هي عادة قديمة جداً، ابتكرها المزارعون في مناطق الجزيرة السوريّة في مواسم الحصاد، الهدف منها نشر رسائل المحبة والأهم أنها تستهدف الفئة الفقيرة من المجتمع، تلك العادة التي تسمى "الشلّية" وهي ماتزال حاضرة حتّى اليوم.
عادة قديمة
الحاج "عبود الحسين" من أهالي ريف بلدة "تل حميس" 40 كم عن مدينة "القامشلي"، لا يزال مهتماً بإحياء طقس "الشلّية"، مع نهاية موسمه الزراعي.
نشعر بالفخر لأن ريفنا يحيي بعض التفاصيل الجميلة مجدداً من ترانا الاجتماعي، يهمنا أن تتعرف الأجيال على قيمة الريف وأهله
يبين "الحسين" في حديثه، تفاصيل هذه العادة التي ترتبط بموسم الحصاد، فعندما ينتهي الفلاح من جني محاصيله وبالتحديد محصول القمح، يقوم بتوزيع كميات معينة من ذلك المحصول على الأطفال بشكل خاص، بعد أن يأتي بجرار زراعي أو آلية أخرى إلى جانب منزله، قادماً من مكان حصاد المحصول، حيث يتجه الأطفال إليه حاملين معهم أوعية، ليقوم صاحب المحصول بتعبئتها لهم.
ويقول: «يصطف الأطفال بالعشرات، كلّ يأخذ نصيبه وحصته، بناء على ما جلبه من أداة ووعاء، قد تصل سعة بعض هذه الاوعية إلى 5 كغ وأكثر، المهم ألا يرد الطفل خائباً، ولا يرد أي طفل، حتّى لو جاء من قرية أخرى، ».
الأطفال أولاً
أهداف كثيرة من هذا الطقس القديم المتجدد، يتحدّث عنها أيضاً الحاج "عبود الحسين": «الفئة الأكثر استهدافاً هي فئة الأطفال الذين ينتمون للأسر الفقيرة، والتي لا تملك محصولاً زراعياً، وأثناء توزيع تلك المحاصيل على الأطفال، كنّا نجد ضحكة وسعادة كبيرة على وجوههم، وهو ما يهمنا بالدرجة الأولى.. لكن مع الأسف منذ فترة بعيدة، قلّما نجد هذه العادة، بل تكاد تكون معدومة في عديد المناطق، لكن بالنسبة لنا هي عادة وإرث من الأجداد والآباء، والحرص عليها واجب فهي تجلب البركة إذ لا نشعر بنقص في المحصول نهائياً جراء تنفيذ هذه العادة، بل هناك تعزيز وتمتين للعلاقات الاجتماعيّة، والمكسب الكبير ليس بالربح المادي، إنما بزرع البسمة في القلوب».
تكافل وتعاضد
يشهد الأربعيني "أيوب العازل" على تنفيذ عادة "الشلّية" في قريته، ويعتبرها ذات قيمة كبيرة وأهميتها عظيمة، مشيداً بهذا الطقس الاجتماعي الجميل حسب قوله.
"العازل" من أهالي قرية "الطواريج" في ريف "تل حميس" وهو أمام مشهد "الشلية" يروي تفاصيلها ومشاعره: «صراحة كنتُ أسمع بهذا الحدث المميز والطيب، سمعته من كبار السن، ترقبته مطولاً حتى جرى تنفيذه هذا العام تحديداً، وقبل أيام مع جني محصول القمح في قريتنا، توافد الأطفال بعد أن وجههم الكبار، ليأخذ كل طفل وعاءً ليتم ملؤه بالقمح، حرصنا على أن يشارك كل الأطفال مع شرح هذه العادة لهم بأدق تفاصيلها، هدفنا أن يتعرف الصغير والكبير والشاب على هذه الأجواء التي عاشها ويعيشها ريفنا الطيب والجميل، كانت لحظات مؤثرة وطيّبة ومهمة في حياة قريتنا بالذات، بعد أن تم إحياء طقس اجتماعي رائع، حتّى أن أهل القرية أرادوا أن تنتقل هذا العادة للقرى المجاورة، لتعود هذه الطقوس مجدداً إليها، فالجميع يحتاجها ضمن هذه الظروف الصعبة».
ويشير "أحمد المحمود" من سكان مدينة "القامشلي" إلى عودة تلك العادة إلى بعض القرى، مؤكداً أهمية ذلك، ويقول: «نشعر بالفخر لأن ريفنا يحيي بعض التفاصيل الجميلة مجدداً من ترانا الاجتماعي، يهمنا أن تتعرف الأجيال على قيمة الريف وأهله».
مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 24 حزيران 2024 أجرت اللقاءات السابقة.