بعد غياب دام أكثرَ من عشرين عاماً في بلاد الغربة متنقلاً بين تركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أبى إلا أن يعود إلى وطنه الأم سورية التي نشأ بها وتعلَّم منها الكثير ليكمل مشروعاً ضخماً أعدَّ له الكثير وأخذ منه الكثير.. وحاصل على ثلاثة جوائز محلية وعربية ودولية في عام واحد.

إنه المهندس المعماري محمود زين العابدين من مواليد مدينة حلب، والمغترب عن سورية ما يزيد على عشرين عاماً، دامت تلك الفترة بين الدراسة والعمل، حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة يلدز للتقنية بمدينة إستانبول عام 1994، كما حصل على درجة دبلوم دراسات عليا في نظريات وتاريخ العمارة، من كلية الهندسة المعمارية بجامعة حلب عام 2006، ونال جائزة الباسل للإنتاج الفكري، في مجال التراث العمراني لمدينة حلب، عام 2006، وحصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فرع المبدع الشاب لعام 2007، لكتابه: «عمارة المساجد العثمانية»، وجائزة «منظمة العواصم والمدن الإسلامية»، فرع التأليف في مجال العمارة عن نفس الكتاب، وكان لموقع eAleppo هذا اللقاء:

عن انطباعه حول حصوله على الجوائز الثلاث قال: "بالطبع تشكل هذه النوعية من الجوائز حافزاً كبيراً لكثير من الكتاب والباحثين، كما تشكل مسؤولية كبيرة لتقديم المزيد من المؤلفات والدراسات التي تعنى بالتعريف بتراثنا العمراني الثري، لأننا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة وقراءة تراثنا العمراني بأحدث الوسائل، وأن نهضم ونستوعب أهمية هذا الموروث حتى نتمكن من إعادة صياغته وتوجيهيه إلى العالم أجمع، لنبرهن لهم من خلال قنواتنا الثقافية بأننا أصحاب حضارات وأصحاب حق وبأن سورية بلد تتلاقى فيه تلك الحضارات، لتشكل لوحة فسيفساء ملونة ومزركشة بحضارات وأديان عدة، ومما لاشك فيه بأن الحصول على جائزة أو تكريم إن هو إلا تعبير واضح بأن الجهود التي بذلت في السابق لم تهدر أو تضيع، بل تم تقويمها وتقديرها، وأحياناً كثيرة تكون كلمة الشكر أو الثناء أكبر جائزة يحصل عليها الفرد منا، مثلما حصل معي من خلال الدعوة الكريمة التي تلقيتها من السيدة الأولى أسماء الأسد، واستضافتها لي، بعد تكريمي بهذه الجوائز ليكون هذا اللقاء بحد ذاته تكريم من نوع آخر، أعتز وأفتخر به، خاصة وأن السيدة أسماء قد أولت أهمية كبيرة في تفعيل دور الشباب وتسليحهم بالمهارات الخاصة بهم.

وعن مؤلفاته ذكر: "صدر لي ستة كتب، أول كتاب عام 1998، في المملكة العربية السعودية، بعنوان "جولة تاريخية في عمارة البيت العربي والبيت التركي"، كما شاركت بتأليف كتاب صدر عام 2005 وباللغة الإنجليزية في لندن، بعنوان: «البيوت ذات الفناء الداخلي»، وفي عام 2006 صدر لي ثلاثة كتب، كان الأول والذي قد فزت به بجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة منظمة العواصم والمدن الإسلامية بعنوان: «عمارة المساجد العثمانية»، وقد صدر باللغتين العربية والإنجليزية، ثم صدر كتاب آخر بعنوان: «حلب عمارة المدينة القديمة»، تمت طباعته برعاية كريمة من سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون، والكتاب الثالث" «بعنوان فضاءات من العمارة الإسلامية»، وفي هذا العام صدر لي الكتاب السادس بعنوان: «إستانبول جسر الحضارات»، وقد صدر هذا الكتاب بتركيا في شهر شباط الماضي، وشاركت به ضمن أنشطة المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي ينظمه الحرس الوطني سنوياً في المملكة العربية السعودية، بمناسبة مشاركة تركيا هذا العام كضيف شرف للمهرجان".

ويضيف أنه يعتمد في مؤلفاته على سلاسة المعلومة وبساطتها، بحيث يمكن أن يقرأها أكبر شريحة ممكنة، مع تفاوت الأعمار والدرجات العلمية، واعتمد وبشكل كبير على الصور لأن الصورة قادرة على نقل جزئيات العمارة وتفاصيلها بدقة شديدة تعجز الكلمة بالتعبير والشرح عنها أحياناً، فيقول: "جميع الصور المنشورة في كتبي من تصويري، وذلك انطلاقاً من اهتماماتي بالتصوير الفوتوغرافي، كما أقوم بتوظيف هذه الصور في معارضي للصور الفوتوغرافية فقد نظمت خمسة معارض للصور الفوتوغرافية خارج سورية، وبالطبع لست أول وآخر من يكتب عن التراث العمراني، لكنني أحاول وبتواضع أن أسكب هذا الفن الثري في قوالب جديدة تتناسب مع تطورات العصر، لأننا نحتاج إلى فهم تراثنا بشكل عام، والعمراني منه بشكل خاص، لأنه يمثل هويتنا وتاريخنا العريق".

