شكّلت المضافة في الجولان السوري قيمة اجتماعية بارزة لا تزال تقاليدها حاضرة حتى الآن، وبالرغم مما طالها من تغيرات في العمران والتصميم، حافظت على وظيفتها ومكانتها الاجتماعية كرمز لإكرام الضيف وإغاثة الملهوف، وكمنبر لحل المشاكل الاجتماعية.

الديوان والمضافة

يستعرض مختار قرية "أوفانيا" بالقنيطرة "نواف البكر" في حديثه للمدونة أبرز سمات المضافة أو كما كان يطلق عليها الديوان: ويقول: "الدواوين بالمصطلح الجولاني سابقاً، كانت عامرة بناسها يجتمع فيها الأهالي ويتسامرون، لتصبح باسم المضافات حالياً، والتي ظلت سمة اجتماعية لها دلالاتها لما تقدمه من أدوار ومهام مختلفة، خاصة أن هذه الدواوين متبلورة قديماً بصبغة اجتماعية وثقافية، ميّزت أهالي الجولان في مجال الكرم والنخوة والمروءة حتى يومنا هذا ، لتصبح شاهداً حياً يحكي قصص وتاريخ الأجداد والآباء".

ويشير البكر إلى أن هذه الدواوين ممتدة منذ عشرات السنوات، ورغم الأحوال المعيشية الصعبة عند أغلب الناس اليوم ، إلا أن المضافة موجودة بكل منزل، وهي تعمر أو تبنى قبل أي غرفة لتقدير قيمة الضيف ومنزلته كموروث اجتماعي أصيل.

غازي الويسي واحمد الموسى

ويضيف: "تُبنى المضافة بالعادة أول البيت، وذلك لاستقبال الضيف فيها طوال فترة مكوثه، فهي مخصصة للضيوف واستقبال الناس، لذا لابدّ من الحفاظ عليها وعدم اللهو فيها، لأنه بأي لحظة يكون هناك زائر ما، وتبقى مخصصة للضيف، ما دام مقيماً، يأكل ويشرب وينام فيها".

رمز الضيافة

بدوره يوضح "نصر مريود" من بلدة "جباتا الخشب" أن للديوان تسميات اختلفت مع تسارع المتغيرات والتطورات، فأصبحت تعرف اليوم بالمضافة الشعبية، فالمجالس مدارس حسب قوله، وهذا ما يتم تعليمه للصغار ، وحين يأتي ضيف يتم إدخاله للمضافة والتي باتت ظاهرة من ظواهر المجتمع الجولاني كموروث اجتماعي أصيل.

من مضافات الجولان

ويشير "مريود" الى أن مضافته الواقعة بمحاذاة قريته، تحمل سجلاً وإرثاً قديماً، خاصة بما تحمله من صور للمجاهد المعروف ابن القنيطرة "أحمد مريود"، إضافة لرموز السيف والخنجر وأشكال التراث الأخرى المزينة بأرجاء المضافة.

وبحكم وظيفته وعمله الرسمي في غرفة زراعة القنيطرة، فإن مجلس "مريود" لا يخلو من الزوار القادمين دورياً من دمشق ومن المناطق البعيدة. وتمتاز المضافات حسب قوله، بالانفتاح على الغريب ومن يأتي من الخارج، حتى الطارق للمنزل ولو كان بساعات متأخرة من الليل يتم استقباله كعادات اجتماعية أصيلة، حتى أصبحت هذه المضافات محط استقبال وتعارف، ومناخاً مهماً لغرس القيم والمثل العليا، من الكرم والجود وإغاثة الملهوف، وفيها تُدار فناجين القهوة المرة العربية، ويتبادل الناس أمور حياتهم اليومية ويخططون لمستقبلهم.

