تُعد العباءة النسائية في القنيطرة والجولان رمزاً للأصالة والهوية، إذ لم تعد مجرد زي اجتماعي بل إرثاً تراثياً يعكس عادات المجتمع وتقاليده. ورغم التطور في التصاميم والألوان، حافظت العباءة على مكانتها كرمز للحشمة والجمال، حيث ترتديها النساء في مختلف المناسبات من الأعراس إلى المآتم، لتبقى جزءاً من الفلكلور الشعبي الذي يجمع بين البساطة والوقار.

العباءة تعكس عادات وتقاليد أبناء القنيطرة

الباحث بالتراث الشعبي حسين كنيهر قال لمدونة وطن :

الباحث حسين كنيهر

"إن العباءة العربية للرجل والمرأة على حد سواء، احتلت مكانة متميزة في المجتمعين العربي والإسلامي، وهي تُعد اليوم للمرأة رمزاً للحشمة وانعكاساً للعادات والتقاليد العربية الأصيلة في محافظة القنيطرة ونساء الجولان عامة. مشيراً إلى أن العباءة ليست تخلفاً عصرياً كما يراها البعض، إذ إنها مرتبطة بالحياة الاجتماعية وأعمال المرأة اليومية ، كما أنها في جانب آخر تمنح المرأة جمالية إضافية، ولا سيما عباءة العرس".

وتابع الباحث كنيهر حديثه قائلاً: "إن ما زاد من تميّز العباءة ومكانتها والإقبال عليها في السنوات الأخيرة هو كثرة الأشكال والتصاميم التراثية والتطريز، التي منحتها صبغة جديدة لاقت جميع أذواق النساء، خاصة الفضفاضة منها، بما تحمله من موديلات متعددة ترافق الموضة وتتماشى مع العلاقات الاجتماعية في مختلف أطوارها".

محمد الهودجي

وأضاف: "بما أننا مجتمع له أصالته، يُعتبر اللون الأسود هو المفضل وسيد الألوان لدى أغلب النساء، ومع مرور الوقت دخلت العباءات الملوّنة إلى المجتمعات كمراحل متسلسلة، حيث جرى تطويرها والعمل عليها، بإضافة ألوان قاتمة كالبني والكحلي، ثم ظهرت الألوان الجريئة ذات الحيوية والطبيعة، مثل الأصفر والأبيض والأزرق والأخضر".

ارتبطت العباءة بالبيئة الاجتماعية والحياة اليومية

لباس تراثي وتصاميم جديدة

ارتبطت العباءة بالبيئة الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً، فأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة المرأة في القنيطرة والجولان، إذ لم تكن مجرد قطعة ملابس فحسب، بل زيّاً فلكلورياً أصيلاً يعكس هوية المجتمع وخصوصيته الثقافية. وما تزال العباءة الجولانية حاضرة بقوة في حياة النساء حتى اليوم، ولا سيما في المناسبات الاجتماعية الكبرى. ففي الأفراح مثلاً، صارت بعض النسوة يفضلن ارتداء العباءة المزينة والمطرزة في حفلات الزفاف والخطوبة، بدلاً من فساتين السهرة الحديثة، لتبقى العباءة عنواناً للجمال والوقار في آن واحد. كما تحضر العباءة في حفلات الاستقبال النسائية، إضافة إلى المناسبات الفلكلورية والتراثية، حيث تُعتمد كزي أساسي يمثل المجتمع الجولاني الأصيل، ولم يقتصر حضورها على الأفراح وحدها، بل وُجدت أيضاً عباءات خاصة بمناسبات الأحزان، تراعي طابع الوقار والحزن وتنسجم مع تقاليد المجتمع.

من جانبه، أكّد الحاج محمد الهودجي أن للعباءة النسائية حضوراً متميزاً في محافظة القنيطرة، فهي موروث مكاني وزماني يحمل خصوصية اجتماعية وتراثية متفردة، يجمع بين البساطة والجمال، ويُظهر هوية المجتمع من خلال اختلاف أشكالها وطرائق ارتدائها من منطقة إلى أخرى. وأضاف أن هذا التنوع يُحاكي بدقة العادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة التي ما زالت حاضرة في حياة الناس.

