في الوسط الرياضي السوري، تُختصر صناعة الإنجاز بمقولة متداولة: حين يجمع النادي بطولتي الدوري والكأس، يُقال إنه جمع المجد من طرفيه.

وعند الغوص في سيرة ابن حلب الشهباء، اللاعب والأديب إياد محفوظ، ندرك أنه جمع المجد من جميع أطرافه، إذ انتقل من ملاعب كرة السلة إلى فضاءات الأدب والفكر، فكان نجمًا في كليهما.

البدايات الرياضية

في زمنٍ كانت فيه الرياضة المدرسية الرافد الأساسي للمنتخبات الوطنية، سطع نجم إياد محفوظ في كرة السلة، فانضم إلى صفوف نادي حلب الأهلي وتدرّج في فئاته حتى ساهم مع زملائه في تتويج النادي ببطولة الدوري السوري لأول مرة في تاريخه عام 1979.

الزميل بشار مع الكابتن والاديب إياد محفوظ

كما مثّل المنتخب الوطني السوري الأول لسنواتٍ عدّة، مشاركًا في بطولات عربية وقارية ودولية، ليثبت حضوره لاعبًا موهوبًا ومحبًا للعبة.

يقول محفوظ واصفًا تلك المرحلة:"لم يكن حبّ الشهرة وراء ممارسة كرة السلة، بل كانت عشقًا وانتماءً. الرياضة ونحن شباب سرت في عروقنا، وحين حققنا أول بطولة في تاريخ نادينا شعرنا بعِظَم المسؤولية كيلا نخذل جمهورنا الكبير الذي شجعنا، حتى أصبحت كرة السلة في سورية لعبة ذات أهمية وقاعدة جماهيرية عريضة."

من مؤلفات إياد محفوظ

تفوق علمي ومسيرة مهنية

الكابتن إياد مع النادي الأهلي والمنتخب السوري

لم تشغله الرياضة عن العلم، بل كانت دافعًا لمزيد من التميز، خصوصًا أن معظم لاعبي كرة السلة في سورية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانوا من طلبة الجامعات.

اختار محفوظ دراسة الهندسة المدنية، وشقّ طريقه المهني حتى استقرّ في مدينة العين في الإمارات العربية المتحدة، حيث أمضى قرابة ثلاثين عامًا مديرًا في شركة إعمار، مشرفًا ومنفذًا لعدد من المشاريع في مدينة العين ومختلف إمارات الدولة.

من الملاعب إلى القلم

عن انتقاله إلى عالم الكتابة، يقول محفوظ في حديثه لمدوّنة وطن:

"بدأت فكرة الكتابة بعد جلسات ودّية فكرية مع أصدقاء من المهندسين والأطباء والكتّاب، في سهرات بسيطة وعفوية. كنا نتحاور ونتبادل الأفكار، فوجدت نفسي أترجم ما أعيشه وما أسمعه إلى كلمات. وبما أنني قارئ نهم وأحمل ذكريات لا تمحوها الغربة، آثرت أن أبدأ كتابة القصة القصيرة."

الأدب والتوثيق الحلبي

حمل إياد محفوظ تاريخ مدينته حلب معه إلى الغربة، مؤمنًا بأن توثيق هذا التاريخ واجب وطني وثقافي. فجاءت مؤلفاته لتوثّق الحكايات الشعبية، وتستحضر ملامح الأحياء وأصوات الناس في المدينة التي أحبها.

بدأ محفوظ مسيرته الأدبية بقصة "واجب مدرسي" عام 2000، ثم مجموعة "أحلام الهجرة العكسية"، لتتوالى بعدها أعماله ضمن ما أسماه "رباعية التراث الحلبي" التي ضمّت:أعجب العجب في طبائع أهل حلب /بيوت الخفاء في حلب الشهباء/ حكايات الجميلية/ حكايات يهود الجميلية

كما أصدر أكثر من اثنتي عشرة مجموعة قصصية، ورواية "مثلث الغواية" التي تناولت الحالة الاجتماعية والرومانسية في حلب، إضافة إلى كتابين في الطرائف.

ونال محفوظ جائزة العلامة خير الدين الأسدي عام 2021عن كتابه حكايات الجميلية، تقديرًا لجهوده في حفظ التراث الحلبي وتوثيقه بأسلوب قصصي شيّق.

قامة علمية ورياضية

عن بداياته ومواهبه، يروي المربي الأكاديمي والمدرّب الرياضي سمير عنجريني، وهو لاعب سابق في نادي حلب الأهلي وحكم دولي في كرة السلة بالدوري الإماراتي، قائلًا:

"من أجمل ذكرياتي أيام كنت مدرسًا لمادة التربية الرياضية في مدارس حلب عام 1969، أن المهندس إياد كان أحد تلامذتي في المرحلة الإعدادية. وجدت فيه خامة رياضية مميزة، أحب كرة السلة وتعلق بها منذ البداية، وكان يتمتع ببنية جسدية قوية وقدرات عالية في منافسة زملائه اللاعبين."

ويضيف عنجريني:"في الإمارات تعمقت علاقتنا وأصبحنا صديقين تجمعنا صفات مشتركة، أبرزها الانتماء إلى حلب ونادي الأهلي."

ويتابع واصفًا محفوظ:"إياد محفوظ رجل واثق، واسع الثقافة والعلم، ينتمي إلى أسرة عريقة، فوالده جميل محفوظ من أبرز شخصيات أهالي حلب، وشقيقه عماد محفوظ طبيب معروف. وقد أجاد إياد خوض عالم الكتابة، فتبنّى توثيق تاريخ حلب وأبدع في فن القصة القصيرة."

بهذا، يظهر إياد محفوظ نموذجًا استثنائيًا جمع بين الريادة الرياضية والتميّز الثقافي ، مجسدًا فكرة أن الإبداع لا يقتصر على ميدانٍ دون آخر، بل هو ثمرة الشغف والوفاء للجذور.