بشغفٍ كبير وإصرارٍ على صون التراث، يواصل الحرفي أحمد هابيل من مدينة سلمية ممارسة مهنة صناعة الأدوات الزراعية اليدوية، التي ورثها عن والده منذ طفولته، ليطوّرها لاحقاً ويوسّعها فتشمل أدوات البناء اليدوية أيضاً.

بجهده المتواصل وجودة إنتاجه، استطاع أن يغطي حاجة مدينة سلمية وريفها من هذه الأدوات، ليصبح محطّ اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي والصحف المحلية لما يقدّمه من عملٍ متقن وحفاظٍ على مهنةٍ آيلة للاندثار.

ورث المهنة وأحياها بشغف

يتحدث أحمد هابيل، من مواليد سلمية عام 1971، والحاصل على شهادة من المعهد المهني عام 1991، عن بداياته قائلاً:

أدوات تصنيع الأدوات اليدوية

«في قريتي المبعوجة، التي تبعد عن سلمية نحو أربعين كيلومتراً شرقاً، كان والدي يملك محلاً لصناعة وصيانة الأدوات الزراعية اليدوية القديمة والتراثية وعندما بلغت الثامنة من عمري بدأت أرافقه في عطلة الصيف وأيام الجمعة إلى المحل، بالتوازي مع دراستي، لأتعلّم منه الحرفة التي أحببتها منذ الصغر. كنت أندهش من طريقته في إنجاز كل أداة، مستخدماً أدوات تصنيع بسيطة مثل المكبس، والقدوم، والفارة اليدوية، والمنشار، والمبرد، والمثقب اليدوي الخشبي القديم الذي كان يُعرف باسم (خرّبرّ)."

وأضاف.."كان والدي يصنع الأدوات الزراعية التي لم يستغنِ عنها الفلاح حتى اليوم، مثل (الكريك، والقظمة، والمنكوش، والمغمارة، والشيالة، والدراية، والمنجل، والكاسحة، والصمد) وبعد أن أنهيت دراستي في المعهد المهني، واصلت العمل في محل والدي الذي افتتحه في سلمية عام 1965، ووسّعت نشاطي ليشمل تصنيع أدوات البناء اليدوية أيضاً، مستخدماً أدوات حديثة تعمل على الكهرباء."

مماسك يدوية يصنعها أحمد هابيل

تراثٌ باقٍ بالحب والإتقان

من الأعلى واليمين الخباز علي النعوفي، والعامل أسامة النجار، والإلكتروني أمجد الشحاوي

ويشير "هابيل" إلى أن صناعة الأدوات تعتمد على أنواع متعددة من الأخشاب، منها السنديان القادم من الساحل السوري، والبلوط، والسلع، والدلب، إضافة إلى خشب الصفصاف والحور من حوض العاصي، وأنواع أخرى مستوردة.

ورغم أن المنطقة ذات طابع زراعي، إلا أن الطلب على أدوات البناء يزداد، إذ يرتبط تسويق الأدوات الزراعية بهطول الأمطار.

يشرح "هابيل" مراحل تصنيع الأدوات قائلاً:

«يُقطع الغصن بقطر 6 أو 8 سنتيمترات إلى أطوال تتراوح بين 42 و150 سنتيمتراً، ثم يُنقع في الماء حتى يطرى، وبعدها يوضع على المكبس ليستقيم، ثم يُنظَّف بوساطة آلة (الشلة) للتنعيم.

ويتابع حديثه :أما صيانة أدوات البناء فما زلت الوحيد في المنطقة الوسطى الذي يقوم بصيانة مكنة رش الإسمنت قبل الطينة، ويد المالج، وقدّ الألمنيوم لحرفيي التلييس.

وبين أنه لا توجد فروع لحرفتي في المنطقة، وأسوّق إنتاجي مباشرة في سلمية وريفها، في قرى بري الشرقي، وعقارب، والمبعوجة، وصبورة، وتلدرة، وخنيفس، وأم العمد فيما تتأثر الأسعار بشكل رئيسي بقيمة استهلاك الكهرباء أحاول أن يتعلّم ابني هذه الحرفة للمحافظة على تراث الآباء، رغم أنه يدرس الحقوق، لكنه لا يمتلك ذات الشغف.

محبة أبناء المهنة والجيران

يصف "علي النعوفي"، من مواليد سلمية عام 1982، جاره "هابيل" قائلاً:

"أعرف أحمد هابيل منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، إنه حرفي يعشق عمله ومخلص له، يبدأ يومه في محله منذ السادسة صباحاً، ويعمل بإتقان و أسعار أدواته أقل مما هو موجود في السوق، لأنه يراعي ظروف الناس، لذلك كسب ثقة الجميع."

أما "أمجد الشيحاوي"، من مواليد عام 1976، ويعمل في إصلاح الأدوات الإلكترونية، فيقول: أحمد هابيل جاري في السوق وصديقي منذ عشرين عاماً، إنه إنسان طيب ومثابر ومخلص لعمله، ملتزم، حتى إنه لم يُغلق محله يوماً مهما كانت الأسباب لذلك هو حرفي ناجح يقصده المزارعون والبناؤون للتسوق من عنده لحسن معاملته.

ويضيف "أسامة النجار"، وهو نجار باطون: "أتسوّق من عند هابيل منذ خمسة عشر عاماً لتنوّع بضاعته وجودتها العالية، إضافة إلى معاملته الطيبة وصدقه وأمانته ولم تعد علاقتنا تجارية فحسب، بل أصبحت قائمة على الثقة المتبادلة".

بحرفته المتقنة وإخلاصه الكبير، استطاع "أحمد هابيل" أن يحافظ على مهنةٍ تراثيةٍ مهددة بالاندثار، وأن يورث أبناء منطقته حبّ العمل اليدوي الأصيل، جامعاً بين أصالة الماضي وحيوية الحاضر، ليبقى اسمه مثالاً للحرفي السوري المبدع الذي يصنع من الخشب روحاً تنبض بالحياة.