عشرون عاماً أمضاها خارج سورية عنها يقول: "تتباين أسباب الاغتراب عن الوطن، فقد تكون لأسباب علمية أو عملية، وكانت بدايتي مع الغربة لأسباب علمية، ثم لأسباب عملية، ولكن الأهم من هذا وذاك أن يكون المغترب على تواصل دائم مع وطنه، وأن يسعى ليمثل هذا الوطن الحبيب في ديار الغربة وبأفضل وأصدق تمثيل، فقد كنت طيلة سنوات الغربة على تواصل مع الوطن، وكان لي الكثير من المشاركات في المؤتمرات والندوات العلمية، إضافة إلى مشاركتي في المؤتمر الثاني للمغتربين، إذ تساهم هذه اللقاءات بتوطيد العلاقة بين المغترب ووطنه الأم، وتعزيز شعور لديه بالاعتزاز والفخر لانتمائه إلى سورية، ذات المواقف الجريئة والثابتة، بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، وخاصة في ضوء الاهتمام الذي يوليه السيد الرئيس الأسد بالمغتربين وبناء جسور التواصل بينهم وبين الوطن الأم، وبعدما أصدر حزمة من القوانين والمراسيم التشريعية التي تساهم جميعها في استقطاب سورية للكثير من الكفاءات المنتشرة في العالم وفي شتى المجالات العلمية والثقافية والفكرية.

يضيف: "أتمنى أن تصبح سفاراتنا بالخارج مراكز اجتماعية تلتقي فيها جميع أبناء الجالية السورية، كي يتواصل المغترب بوطنه، ويتعرف إلى أبناء جاليته، ويتفاعل مع المناسبات الوطنية لوطنه الأم، وأن تتحول السفارات السورية في الخارج إلى مراكز ثقافية، لتساهم بالتعريف بسورية مهد الحضارات، وأن تنظم مجموعة من الأنشطة الثقافية التي ستساهم في عملية الترويج السياحي وفي صناعة السياحة الثقافية التي باتت أحد أهم الموارد الاقتصادية في العالم، وسورية تسعى جاهدة من خلال توجيهات السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد، وجهود وزارة السياحة مشكورة بتطوير وتفعيل الاستثمار السياحي في سورية، وقد كان لي الشرف بتنظيم ملتقى ثقافي في المملكة العربية السعودية، بعنوان: "التراث العمراني للجمهورية العربية السورية"، كمحاولة للمساهمة في التعريف بسورية، وبالتنسيق مع وزارة السياحة والسفارة السورية بالرياض، ولكن لا تكفي الجهود الفردية بل يجب أن يكون هناك برامج ثقافية مدروسة ومنظمة على مدار السنة، وأن يتم وضعها من خلال التنسيق بين وزارتي الثقافة والسياحة، إضافة إلى وزارتي الخارجية والمغتربين، وأجد بأن الاستثمارات السياحية وعلى الرغم من أهميتها في دعم الموارد الاقتصادية في سورية لا تكفي بمفردها، بل هناك حاجة ماسة إلى الاستثمارات الثقافية أيضاً، لأن الاستثمار الثقافي هو الاستثمار الأكثر ربحاً، ولا أقصد هنا الربح المادي، فالربح الأهم والأكبر هو ربح عقول الناس عامة والشباب خاصة، وما نحتاجه هو تغذية شرايين التنمية الثقافية بدعم بعض الجهود الفردية، وصهرها في بوتقة مؤسساتية علمية، وأن نتوجه نحو الجيل الجديد في دعوته إلى حب العلم والمعرفة، وفق أحدث الأساليب، للمساهمة في خلق أنماط سلوك جديدة في المجتمع وكمحاولة جادة في صناعة جيل جديد يعتمد على الثقافة، وبالطبع لن تكون مؤسسات التربية والتعليم والثقافة والإعلام هي المسؤول الوحيد فحسب بل الأسرة شريكة أيضاً في ذلك.

وعن مشروعاته المستقبلية قال: "بالطبع مهما بعد الإنسان عن وطنه ومهما حلق بعيداً يحتاج إلى قرار العودة ليسكب في وطنه ما جمعه من خبرات، ولكن الأهم من كل ذلك العودة في سن العطاء، ولهذا قررت العودة إلى سورية وقمت بتأسيس مركز شادروان للتراث العمراني بمدينة حلب، ويحتوي هذا المركز على ثلاثة أقسام رئيسة هي القسم الهندسي والقسم الثقافي والقسم السياحي، علماً أن للمركز موقع على شبكة الإنترنت وهو: www.shadirwan.com. وهي دعوة عامة لكل من يهتم بالتراث والآثار والسياحة والمعلومات الأثرية للدخول إليه والمشاركة فيه والتعرف علينا من خلاله.

ولدي عدد من المشروعات كان أولها إعداد كتاب «إستانبول جسر الحضارات» وقد أبصر النور الآن، وتنظيم محاضرة ومعرض مصاحب له في المملكة العربية السعودية، بتنظيم من سفارة الجمهورية التركية في المملكة العربية السعودية، وسينظم هذا النشاط أيضاً بمدينة دمشق وبتنظيم سفارة الجمهورية التركية، وضمن برنامج التعاون الإقليمي بين تركيا وسورية ستنظم بلدية غازي عنتاب مهرجان بمدينة حلب وسيكون لي مشاركة بهذا المهرجان من خلال محاضرة عن مدينة غازي عنتاب وعمارتها، وهناك مشرعات أخرى قادمة بإذن الله، لعدد من الكتب والمحاضرات والمعارض للصور الفوتوغرافية، لتمثل تلك المشروعات محاولة متواضعة مني في تسليط الضوء على ميراثنا العمراني، ولتكون دعوة في التمسك به والدفاع عنه، والتعريف به للعالم أجمع مؤكدين لهم بأن سورية مهد الحضارات، وبلد السلام والتسامح والإخاء، ولنكون لهذا الوطن الأبناء الأوفياء، ولإبراز الوجه الحضاري للأمة العربية بشكل عام، ووجه سورية المشرق بشكل خاص.