في الطريق إلى قرية "كنكلو" التي تبعد عن مدينة "المالكية" مايقارب سبعة عشر كيلو متراً، تتموج السيارة بين حقول القمح ذات المساحات الشاسعة على مد النظر، وتتقافز العديد من أشكال الطيور، وتهرب القنافذ لتتوارى بين الحقول ومثلها الأرانب البرية والثعالب، كل ذلك يرسم صورة زاهية لهذه القرية الفريدة التي تشكل نموذجاً لريفنا الجميل.

نهر وطاحونة

قصتنا مع القرية تبدأ من مشارف القرية حيث يمر نهر "السفان"، والذي شيد عليه جسر صغير من الإسمنت والأحجار السوداء.

يعتمد الأهالي بالدرجة الأولى على الزراعة، فهناك مساحات شاسعة لزراعة القمح، إضافة إلى الشعير والقطن والخضروات بأنواعها وفي بعض المواسم يزرعون مادة الكمون، وفي الدرجة الثانية على الرعي "الأغنام" و "الأبقار"..

يقول "عبد الحليم عيسى" من أهالي القرية: «سابقاً كان الناس يقطعون النهر عن طريق أحجار كبيرة وضعت في مكان غير عميق بمقدار كل خطوة، إلى أن شيد هذا الجسر منذ ما يقارب خمسة وثلاثين عاماً لمرور السيارات والناس والمواشي، ولهذا النهر حكايات كثيرة، فعلى ضفتيه ولوقت قريب كانت غابة كثيفة مليئة بأشجار الحور والصفصاف وأشكالٍ متنوعةٍ من الورود والتوت الشائك وبعض الأشجار المثمرة، لتكون مرتعاً للحيوانات المفترسة مثل الضباع والخنازير والذئاب وابن آوى، وفيما بعد استبدلت الأشجار بزراعة القطن والقمح والكمون، كما تزرع على ضفافه أنواع متعددة من الخضروات، والقرية معروفة بنوعية البندورة التي تنتجها، ومن ناحية أخرى يحوي النهر أشكالاً متعددة من الأسماك ويتم اصطيادها من الأهالي غالباً في فصل الصيف».

جانب من القرية

من جهته يتحدث "محمد أبو زوزان" من أهالي القرية عن الطواحين القديمة: «في القرية طاحونتان عمرهما من عمر القرية تقريباً، بنيتا من الحجر الأسود المقصوص بدقة مع الإسمنت، كانت تدار رحاهما بواسطة مياه ساقية تأتي من نهر "السفان"، في البداية كانت كل منها مخصصة لطحن الحنطة ومن ثم لصناعة طحينية السمسم، وحينها كان يزرع السمسم بكثرة في القرية وحولها، ويأتي إليها الناس من كل القرى المجاورة ومنهم من يخيم لمدة ثلاثة أيام ليأتيهم الدور، فتتحول لياليها إلى السهر وفيه يروون الحكايات والقصص ويرددون الأغاني».

التسمية والأصل

هناك العديد من القصص حول سبب تسمية القرية "كنكلو"، منها تلك التي تُعيد التسمية نسبة لشكل من أشكال الورود التي كانت تعج بها ضفاف نهر "السفان"، والرأي الأرجح هو الذي يقوله أحد أبناء القرية: «الاسم مركب من كلمتين "كانيا" وتعني بالعربية "نبعة" و"كلو" وتعني "وادي"، وذلك نسبة إلى العديد من الينابيع التي كانت تحيط بالقرية ومنها ما لا يزال موجوداً، لاسيما التي تسمى بنبعة "النساء"، وهي الأساسية التي روت القرية بأكملها، حيث تتدفق منها المياه العذبة على مدار السنة، ولوقت قريب كانت المصدر الوحيد لحاجيات الأهل من الشرب والغسيل وبناء البيوت الطينية، عمرها يزيد على مئة عام، ونستنتج ذلك من خلال شجرة التوت العتيقة بجانبها، وبمسافة قصيرة عنها هناك نبعة أخرى تسمى نبعة "الرجال"، على ساقيتها تنبت الحشائش القابلة للأكل مثل "الجرجير البري" و"النعناع"، كما تحيط بالقرية العديد من الينابيع الأخرى منها "الملّا"، "الحلبية"، "هشيروك"...».

نهر السفان وإحدى الطواحين

تم بناء القرية عام 1936 حسب ما يقوله العم "إسماعيل جتو" أحد أبناء مؤسسها، ويردف قائلاً: «تقع القرية بمثلث بين جبل "جودي" وجبل "كاباري" وجبل "كراتشوك"، وتبعد عن نهر دجلة حوالي خمسة كيلو مترات، ويمر بجانبها نهر "السفان"، تحيط بها هضبات تمتلئ بالزهور في فصل الربيع، وسهول شاسعة تزرع بالقمح والشعير والبقوليات ما يمنحها طبيعة ساحرة، سكنتها العديد من القبائل قديماً، منها قبائل "هسنة"».

ويضيف: «بقي المكان مهجوراً وكان عبارة عن آثار وبقايا من البيوت الطينية، إلى أن أتى إليها أبي "حاج محمد" الملقب بحاج "محو" وشقيقه "حاج أحمد"، وبنوها مجدداً مع عدد من الأقرباء والأهالي، وبعد السؤال والبحث عن مالك المكان قبلنا، استدل عليه والدي واستضافه واشترى منه القرية».

صورة قديمة لحاج أحمد أحد مؤسسي القرية

وعن أصولهم يقول: «نحن من منطقة "غرزا"، ومن عشيرة "بنجناري"، نقيم في ثلاثة قرى "جم شرف" و"دير دجلة"، "كنكلو"، قريتنا رغم صغرها تعيش فيها أكثر من عشيرة، كما تفتح صدرها للعديد من العوائل في فصل الربيع يأتون إلى القرية ويخيمون من أجل مواشيهم كون قراهم شبه صحراوية».

وينهي "جتو" حديثه قائلاً: «يعتمد الأهالي بالدرجة الأولى على الزراعة، فهناك مساحات شاسعة لزراعة القمح، إضافة إلى الشعير والقطن والخضروات بأنواعها وفي بعض المواسم يزرعون مادة الكمون، وفي الدرجة الثانية على الرعي "الأغنام" و "الأبقار"..».

كتابٌ وفنانون

من جانبه يقول "عبد عيسى": «قريتنا صغيرة بحجمها ولكنها كبيرة بأهلها، ولها دور فعّال في الميادين، من أبنائها من أصبحوا أطباءً ومهندسين ومحامين، ومنهم من أبدع في مجال الفن والأدب ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مغني المقامات الراحل "عبدي كوري"، والفنان الشاب "آلان مراد" المغني وعازف البزق الذي قدم أمسيات على الكثير من المسارح السورية منها دار الأوبرا وشارك العديد من الفرق السورية، وأيضاً رسام الكاريكاتور "جواد مراد" الحاصل على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، الشاعر والكاتب "حسين خليفة" الذي طبعت له وزارة الثقافة أولى مجموعاته، وشقيقه "وليد خليفة" الكاتب في العديد من الصحف العربية والذي عمل لفترة معد في إذاعة "مونتي كارلو"، والشاعر "عبد الحميد مراد" صاحب أربع مجموعات شعرية، والمخرج "سهيل حاجي" وأيضاً المغني "سلمان زيباري" والمغني "هاشم إبراهيم" وغيرهم».