تشهد تقنيات الذكاء الاصطناعي تطوراً متسارعاً على مستوى العالم، وسط توجه متزايد نحو توظيف هذه التقنيات في مجالات متعددة كالاقتصاد والتعليم والصحة والخدمات الحكومية، وخاصة في مرحلة جديدة تفتح المجال لكثير من الإبداع والابتكار والتطوير والبحث العلمي في بلدنا لنعبر من خلاله إلى اقتصاد أكثر استدامة وأكثر كفاءة، والانطلاقة كانت في احتضان سوريا أول مؤتمر في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يعكس رغبة الجهات الحكومية في إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن خطط إعادة الإعمار والتنمية الرقمية.

المؤتمر، الذي أقامه الاتحاد العربي للاتصالات والإنترنت بالتعاون مع وزارة الاتصالات والجمعية العلمية السورية للمعلوماتية على مدار يومين جمع باحثين وأكاديميين ومطورين وطلابًا، يعكس حراكًا واضحًا لإعادة تموضع سوريا على خريطة التكنولوجيا بمشاركة شركات من الأردن ولبنان ومصر والإمارات، إضافة إلى ممثلين عن نحو 50 شركة دولية، منها صينية وأمريكية، ما يدل على ثقة متزايدة في البيئة الاستثمارية والتقنية السورية.

الذكاء الاصطناعي يشكل مستقبل الاقتصاد السوري

الدكتور الخشي يوقع اتفاقية تعاون مع الاتحاد العربي للاتصالات والانترنت

الدكتور فراس بكور رئيس الاتحاد العربي للاتصالات والإنترنت، قال في حديثه لمدونة وطن: إن المؤتمر ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لدعم قطاع المعلومات والأعمال، وخاصة مع وجود فرص استثمارية كبيرة، ومن الملاحظ الإقبال الكبير على المشاركة والحماسة اللافتة من المهتمين والمختصين.

والمميز في المؤتمر كما يقول بكور أننا بدأنا من حيث انتهى الآخرون، ولاحقاً سيكون هناك ورشات عمل ولجنة متابعة لتنفيذ كل توصيات المؤتمر.

الدكتور فراس قدور مع الزميل نديم معلا

ولفت البكور الى أننا اليوم أمام مهمة سامية تشمل بشكل أساسي رسم ملامح الغد وفتح أبواب المستقبل لأبناء وطننا الغالي سوريا في لحظة تتقاطع فيها التحديات مع الفرص ويلتقي فيها الطموح والتكنولوجيا.

الذكاء الاصطناعي حسب بكور يشكل مستقبل الاقتصاد السوري، وهذا يجعلنا جزءًا من الثورة الصناعية الرابعة، بدلًا من اكتفائنا بالمشاهدة، وننتقل من اقتصاد يبنى على الثروات الطبيعية والموقع الجغرافي إلى الاعتماد على المعرفة والبيانات والقدرة على التكيف والابتكار.

المهندس العيسمي والاستاذ اياد محمد

ويؤكد بكور أن الذكاء الصناعي يبرز ونحن نعيش مرحلة جديدة تفتح المجال لكثير من الإبداع والابتكار والتطوير والبحث العلمي في بلدنا، ليصبح جسرًا نعبر من خلاله إلى اقتصاد أكثر استدامة وأكثر كفاءة.

ويتابع حديثه: فالذكاء الاصطناعي لا يمثل فقط أداة التطور التقني، بل محرك أساس للنمو ووسط للإبداع ومفتاح للحلول التي تواجه التحديات في مختلف القطاعات من الزراعة والصناعة والصحة، وصولًا إلى التعليم والإدارة العامة وريادة الاعمال.

ويضيف بكور: نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لبناء اقتصاد رقمي يعتمد على الذكاء الاصطناعي والذكاء ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لتحسن حياة الناس ودعم القطاعات الإنتاجية وتمكين الطاقات الشبابية، ويجب أن نتعاون جميعًا في عمل مشترك للقطاع العام والخاص والمشترك بين الجامعات والمراكز البحثية، وبين صانعي القرار ورواد التكنولوجيا.

ويختم بكور حديثه: نريد أن نضع اللبنات الأولى للإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي تراعي خصوصية واقعنا وتستثمر في مستقبلنا، لذلك نعلن وضع أنفسنا بتصرف الجهات الحكومية السورية بكل ما من شأنه المساهمة والمساعدة في تطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومجالات الذكاء الاصطناعي واستخداماته المختلفة وتطوير أدواته.

التكنولوجيا الرقمية ارتبطت بالجمعية العلمية السورية للمعلوماتية

إن رسم ملامح مستقبل واعد لسوريا يمر عبر توظيف الذكاء الاصطناعي كرافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما يوضح الدكتور باسل الخشي رئيس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية الذي أكد أن الجمعية تضع نصب عينيها تمكين المجتمع السوري رقميًا، ورغم العقوبات الجائرة والظروف الاستثنائية التي مرت بها بلادنا ظلت الجمعية صامدة تعمل بكوادرها المخلصين الذين لم يتوقفوا عن العطاء والتطور والتحديث.

ويشير الخشي في كلمته أمام المؤتمر إلى أن الجمعية طالما آمنت أن التكنولوجيا ليست أداة فحسب، وإنما تشكل جسرًا يعبر بنا الى مستقبل أكثر إشراقًا. والجمعية حملت على عاتقها من التميز والتحدي فكان الإنجاز دليلًا عبر تمكين الكوادر السورية وفق برامج تجريبية متقدمة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبرالي، وتحليل البيانات بالاعتماد على مراكز تدريب وتأهيل مجهزة ومنتشرة في اغلب المحافظات السورية.

