صنعت المهندسة "سوسن الصفدي" تجربتها الفنية الخاصة في الرقص، بين فرقة "إنانا" وبين دراستها في "فرنسا"، حيث تمكنت من تطوير مهاراتها في الرقص المسرحي، والذي ترى فيه فناً راقياً يستحق الدراسة الأكاديمية.

هواجس الشام

تتحدث "الصفدي" خريجة كلية الهندسة الطبية جامعة "دمشق" عام 1998، عن بدايتها والتي انطلقت من عملها مع فرقة "إنانا" للمسرح الراقص، وتضيف في حديثها" لمدونة وطن": «كنت من الجيل الأول للفرقة وبدأت التجربة عام 1999، بعرض "هواجس الشام" الذي عرض على مسرح معرض "دمشق الدولي"، ومن بعدها على مسرح "راميتا" بدمشق ومنها للمحافظات والدول الأخرى، ليصبح اسم الفرقة مرتبطاً بالعروض الراقصة التي تتضمن محتوى درامياً، فالرقص هو العنصر الأساسي في العرض المسرحي».

شارك طلابي بالعديد من العروض والاحتفالات الخاصة بالمديرية، كما أخرجت عرضاً لجميع النشاطات التي تقام ضمن هذه المبادرة، من مسرح، خيال الظل، مسرح عرائس، كورال وغيرها

وتضيف: «تجربتي في فرقة "إنانا" كانت حجر الأساس في تكويني على المستوى الفني، كنت محظوظة بأني من الراقصين الذين اجتهدوا للانتقال بالرقص في "سورية"، من لوحات خلفية لأغنية أو مشهد تمثيلي في فيلم، إلى فن متكامل وقائم بحد ذاته، وتوالت العروض وكذلك مشاركاتي في المهرجانات الوطنية والعربية والعالمية وصولاً الى (الهند والصين) ، كما طورت مهاراتي الراقصة وامتلكت أدوات المسرح الراقص، وشاركت بعدة أدوار فردية متنوعة في عروضها وفي رقصات المجاميع».

سوسن الصفدي أثناء تدريبات فريق مهارات الحياة

في باريس

سوسن الصفدي مع المخرج فراس حاتم وفريق مهارات الحياة

في عام 2005 قررت "الصفدي" أن تبدأ مرحلة جدية في مسيرتها الفنية في "فرنسا" لتتابع الاطلاع على ثقافة أخرى ومجتمع مختلف، وبعد عدة تجارب في التدريب والتصميم وحصولها على شهادة "دراسات في تصميم الرقص"، أنشأت فرقتها الخاصة للهواة على طريق الاحتراف، بإنتاج أعمال مسرحية راقصة تضمن الرقص الحديث الممزوج برقصات الشرق، وقلما تقدم في أوروبا عروض تمزج هذين النمطين من الرقص، بالإضافة الى ارتكازها إلى المحتوى الدرامي.

تضيف: «بدأت بدراسة أكاديمية في جامعة "باريس" لإغناء تجربتي العملية بمضمون نظري وثقافة مختلفة، كان لهذه الدراسة دور كبير في زيادة مداركي وتوسيع الرؤية لدي لأرى الفن الراقص من عدة زوايا وأفهم تطوره في مختلف المجتمعات، وصولاً إلى فهم وإدراك الوجود الأزلي للرقص في تاريخ الشعوب كأداة للتعبير وكعنصر أساسي في ثقافاتها، ولعل أول تمثال لفتاة راقصة، كان قد اكتشف في "سورية" مهد الحضارات والفنون، و هذا ما اكتشفته أثناء تحضيري لبحث علمي حول رقصات منطقتنا وأصولها أثناء دراستي في جامعة "باريس"».

راقص الباليه دانيال رضوان

حصلت "الصفدي" على درجة ماجستير في تحليل الحركة بشكل علمي، اعتماداً على قوانين الميكانيك الحيوي والفيزياء، وبذلك ربطت بين خبراتها كمهندسة طبية وكراقصة ومدربة رقص.

وفي هذا السياق تقول: «أثبتُّ في دراستي أن ممارسة الرقص يحسن من توازن الجسم، حيث أكملت دراستي في المعهد الوطني العالي بباريس للموسيقا والرقص، وذلك في قسم الرقص، اختصاص تحليل وتنويط الحركة الراقصة بنظام "لابان"، حيث يتم دراسة كيفية تدوين الرقص عن طريق نوتة خاصة على مبدأ نوتة الموسيقا بالاعتماد على تحليل الحركة».

خلال سنوات اغترابها طورت "الصفدي" خبراتها كراقصة باتباع ورشات للرقص مع عدة مدربين بأساليب وتقنيات مختلفة، وكمصممة من خلال دراستها في التصميم والإخراج في فرقتها، ومدربة من خلال تدريباتها للرقص لكافة الأعمار بإعطاء دروس بشكل شبه يومي في أكثر من مركز وأكثر من مدينة في "فرنسا".

وتضيف: «الاغتراب ساعدني في تطوير مهاراتي على المستوى العملي والفكري والإنساني، ومن ناحية أخرى ساعدني في تقدير الإمكانات والمواهب الموجودة بين شباب منطقتنا بالرغم من قساوة الظروف، وبالتالي أهمية العمل من أجل مساعدة وفتح الآفاق لهذه الطاقات على معالم أخرى لتتطور وتصل إلى أماكن أفضل ولهذا عدت».

