تقع أطلال مدينة كورش "النبي هوري" حالياً شمال شرق مدينة عفرين بنحو ( 45 كم) ولا تبعد عن الحدود الدولية مع تركية سوى (2 كم), يمر إلى الشرق منها نهر سابون بنحو (1,5كم), بُنيت على السفحين الشمالي والشرقي لمرتفع جبلي مغطّى بأشجار الزيتون.
كانت المدينة ذات يوم مركزاً دينياً وعسكرياً مهماً وذات شهرة كبيرة, وهي اليوم موقع أثري وسياحي غاية في الأهمية.
في الحقيقة لم يبق من آثار الموقع اليوم سوى أجزاء من سورها وبعض أساسات غرف الأبراج في زوايا سور القلعة, إضافةً إلى المسرح الروماني الرائع الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد.
للموقع تسميات عديدة, وهو يعرف اليوم "بنبي هوري" أو قلعة النبي هوري، أما الاسم اليوناني للمدينة فهو «سيروس», كما سميت «أجيابولس» أي مدينة القديسين كوزما ودميانوس وقد بُنيت كنيسة ٌحول قبريهما, وكنيسة سمعان الغيور التي بناها ودفن فيها بعد موته.
المؤرخون العرب كتبوا اسمها "قورش" وأحياناً "كورش" نسبة إلى الملك الفارسي "كورش" حيث تعود المدينة القديمة إلى أيامه, وتقول بعض المصادر إلى أن التسمية اليونانية "سيروس" هو لفظ لأسم الملك "كورش", أما المعجم الجغرافي السوري فيقول أنه من اسم مدينة سير هوس في مقدونيا.
وتقول رواية أخرى بأن اسمها يعود إلى أوريا بن حنان أحد قادة النبي داوود الذي قتل في معركة جرت في الألف الأولى ق.م و دفن فيها.
في فترة الحكم اليوناني (312- 64 ق.م) وبسبب موقعها الاستراتيجي الهام تمركزت فيها قوات عسكرية يونانية وازدهرت بسرعة كبيرة وكان يُضرب فيها النقود, إضافة إلى ذلك كانت مركزاً مهماً لعبادة الإلهين أثينا حامية بلاد اليونان العظيمة وزيوس اله الصاعقة، ويعتقد بأن معبد زيوس كان يقع على قمة الجبل المجاور للمدينة.
المدينة الحديثة (التي نرى أطلالها اليوم) فقد بناها القائد اليوناني "سلوقس نيكاتور" (312 – 280 ق.م) مؤسس الدولة اليونانية الشرقية.
بعد دخول الرومان إلى سورية في العام (64ق.م) ازدهرت سيروس ازدهاراً كبيراً وخاصةً في الفترة التي سميت بالسلم الروماني فأصبحت مفتاح الرافدين وأصبحت مركزاً سياسياً ودينياً مسيحياً مرموقاً.
يوجد في الموقع اليوم أيضاً شارع رئيسي وحمامات ومدافن غاية في الروعة والإبداع, وفي الطرف الجنوبي الغربي للمدينة يوجد قبر لقائد روماني على شكل برج مسدّس وفي باحة المدفن مسجد مؤرخ في العام (1859م) يؤمه المصلون من القرى المجاورة في صلاة الجمعة والعيدين.
في العام (637) ميلادي استسلمت المدينة للقائد المسلم "عياض بن غنم" سلماً على دفع الجزية وكانت ذات أهمية عسكرية خاصة في العصرين الأموي والعباسي لوقوعها على الحدود البيزنطية.
في العام (1140 م) حدث زلزال مدمّر في المنطقة أضّر بها كثيراً, ومنذ تلك الفترة هجّرت المدينة تماماً وتحولت إلى إطلال مندثرة إلى أن قام مدير المعهد الفرنسي للآثار في لبنان "هنري سرينغ" في العام (1952) بالتنقيب فيها لسبع مواسم متتالية وكشف النقاب عن المعالم الأساسية وبعض أبنيتها.
يزورها سنوياً الآلاف من سكان المنطقة نفسها ومن السياح العرب والأجانب للتعرّف على آثارها, والتمتع بمناظرها الخلابة.
في زيارتنا الأخيرة للموقع التقينا ببعض المصطافين الذين كانوا يخيّمون على ضفاف نهر سابون القريب من الموقع وسألناهم عن انطباعاتهم حول زيارتهم للموقع.
"محمد عبدو" وهو صاحب معمل ستاف للبرادات في مدينة حلب قال: "إنّ سورية بحق هي أم الحضارات ومهد الثقافات, وقد استمتعنا كثيراً بهذه الزيارة".
"ابراهيم يوسف" وهو عامل في معمل البرادات قال: "نحن نستغل أيام العطل والفراغ بشكل دائم للقيام برحلات سياحية وترفيهية واخترنا هذه المرة قلعة النبي هوري, آثارها رائعة وجميلة تدل على عراقة سورية, أُعجبت كثيراً بالمدرج الروماني للقلعة".
ونحن نؤيد تماماً ما قاله هؤلاء المواطنين عن عراقة بلدنا وأصالته, ولكننا نضيف عليه مستغلين هذا المنبر بتوجيه دعوة إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف في حلب والإخوة المواطنين العمل للحفاظ على الموقع المذكور وكل المواقع الأثرية الأخرى وحمايتها من الضياع والاندثار.