بأزاميلهم الحديدية، كتب السكان الأوائل لـ"خربة دبب" على صفحات حجارتها البازلتية، تاريخهم الممتد لأكثر من ألفي عام، حيث لا تزال آثارهم باقية إلى اليوم ومتاحة لمن أتى إلى هذه المنطقة باحثاً ومستكشفاً.
خبايا التاريخ
تقص علينا "خربة دبب" حكاياها التاريخية، حيث يقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لمدونة وطن eSyria": إن الخربة تقع في الجهة الشرقية لمحافظة السويداء، حيث كانت المغر والكهوف هي مساكن سكانها الأوائل مع عدم خلو المنطقة من بعض المباني الحجرية، التي بنتها أيادٍ ماهرة متمرسة تجيد لغة البناء الهندسي المنظم وهذا صراحة ما يميزها، عن شقيقتها "خربة الأمباشي"، واللافت أن أغلب هذه المباني كان نقطة ارتكازها البنائي تجاور مدافنها، وهذا يدل حسب ما توصل إليه باحثو التاريخ، أن مستوطنة "خربة دبب" تأسست لبنتها الأولى بهدف اجتماعي وديني معاً.
وينوه كيوان" إلى أن قاطنيها لم يقوموا بتشيد أسوارٍ حول مستوطنتهم هذه، ما أبقاها على محاكاة دائمة مع شقيقاتها من المعالم الأثرية الأخرى، كخربة "الأمباشي" التي تغفو على كتفها الشمالي على بعد 7 كم، والقارئ لتاريخها سيلحظ أنها تعود لعصر البرونز، وقد وثقت البعثة الأثرية التي زارتها في تسعينيات القرن الماضي بعد أن نفضت غبار السنين عن حجارتها، أن أهم ما يميزها، هو طبيعة صخورها البازلتية المشابهة للحوض المحاط، من كل جوانبه بالححم البركانية المتحجرة، والممتدة وفق أشكال اهليليجية".
كلام الحجر
ويتابع "كيوان" حديثه بالقول: "هذه الجروف الصخرية التي صنعتها الحمم البركانية بعد أن خمدت، كانت السبب الرئيس في تشكيل الأحواض المائية، المولودة من رحم هذه التجاويف، وبالتالي إيجاد مصدر مائي موسمي في هذه المنطقة، ولعل القارئ لتاريخ هذه الخربة ستنبئه كتبها أن قاطنيها اعتمدوا بشكلٍ أساسي على تربية المواشي أكثر من اعتمادهم على الزراعة، حيث لا يوجد ما يؤكد أن الزراعة كانت من أولوياتهم الحياتية".
بدورها تؤكد الباحثة الأثرية "لينا الصفدي" أن الكثير من أسرار هذه الخربة ودهاليزها لم يستكشف بعد وما زال ينتظر من يفك طلاسمه، مضيفة: المسوحات الأثرية التي أجريت في "خربة دبب" وثقت وجود نحو 400 وحدة سكنية متنوعة النماذج المعمارية، حيث استخدم ساكنو المنطقة الحجارة البازلتية المتوافرة في المكان، وقد بنيت الجدران بالحجارة العادية غير المنتظمة، تخللتها الحجارة الصغيرة (الصرّ) للربط وملء الفراغات.
وتوضح "الصفدي" أن قاطني الخربة انقسموا في مسكنهم إلى قسمين، منهم من اتخذ من جهتها العلوية مسكناً له، ومنهم من شاءت أقداره أن يكون مسكنهم المنحدرات، وقد دلت التنفيبات أن هذه المنازل يعود بناؤها للنصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، وقد شيدت الأبنية وفق طراز معماري متنوع، فمنها الدائري والمربع، إضافة لأبنية مكونة من حجرة مسقوفة، تلاصقها باحة مسورة مساحتها مماثلة لمساحة الحجرة، مع تميزها بشكلها المستطيل، مبينة أن من ينظر إلى أسقفة هذه البيوت سيلحظ أن ساكينها استخدموا لهذه الأسقف مواد خفيفة من الواضح أنها سريعة التلف كالأخشاب والأتربة وبعض المنازل كانت أسقفها من بيوت الشعر.