من خلال خشبة المسرح يقتحمون رحب عوالم مختلفة بل ويغوصون بعمق النفس البشرية فيتأثرون ويؤثرون، إنهم يخاطبون أنفسهم للبحث عن طاقات يريدون لها أن تطفو ليبدعوا أكثر، فيخاطبون جمهورهم الذي لا يختلف عنهم إلا بالحركة، فمشاعره تنصب في بوتقة إنفعالاتهم ليرسم كل متفرج بمخيلته نهاية كل موقف أو مشهد هل سيفرح المؤدي أكثر، هل سيتألم، هل سيموت، أم هو متمسك بالحياة، ناصر مرقبي هو مثال حقيقي لكل ما ذكرناه، فالعمل بالمسرح شكل له تحدي لذاته، وكم هو خلاق هذا التحدي الذي أنتج ممثل مسرحي مبدع.

يقول ناصر: "بدايتي البعيدة عن المسرح كان لها أثر فيما بعد، فقد بدأت عام (1982) بمعهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم مما أعطاني ميزة النطق الصحيح في الخطابة، وإلقاء الشعر، عشقي للمسرح دفعني لتشكيل فرقة فنون شعبية مع مجموعة من الأصدقاء كانت تابعة لفرع الشبيبة، ومقر تدريبها مدرسة الفنون النسوية، وقمنا بتقديم العديد من العروض المميزة في المحافظة، لكن التمثيل بقي هاجسي الأول، فالتحقت بدورة إعداد ممثل مسرحي كانت تقام بمدرسة زكي الأرسوزي وخلال الدورة التقيت مع مخرجين عراقيين هما عدنان علوان، وعماد غفور، فتعلمت من علوان كيفية التعامل مع الشخصية المسرحية والنص المسرحي، كذلك أفادني المخرج غفور بتعلم مبادئ رقص الباليه والرقص التعبيري.

ويتابع مرقبي: "لقد علمتني الكثير من الكتب معنى التعامل مع العقل والخيال، فانفتح أفق رحب للتعامل مع فن الإيماء، لتبدأ علاقة حقيقية مع المسرح بأول عمل من إخراجي وشاركت بالتمثيل فيه أيضاً وهو( مسافر الليل)، تأليف صلاح عبد الغفور، وكانت غايتي من العمل الأول تقديم نفسي بشكل صحيح يعبر عن تطلعي وفهمي للمسرح، وفي عام (1990) شاركت بعمل آخر مع "وفاء شريطة" بظروف استثنائية حيث انسحب ممثل قبل العمل بثلاثة أيام كانت كافية لي لأتمكن من أداء الدور، فشاركنا بالعمل بمهرجان مسرحي مركزي في درعا وأخذت جائزة أفضل ممثل دور ثاني، وذلك على مستوى القطر لتتالى الأعمال، حيث قدمت عمل مونودراما (بيت الجنون) لتوفيق فياض، بعد أن عدلت قليلاً على النص بهدف تقديم المونودراما بمفهوم جديد، بمعنى أن يبقى المونودراما عمل الممثل الواحد مع قيام مجموعة من الممثلين بتجسيد لوحات تعبيرية ليصبحوا جزء من معزوفة أو تشكيل ديكور أو جزء من سنوغرافيا العرض، حينها لم يتقبل العاملون في المسرح هذه الفكرة لكن عادت لتطفو على السطح حين نفذها العديد من المخرجين هذا العام في مهرجان المونودراما الرابع في اللاذقية

مع أندريه اسكاف بضيعة ضايعة

ويتابع مرقبي: "انقطعت عن المسرح إضطرارياً من عام (1991لغاية1996) بسبب خدمة العلم وظروف مختلفة وخلال هذه الفترة تابعت القراءة ودراسة الشخصيات ثم عدت للعمل بعرض لنقابة الفنانين (سهرة مع سعدالله ونوس) وهو توليفة للدكتور «محمد بصل» والمخرجين «حسن أسري، وسهيل حداد»، كذلك قدمت عدة أعمال للمسرح القومي كانت بشهادة النقاد مهمة ومميزة منها (حكاية بلا نهاية تأليف الفنان أسعد فضة- الرجل الذي صار كلباً لدراغون- عمل للأطفال وجميع هذه العروض من إخراج (سليمان شريبا–عمل آخر للأطفال مع كمال قرحالي).

وعن المشروع الحالي لتطوير المسرح يقول مرقبي: "أقوم حالياً بتدريب مجموعة من الشباب المهتمين بالعمل في المسرح، ومساعدتهم على الخوض بتجارب مع ممثلين كبار، كذلك تدريبهم على خوض إمتحانات نقابة الممثلين (دورات مكثفة- فن التمثيل- الإلقاء- الرقص التعبيري- تاريخ المسرح).

مشهد يجمعه بجرجس جبارة

وعن مشاركته بالأعمال التلفزيونية يقول مرقبي: "أول تجربة لي كانت مع المخرج مأمون البني بمسلسل «القصاص» وعدد آخر من المسلسلات، أما وحالياً مع أسامة شقير أصور مسلسل «مواسم الخطر».

مرقبي يرى بأن الموسم المسرحي في اللاذقية جيد لكن يشوبه بعض التجاوزات والإشكاليات التي تؤثر على علاقة الجمهور بالمسرح فيصاب بالملل ويقول: "إن جمهورنا أصبح على درجة كبيرة من الوعي بمتابعة وفهم كامل مفردات المسرح، وأهم الإشكاليات تتمثل بالتنظيم وإنتقاء العروض، كذلك إختفاء الندوات من المهرجانات فيحرم العرض المسرحي من مناقشته، لكن تبقى المهرجانات ذات قيمة عالية بخلق تفاعل كبير ورفع السوية الفكرية والثقافية بين المسرحيين والجمهور، وعن المسرح أشير إلى أن نظرة الكثيرين للمسرح هو أنه رسالة وأنا أقول بأنه حاجة ورسالة، إنما بشكل طبيعي وعفوي، وللمسرحيين في اللاذقية أقول أفهموا أنفسكم جيداً ومن ثم الآخر وتقبلوه هذا يقود لفهم الحياة بشكل أعمق وبالتالي سنفهم المسرح ونكتشف سره".