كما ساهمت الجمعية كما بين الخشي في بناء وتأسيس وتشغيل البنية التحتية الرقمية من خلال مركز معطيات حديث بأعلى مواصفات ومعايير العالمية ومزود خدمات الإنترنت الذي يوفر اتصالات آمنة للقطاعات الحيوية، واستمرار عمل المشاريع الرائدة، مثل منصة أي سيريا للإنتاج المعرفي الرقمي، وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات مع المنظمات العربية والعالمية.

ويختم الخشي حديثه: إن انعقاد المؤتمر ليس حدثًا عابرًا، بل هو إعلان واضح أن سوريا رغم كل التحديات تصر أن تكون جزءًا فاعلًا من الثورة التكنولوجية العالمية بالشراكة والتعاون مع الاتحاد العربي للاتصالات والانترنت، بما يعزز مسيرتنا المشتركة نحو اقتصاد رقمي مختلف، مع التأكيد على ضرورة إدراج الذكاء الاصطناعي في كل الإستراتيجيات الوطنية كأولوية قصوى، وأهمية دعم التشريعات الناظمة للذكاء الاصطناعي لضمان أخلاقية استخدامه.

الإمكانات الاقتصادية والبشرية لسوريا تمكنها من التحول إلى الاقتصاد الرقمي

إن الذكاء الصناعي لم يعد رفاهية في واقعنا الحالي، بل هو توجه لا يحتمل التأجيل او التأخير كما أوضح المهندس وليد العيسمي والذي قال لمدونة وطن: هو رافعة تنموية ويسهم في تطوير الزراعة والصناعة والخدمات العامة وغيرها من القطاعات الإستراتيجية، وسوريا اليوم بإمكاناتها الاقتصادية وكوادرها البشرية الشابة قادرة على أن تكون جزءاً مهماً في التحول الى الاقتصاد الرقمي بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

ويوضح العيسمي أنه يمكن للذكاء الصناعي أن يكون بوابة للريادة والتعاون بين سوريا ومحيطها، وركيزة أساسية في رسم سياسات المستقبل، حيث يقاس نجاح الدول حاليا بمدى اعتمادها على التكنولوجيا وخلق بيئة عمل جديدة تسهم بتحقيق تنمية اقتصادية شاملة بالاعتماد على التحول الرقمي.

وحول إيجابيات الذكاء الاصطناعي في علاقته بالاقتصاد يرى العيسمي أن أبرز الإيجابيات قدرته الفائقة على زيادة الإنتاجيّة والتقليل من التكاليف، وبفعل التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحول إلى أحد أهم الابتكارات التي من شأنها التأثير على مختلف قطاعات الاقتصاد بما يشمل العمال، والإنتاجيّة، وخلق أسواق العمل وتغييرها، إضافة الى طبيعة الوظائف.

الذكاء الصناعي يوفر منظومات تحليل سريعة وتفاعلية تدعم القرار التصديري

ويؤكد الأستاذ اياد محمد رئيس موسوعة المصدر السوري في حديثه لمدونة أن الظروف الحالية التي يمر بها البلد تحتم أن يكون التصدير في صدارة الأولويات، فالتصدير نشاط من الأنشطة المترابطة مع الخارج بشكل كبير كون الأسواق الخارجية هي أسواق متغيرة وتفاعلية بشكل مستمر، كما تتغير سلالة التوريد العالمية من ناحية الأسعار والخدمات تبعاً لتغير السياسات الدولية " نلاحظ تقلباتها المستمرة"

ويتابع محمد حديثه: توجهت صادراتنا إلى ما يزيد على مئة دولة مع اختلاف أهميتها لنا، وتنوع صادراتنا لمئات الأصناف، ما خلق كماً هائلاً من المعلومات التي تحتاج إلى معالجة دائمة، وبالتالي نحتاج إلى منظومات تحليل سريعة وتفاعلية تدعم القرار التصديري، وتسهم بفتح آفاق أسواق جديدة مع تحليل التغيرات في الأسواق المستهدفة بشكل دائم، وهذا ما توفره تطبيقات الذكاء الصناعي.

وأضاف محمد: هذا من جانب المعلومات، ومن جانب آخر تتيح بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي عملية تأمين المساعد الذكي الخبير المعتمد على أحدث الوسائل العالمية في اداء الأعمال، وهو ما يغطي فجوة نقص الخبرة في الكوادر العاملة في التصدير، إضافة إلى تطوير برامج رفع الكفاءة التصديرية للكوادر السورية، وعلى العموم النشاط التصديري هو نشاط يعتمد بجزء كبير على الخبرات والمعلومات وكبداية يمكن الاستفادة مرحلياً من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دعم القرار التصديري والمساعدة على تقليص التكاليف.

وختاماً نجد أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والاقتصاد هي علاقة معقدة وأحيانًا متضاربة، تجمع بين الفرص الهائلة والتحديات الجسيمة، حيث يمكن أن يُحدث ذلك ثورة في مختلف الصناعات والقطاعات، وفي الوقت نفسه يتطلب تفكيراً جديّاً حول كيفيّة مواجهة التحديات المتعلقة بسوق العمل، وتوزيع الثروة، دون أن ننسى الاعتبارات الأخلاقيّة لتحقيق المنفعة الكاملة من هذه التقنية، ودون المساس بالضوابط الأخلاقيّة والاجتماعيّة.