا الشاعر عميقاً ومتعمقاً بثقافته المحلية حين أجاد استخدام مفردات بيئية يصعب علينا الآن معرفتها واستخدامها في حياتنا اليومية، ولهذا فإن الأستاذين "ناصر أحسان العبدالله" والشاعر الشعبي "حازم ناصر النجم" قد أجادا في تقديمهما للديوان بتعريف العامة بتراث هذا الشاعر الذي عمل مؤرخاً ومناضلاً وشاعراً في زمن كانت البلاد تقع تحت نير الاستعمار العثماني، وأعتقد أن ما قدمه هذا الشاعر في حياته يجعله يدخل سجل الخالدين بثقة واقتدار».
إن ما قرأته في ديوان الشاعر الشعبي "إسماعيل العبدالله" الصادر عن دار "سمرقند" يجعلني أعيش حالة من التأمل الذاتي والتساؤل مع نفسي كم كان هذا الشاعر عميقاً ومتعمقاً بثقافته المحلية حين أجاد استخدام مفردات بيئية يصعب علينا الآن معرفتها واستخدامها في حياتنا اليومية، ولهذا فإن الأستاذين "ناصر أحسان العبدالله" والشاعر الشعبي "حازم ناصر النجم" قد أجادا في تقديمهما للديوان بتعريف العامة بتراث هذا الشاعر الذي عمل مؤرخاً ومناضلاً وشاعراً في زمن كانت البلاد تقع تحت نير الاستعمار العثماني، وأعتقد أن ما قدمه هذا الشاعر في حياته يجعله يدخل سجل الخالدين بثقة واقتدار
الديوان الذي أصدرته دار "سمرقند" يقع في 174 صفحة من القطع الوسط، وهو يحمل بين دفتيه مجموعة كبيرة من القصائد التي تعود بعمرها الزمني إلى ما يقارب القرن من الزمن ولهذا عندما ظهر هذا الديوان بث التفاؤل في صفوف الكثيرين من محبي التراث والشعر الشعبي وخاصة شعر الشاعر "إسماعيل العبدالله" الذي اعتمد الوقائع مطية شعره الوجداني فقلما تجد قصيدة لديه دون حادثة وهو مصور للوقائع على درجة يستطيع أن ينقلك إلى الحدث لحظة حدوثه لدقة صوره وتعابيره الجزلة الجميلة.
موقع esuweda التقى الشاعر "حازم ناصر النجم" وأجرى معه الحوار التالي:
** الشاعر الشعبي "اسماعيل بن حمد بن قاسم العبدالله" المولود في قرية "حوط" في جنوب جبل العرب لم يتم تحديد ولادته بدقة سوى أنها بين عام 1850-1860، حيث شارك في الغزوات المتعارف عليها آنذاك وكان له طبع أشبه بطبع العلماء الذين يُسألون بين الفينة والفينة عن دقائق الأمور، وله قصائد كانت تدب الحماس في نفوس الثائرين ومنها قصيدته "المثورة" التي بعد الاستماع إليها قاموا بغارات على الاحتلال والتي تقول بعض من ابياتها:
البارحة باتن عيوني سهاره/ عدني بحبس الروم يا ناس مكتوف
جتني علوم وغث قلبي أخباره/ يا حيف ثم الحيف يا عيال معروف
شدوا على صم الرمك والبكارة/ وخلوا البيارق فوقهم ترجف رجوف
وأن ما غدا جمع الأعادي معاره/ راحت عليكم بالتعاليل وحسوف
** لم يخطر ببالي صورة لذلك الشاعر أجملَ من صورة ذلك الفارس الشاعر الذي اخترق صحراء الوجود بفرسه وسيفه وقلمه، ليقف وقفة العز الأخيرة ويستشهد وفي أسماعه صدى:
الخيل والليل والبيداء تعرفني/ والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ولم اقرأ "اسماعيل العبدالله" مرة إلا وارتسمت شخصية "أحمد بن الحسين" بأبعادها أمام ناظري وفي فناء روحي التي عشقته كما عشقت "المتنبي" ولا لست بصدد المقارنة بين الشخصيتين ولا بصدد المفارقة اللغوية والشخصية والسياسية بينهما ولكني استلهم عظماء العرب في كل حاجة تعصف بي لاستدعاء من أريد.
لقد قدم الشاعر باقة من أشعاره معالجاً فيها قضايا إنسانية واجتماعية ووطنية وعاطفية، وهو من الشعراء القلائل الذين تميزوا بأمية الكتابة والقراءة، وعلمانية الإدراك والنظم والتصوير، والجدل الفلسفي الذي يخاطب فيه الروح وينعتق من قيود الطبيعة إلى عالم الماوراء الإنساني، ليعيش حراً بين إيقاع مفرداته التي تنبع من قلب الصحراء واللغة العربية، وبين أنغام أشعاره وخفقات بنوده يذود عن الأرض والعرض والوطن، فهو فارس مغوار كانت تليق له العباءة حينما كان الثوار يدحرون الاستعمار بغزواتهم، وهو الشاعر الذي يتميز بالسكينة والهدوء وإعطاء النصائح والمواعظ كما في قصيدته التي سماها "الموعظة" والتي يقول فيها:
إن كان عاش المرء ميتين حجة/ لا بد ما يجدل عليه تراب
كم واحدٍ لو مات حيت مكارمه/ وكم ألف حيٍ ما عليه حساب
إن قل مال المرء كثرت ذواربه/ وإن كثر ماله قط ما يغتاب
** تتميز القصيدة لديه بطريقة الفن المعقد وتنقل إلى نثر المواجد على جسد القصيدة ولوم الدهر وشرح أطباع الدهر وذلك حين يقول:
الليا لفيت الريف أصبح ماحلا/ للمشقة بالمحارف مستعد
مر عمري بس ساعة ماحلا/ مال سعدي بألف برغي مستعد
وفي مرورنا السريع بمعرفة هذا الشاعر الكبير أتساءل عن المصادر التي عرف بها، والمعرفة التي نالها؟ هل هي كتب قديمة أو روايات شيوخ علم أو قراءات عن طريق المصادفة في زمن ما من حياته؟ كل هذا بعيد عن تصوراتنا بسبب التعتيم الثقافي الشامل الذي ساد في عهد العثمانيين والذي وصل إلى درجة الأمية المطلقة، أو على الأقل استبعاد فكرة وجود الوقت الملائم والمريح ليدرس تلك الجوانب الثقافية المثيرة للعجب في تلك الفترة وهذه الجوانب كثيرة منها معرفته بعلم النجوم كقوله:
الشمس ما غابت من الجدي وسهيل/ كل المحارف بطلوها الليا جيت
وبالتالي تشعر بأنه قد أرخ لمجتمعه وتوجه فيما كتب إلى الإنسان أينما كان وإلى الثائر والثورة على وجه الخصوص لذلك استمرت كتاباته تتناقلها الأجيال رغم انقضاء مئة عام عليها.