مدرسة الرقص

بعد العودة من "فرنسا" باشرت "الصفدي" بإعطاء ورشات بالرقص الحديث في المركز الثقافي بالسويداء ضمن مبادرة "مهارات الحياة" (بالشراكة بين اليونيسيف/ومديرية ثقافة الطفل).

وتتابع حديثها: «شارك طلابي بالعديد من العروض والاحتفالات الخاصة بالمديرية، كما أخرجت عرضاً لجميع النشاطات التي تقام ضمن هذه المبادرة، من مسرح، خيال الظل، مسرح عرائس، كورال وغيرها».

وتضيف: «افتتحت مدرستي "مدرسة الرقص وفنون المسرح " في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، وهي الأولى من نوعها في "السويداء"، تحاول نشر الثقافة حول الرقص وأنواعه، وهدفنا هو نشر ثقافة الرقص بشكلها الراقي والاحترافي، وتطوير أدوات المهتمين بالرقص بطريقة أكاديمية وتوسيع المدارك حول هذا الفن، وتضم معظم فنون الرقص وفنون المسرح (باليه، حديث، بريك دانس، سالسا و تانغو)، بالإضافة للتمثيل المسرحي والجمباز الفني والإيقاعي، بالإضافة لدورات إعداد راقص من أجل التحضير للتقدم لامتحان القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الرقص، حيث تم قبول العديد من طلابي خلال السنوات الماضية في المعهد العالي».

صعوبات العمل تتركز، كما تقول، في قلة الكوادر ببعض الاختصاصات في "السويداء"، فخريجو المعهد العالي يفضلون العمل في "دمشق" أو السفر للخارج، ونضطر أحياناً للاستعانة بمدربين من "دمشق".

"الصفدي" أقامت ورشات في ثقافي "السويداء" مع عدة طلاب من المعهد العالي حول تحليل الحركة ونظام التنويط، و أعدّت فيلماً يوثق مراحل تطور الراقصين على مدار الورشات لتقديمه في مناقشة مشروع تخرجها من الماجستير في باريس، وتعمل على تقديم مشاريع مع وزراة الثقافة بما يخص الرقص في سورية مع هيئات دولية.

وتختتم حديثها بالقول: «تجربتي مع فريق مهارات الحياة تجربة مهمة جداً، كانت وسيلتي للتواصل مع الشباب واليافعين في مدينتي كونها تؤمن لليافعين دورات مجانية بالكامل وعلى مدار السنة مع نخبة من الفنانين والمدربين، حيث سمحت للعديد ممن لا تسمح لهم ظروفهم المادية بدفع رسوم دورات في المعاهد الخاصة، كان آخرها عرض مسرحي بمناسبة يوم الطفل "حبات الفاصولياء السحرية" برعاية مديرية الثقافة».

احترافية وتطوير

يتحدث المخرج "فراس حاتم" عن الفنانة "سوسن" ويصفها بالمتعاونة والشغوفة لإتمام أي عمل فني بالصورة الأمثل في بيئة عمل آمنة محببة وبناءة، فيها بساطة في التواصل واحترافية في التطوير والإنتاج.

يقول: «تعرفت على المهندسة "سوسن" بعد حضورها لعرض مسرحية "وصيفنا" من تأليفي وإخراجي، وعلمت أنها أنهت دراستها في فرنسا في تنويط الحركة، وكان هذا مشوقاً وحافزاً لي لإعادة النظر في العرض بالتشارك معها، وجمعتنا شراكة فنية في عرضي بمناسبة يوم الطفل العالمي للعامين الماضيين على التوالي، وكانت المشرفة الفنية على الحفل الأول، إضافة لكونها مدربة للرقص مع فريق "مهارات الحياة" التابع لمديرية الثقافة في "السويداء"، وشاركنا في العمل بمجموعة من سكيتشات فن التهريج من خلال فرقة "حنين" المسرحية، وأما عن السنة التالية فقد كانت التجارب مثالاً للشراكة الفنية الناجحة، مدتنا بأمل كبير بالقدرة على خلق شراكات فنية متكاملة بناءة خاصة وأن في اختصاصاتنا الفنية تكاملاً ما بين الفنون المسرحية وفنون الرقص».

أما بداية تجربة راقص الباليه المقيم في فرنسا "دانيال رضوان" مع مدربته "سوسن"، فقد كانت في صف الباليه عندما كان طالباً في كلية الطب البشري، وطالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم الرقص، وهي تجربة تعني له الكثير ودائماً متواجدة بذاكرته.

يقول: «ساعدتني بشكل كبير في معرفة تفاصيل أكثر عن الباليه، وصححت لي الكثير من المفاهيم المغلوطة عن هذا النوع، كنت من طلاب ورشة الرقص الحديث الخاصة الأولى من نوعها في محافظة "السويداء"، ورشاتها غنية جداً من حيث المخزون الحركي أو تكنيك الرقص الحديث بشكل عام، وهذه الورشات صقلت مهاراتي في الرقص الحديث وغيره، كونها تسعى دائماً لضبط وتقنين وإحكام للمهارات الفردية عند الشخص وتطويرها إلى الأفضل، إلى جانب ورشات تنويط الرقص Laban notation، كانت الورشات الأولى من هذا النوع في سورية والوطن العربي، تعرفت بها على مفاهيم جديدة جداً، وفتحت عندي آفاقاً في مسيرتي بالرقص حيث كنت من الأوائل على دفعتي في قسم الرقص».