ولفت الهودجي إلى إحدى أهم السمات المتجذرة في عادات ارتداء العباءة، وهي عادة العروس التي تلبس العباءة في يوم زفافها، ففي اللحظة التي تخرج فيها العروس من منزل والدها إلى بيت زوجها، يقوم الوالد أو الأخ بوضع العباءة على كتفيها كرمز معنوي عميق الدلالة، يعكس الحماية والبركة والانتقال إلى حياة جديدة وأوضح أن هذه العادة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، حيث يُعتبر من غير المقبول أن تخرج العروس من بيت والدها من دون عباءة، لما تحمله من معنى اجتماعي وتراثي راسخ يعبر عن الأصالة والوفاء للتقاليد.

تصاميم وألوان جديدة

وعن دخول التصاميم والألوان على العباءات، تقول مروة الحسين، خياطة ومصممة أزياء نسائية متخصّصة باللباس الفلكلوري:

"تُعتبر العباءة بالنسبة للمرأة لباس التواضع والأنفة والجمال والكبرياء في آن واحد، فهي زي المرأة الريفية الذي يليق بمختلف مراحلها العمرية، ويمنحها حضوراً وهيبة، وقد ازداد الطلب على العباءة في الفترة الأخيرة بعد أن دخلت عليها الموديلات الحديثة في التصاميم والألوان، وخاصة مع إدخال الأحجار وقطع الكريستال التي أضافت إليها لمسة من الفخامة، هذا إلى جانب تعدد الأشكال والقصّات المرافقة لها، سواء من غطاء الرأس أو الإيشارب المصنوع من ذات القماش والتطريز، لتُشكّل العباءة طقماً عربياً متكاملاً يعكس الحرفية والإتقان في العرض والتقديم".

وعن اختلافها عن عباءة الرجل، توضح مروة:

"العباءة النسائية تختلف اختلافاً كلياً عن عباءة الرجل، سواء من حيث نوعية القماش المستخدم أو طريقة التفصيل. فالعباءة النسائية أكثر نعومة وتفاصيلها أكثر دقة، كما أن اللون الأسود يظل اللون السائد والمفضل لها، رغم دخول ألوان أخرى في بعض الموديلات الحديثة".

بين التراث والموضة المعاصرة

تضيف مروة: "إن العباءة الجولانية تتميز بكونها تعتمد على التقليد والشغل اليدوي الدقيق بالإبرة والخيط، مع التطريز والشكّ باليد. وغالباً ما تلجأ الحِرَفية إلى الرسم على القماش لتزيين الصدر والأكمام، وهذه الرسومات تُنفذ يدوياً بعناية، لتحمل بين طياتها الخصوصية وتعكس تفاصيل تراثنا العريق".

وتابعت قائلة: "هناك أيضاً نماذج من العباءات المتكلّفة للغاية، تُصمَّم خصيصاً للمناسبات والأعراس، وتُزيَّن بالتطريزات والإكسسوارات المختلفة مثل اللؤلؤ الصناعي والأزرار والترتر والدانتيل والمخمل والحرير والشيفون والسلاسل، لتبدو العباءة قطعة فنية متكاملة".

وترى "أم أحمد" من كودنة، قاطنة في ريف القنيطرة، أن العباءة ليست مجرد زي، بل قيمة ومعنى عميق وأضافت : "العباءة زينة ورزانة وثقل، فهي تمنح النساء هيبة وجمالاً، كما تضفي الراحة على المرأة أثناء السفر والمشي والحركة وممارسة النشاطات اليومية الأخرى، وخاصة بالنسبة للفتيات الصغيرات، وفي الوقت ذاته، تعكس العباءة تراثاً أصيلاً في الجولان بما تحمله من جمال الرسومات والتطريز اليدوي" إضافة لوجود عباءات مصنوعة وفق الموضة الرائجة من حيث التصميم واللون.