"قلوب منسية" رواية للكاتبة نادرة بركات الحفار. تتناول فيها مظاهر الظلم والقهر والقسوة. تتعاطف الكاتبة مع بطلة روايتها نورة (عشرة أعوام) التي أتت إلى مركز الحنان بدمشق الذي يرعى الأيتام واللقطاء، فعاشت لا تعرف أمها ولا أباها، وكذلك هي فاقدة للنسب. فعانت من جراء دلك معاناة عنيفة. ورغم عدم انكسارها بسبب ذلك. وبدأت رحلة البحث عن الأم. وبدأت أمنيات نورة في أن تلقى أمها المجهولة، وتنتظر أن تأتي امرأة ما تسأل عن ابنتها المودعة في هذا المركز... ولكن الأم لم تأت.
وقد عرفت نورة أمها في ساعة احتضار ماجدة التي وصلت إليها، وهي تقول عبارة واحدة لا تتوقف عن تردادها: "فاطمة والدة نورة ". وهكذا تكرر لقاء الابنة بأمها، وانكشف السر، بعد أن كانت التقتها في بيت ماجدة، ولم تعرفها، واستمر تأجيل انكشاف السر إلى الصفحات الأخيرة من الرواية.
يرى أحد النقاد أن هذه الرواية عالجت ظاهرة أخرى تتصل بعلاقة الرجل بالمرأة، من خلال ثلاث علائق من الحب نشأت ما بين نورة ورجال ثلاثة، هم : الطبيب حاتم ابن ماجدة، الذي غادرها الى ألمانيا، بعد أن أصيبت بصدمة عصبية حولتها الى امرأة مقعدة تمشي على كرسي متحرك. و علاء الرجل المتخلف والمهرب والمتهتك والزاحف نحو المال، وفاقد القيم، والرجعي الذي عاملها بقسوة نادرة وبوحشية فريدة، لأنها امرأة لا نسب لها ولا أهل يحمونها من بطش الباطشين، فطلقته وعادت الى المركز. والثالث كان الصحفي الشجاع كريم سعد هذا الذي أحبها بإخلاص، غير عابئ بما رسمتها لها الأقدار الظالمة من حالات وأطوار، فارتضت الزواج منه، رغم أنه صار أعمى بسبب إصابة عينيه في أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان. كما
ويرى الناقد أنه يوجد خيط وطني وقومي بارز يزين رواية "قلوب منسية"، ويربطها بأحداث الأمة الجسيمة، في النصف الثاني من القرن العشرين، بدءاً من قيام إسرائيل في العام 1948، وانتهاء بالعدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 1982. وهذا مما يتوازى تقريباً مع ميلاد نورة، الذي كان في 1/9/1949 ، وقبولها الزواج من الصحفي (كريم سعد) الذي فقد بصره في العام 1982 ، أو ربما في عدوان آخر تم في تسعينيات القرن الماضي .
لكن ماجرى لنورة بطلة الرواية لم يجعلها تستكين لقدرها، بل نجدها تقابله بعزيمة عالية، فتتابع تحصيلها العلمي، وتمضي في دراساتها العليا، وتحوز شهادة الماجستير في الآداب. ولقد جسدت نورة بذلك مثلاً أعلى. وتحولت من امرأة ضعيفة إلى امرأة قوية، ومن تائهة إلى واعية، ومن فتاة لقيطة في البداية، إلى امرأة أصرت أن تعرف أباها وأمها في النهاية ونجحت في ذلك. وها هي ذي تقول لحاتم :"انظر جيداً هل تراني تلك الفتاة الحزينة المعقدة؟ هل تراني أذرف الدمع وأستجدي الشفقة. "ويجيبها حاتم :"لا، أبداً، أبداً، إنك مختلفة تماماً، لست أصدق أنك أنت نورة التي أعرفها منذ عشرة أعوام ". وتجيبه : "لكنها فترة طويلة وكفيلة بتبديل معالم الحياة في مكان يزخر بالعواصف والزوابع والأعاصير الثائرة (ص 286). وقد تبدلت مشاعر نورة فعلا، فبعد أن أحبت حاتم واشتعلت به عادت وانطفأت بنهاية هدا الحب، ثم انبعث من جديد إزاء حبيب آخر، هو كريم.
لكن أحد النقاد يعلق على الرواية في أن الكاتبة جعلت أحداث العام 1967 إطاراً لموت إيمان، التي كانت تحب الضابط جواد. فقد ماتت إيمان ، واستشهد جواد في هذه الحرب. بيد أن سياق الأحداث في الرواية، وفي هذا الملح ذاته، لم يكن مقنعاً، وخاصة عندما وصفت الكاتبة موت إيمان ـ زميلتها في مركز الحنان. فهذا المشهد الغريب للموت المجاني لم يكن مقنعاً البتة كما يرى الناقد، ويبرر موقفه بالقول إن إيمان مثلاً لم تبلغ قبل موتها بوفاة حبيبها جواد بدليل أن فتيات المركز عرفن باستشهاد جواد بعد اندلاع الحرب.. والحق أن الأحداث ينبغي أن تكون معكوسة التتابع، كأن يستشهد جواد أولا، فتموت إيمان كمداً عليه لاحقاً ، وليس العكس. ثم إن الموت هنا بدا وكأنه فعل اختياري، وقدم وكأنه خطوة يقررها المرء متى يشاء، وما هذه طبيعة الأشياء أبدا. وأخيراً فان العبارة التي فاهت بها إيمان قبل الموت مباشرة، وهي: "علي أن استجمع شجاعتي "لا تتناسب مع إقدامها على هذا الموت، الذي لا يتصل بالشجاعة بأي سبب.
وعلى أية حال فالرواية، كما يرى الناقد، توفر متعة للقارئ. وهي متعة لا غنى عنها في أي عمل سردي يروم تحقيق شرط الإمتاع والجذب والتشويق، وتوفير قدر جيد من الجمال الأدبي في سطور تقول شيئاً ما في ماهيتها تصريحاً، وتوحي بشيء بما يكمن في ثناياها تلميحا. ويتابع: "إن صاحبة هذه الرواية، التي صرحت بأنها تكتب عن الظلم الذي لا يعاقب عليه القانون... الظلم الذي يقع على الروح والإحساس، لم تصرح أنها كتبت أيضاً عن النبل والإيثار والتضحية، ولكن فعلت ذلك بامتياز".
الكتاب: قلوب منسية
الكاتبة: نادرة بركات الحفار