بقايا مضافة قديمة بالعسيلو

محكمة مجتمعية

يقول "أحمد الموسى" من بلدة "لاوية" ويسكن في بلدة "حجيرة"، إن المضافات كانت تعرف قديماً بالمقعد أو الديوان وهي على نوعين، مجالس خاصة لصاحب البيت وأولاد العم والأقارب، ومجالس أخرى تتوفر لدى القامات الاجتماعية الرفيعة، خاصة لصاحب العشيرة أو القاضي الذي يأخذ محل المحكمة اليوم، وفيها كان يتم البت بجميع المشاكل والقضايا الكبيرة، كما وتعقد الجاهات اجتماعاتها فيها للتوفيق بين الأطراف المتخاصمة.

ويضيف "الموسى": "كان هناك أشخاص معروفون بوزنهم كقضاة تأتي إليهم الناس من كل حدب وصوب، فالقاضي لديه مجلس واسع يتسع لأكبر قدر من الأشخاص، وهي مجالس تحمل طابعاً تراثياً وجدرانها مزينة بأدوات السيف والسلال أو البندقية.

وحسب كلام "الموسى" هذه المجالس كانت تناقش فيها أيضاً شؤون البلدة، أو العشيرة، سواء فيما يتعلق بالزراعة، أو الحصاد ،أو المواسم بشكل عام.

ويبين أن للمضافات عادات وقوانين في الجلوس لا يمكن تجاوزها أبداً، حيث يجلس الضيف في صدر المضافة، ويجلس "المعزب" في وسط الحضور إلى جانب الضيف ويدير الجلسة ويعزب الجميع، مشيراً إلى أن تقديم القهوة لها أصولها، إذ يتم تقديم القهوة العربية للضيف طوال فترة وجوده، على أن يتم تقديمها باليد اليمنى ويمسك مصب القهوة باليد اليسرى، ويستمر "المعزب" صاحب المضافة أو من ينوب عنه، بتقديم القهوة المرة حتى يهز الضيف فنجانه ويقول "دايمة".

قصص وحكايات

ويبين "غازي العناد الويسي أبو أحمد"، أن محافظة القنيطرة تمتاز بإرث ثقافي واجتماعي أصيل، فالمجالس القديمة هو ما يميز بيوت أبناء الجولان السوري المحتل، ورغم أنها اليوم باتت شبه مدمرة من الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها ستبقى باقية كأشجار السنديان، رغم كل الظروف لا يضيع لحق مهما طال الزمن.

أما عن خصوصية هذه الدواوين، يضيف "العناد" "كانت عامرة بقهوتها العربية الأصلية والدلات النحاسية والمهباش لطحن القهوة، وفرشها التراثي الذي يعد من أفضل انواع السجاد كفرش الصوف المسماة بالسجاد بالزلالي، وأيضاً البسط المنسوجة من شعر الماعز" .

وعلى سبيل العد لا الحصر يذكر "العناد" مضافة جده الشيخ "حسين العلي أبو حويلي" في قرية "العسلية" بالجولان السوري المحتل، حيث كان ديوانه عامراً دائماً بالضيوف، وكان يعد مصلحاً اجتماعياً يتمتع بالكرم والشجاعة وإغاثة الملهوف، ومعروف عنه مناصرته للمظلوم حتى يحصل على حقه، حتى أنه كان من أهل الحل والعقد، وإذا تحدث فكلامه كان مسموعاً، وموزوناً يرضي الصغير والكبير، وكانت مضافته مقصداً لكل من له حاجه وقضية.

مواكبة العصر

وبالرغم من التغيرات التي طالت المضافة في الجولان السوري إلا أن هذه التغييرات اقتصرت على تفاصيل التصميم والعمران وظلت محتفظة بمكانتها، وفي هذا السياق يقول "حسان صليبي" موظف حكومي، إن المضافة لا زالت الى الآن لها وزنها الشعبي والتراثي، وهي وإن اختلفت حالياً عن السابق بالبناء والتصميم، ودخلت الفرش المطرزة، والديكورات بمختلف أشكالها، إلا أنها تبقى صورة لمجتمع أصيل، لا زال يتوارث هذه العادات بشكل فطري.