محظوظة هي الأحلام التي اتسع هامش واقعها، ومحظوظة أكثر تلك الأحلام التي تتوفر لها مقومات النجاح، كما هو حال مجموعة "المشاريع الأسريّة السورية" التي بدأت حلماً، فوصلت إلى طريق النجاح

مقومات

يعتمد جوهر وفكرة "المشاريع الأسريّة السورية" على طاقات أبناء هذه الأسرة بكل مكوناتها، والتي تضم الموظف والمهندس والميكانيكي والطباخ والعامل والفلاح وأصحاب الشركات الصّناعيّة والتّجارية وغيرهم.

كانت حاجة بيتي في جبل "الحلو" للتدفئة، الحافز الأكبر في تصميم هذه الآلة وقد لاقت مساحة انتشار واسعة في المنطقة لدينا، فقمت بتطويرها وإنتاج المزيد منها، وقد اقترحني أحد الزّبائن للانضمام إلى صفحة المشاريع الأسريّة، فتعرفت على القائمين على إدارتها وأطلقنا مجموعة بدائل التّدفئة وحضرنا بهذا المشروع بجامعة البعث، وأرى في هذا المشروع الحل الحالي والمستقبلي الأمثل للتدفئة

وعن هذه التجربة وأهميتها يتحدث الباحث التّنموي "أكرم العفيف" بالقول: «أولى مقومات نجاح مشروعنا هو القيم السورية المعروفة للجميع، من كرم واحترام ومحبة وأمانة وغيرها الكثير، وثاني هذه المقومات هي ملكات السوريين بما لديهم من ثقافة وما اكتسبوه من معرفة وعلم وما نالوه من تحصيل علمي عال اجتهدوا فيه رغم فقر حال بعضهم، وقد ساند في ذلك سياسة الدولة بمجانية التّعليم وإتاحته للجميع، فتهيأت لهم (أي السوريون) الفرص الكبيرة لتأهليهم لأي عمل ومشروع تنموي قادر على قلب المعادلة، أما المقام الثالث لمقومات نجاح المشروع تحجزه الأرض السورية الطيبة وبما وهبها الله من خيرات متنوعة ومتعددة، ومنها مجموعات الأعشاب الطبية والتي وصلت إلى ما يقارب 3600 نوع، وباستعراض سريع لما سبق نجد أن هذا البلد يشغّل باستثمار الموارد.. موارده الكافيه التي تجعل من فقر السوريين (فقراً أبيض)، يحتاج لإدارة وتوجيه نحو المشاريع التّنموية مثل المشاريع الأسريّة».

الوقود البديل

أسس ومحركات

الباحث أكرم عفيف

وفرت الإمكانيات التّكنولوجيّة ومواقع التّواصل الاجتماعي الحامل الرّئيسي لحضور "المشاريع الأسريّة السورية"، ففي الأشهر الأخيرة من عام 2022، تأسست مجموعة المشاريع السورية الأسريّة وقامت على محركات ثلاثة، أولها محرك رسمي حكومي فيه وزراء أو من ينوب عنهم أو من يُكَلف للتواجد الدائم في المجموعة، يتبيّن مجمل الحوارات التي تدور فيها، بالإضافة إلى رئيس اتحاد الفلاحين ورئيس اتحاد الغرف الزّراعيّة بسورية، وكذلك مدير هيئة تنمية المشروعات ومدير البحوث العلمية الزّراعيّة والفريق خاصته، والجمعية السورية للتسويق مع كامل فريقها ومجموعة صنّاع الجودة العرب مع كامل فريقها، وهناك أيضاً جهة تمويلية داعمة هي بنك الإبداع للتمويل الصغير.

ويشير "العفيف": المحور الأكاديمي أخذ موضعه كمحرك ثان يضم مجموعة من أربعين أستاذاً من الجامعيين والباحثين، بما لديهم من علوم وأفكار وكذلك تجارب وأعمال، أما المحرك الأخير هو المحرك الأهلي بكل أصنافه بالإضافة إلى خمسة وستين إعلامياً كان لهم مشاركة فاعلة أبرزها ما قدموه في ورشة عمل "صحافة الحلول للمشاريع الأسريّة السورية".

من مشاريع تربية الأسماك

ويشرح "العفيف" عن آلية عمل المجموعة والتي تبدأ بعرض فكرة أو موضوع إستراتيجي مهم في المجموعة الرئيسية، وينطلق الحوار في هذه الفكرة بإدارة من له تجربة في موضوعها وبمداخلات للأكاديميين التي فيها التوجيه والتّصحيح لما قد يرد من خطأ أو التباس، ويدار هذا الحوار لمدة يومين أو ثلاثة وتوضع مقترحات الحلول، وبعد ثلاثة أيام تُنشأ مجموعة فرعية متخصصة، فيها متخصصون ومهتمون بموضوع هذه المجموعة التي تصبح دائمة، ويوثق حوارها من موثّقين على ملفات PDF تقدم مجاناً لكل جهة تطلبها سواءً كانت خاصة أو عامة، حكومية أو غير حكومية".

ويضيف: "بخلاف ما تعودناه في الكتب والمواضيع، عن وجود مقدمة وخاتمة، فإن العمل الذي تقوم عليه "المشاريع الأسريّة السورية" تُنشأ مقدمته وتبقى خاتمته مفتوحة قابلة للإضافة وفق ما يستجد من حوار ونقاش يخص هذا الموضوع والفكرة".

طحين التّفاح

تمثل أفكار وطروحات هذه المجموعات الفرعيّة حلولاً حقيقية لمشاريع أو مواضيع تعمل الحكومة والجهات الخاصة والعامة والفلاحين المهتمين على حلها، وهي ملائمة لكثير منها، مثل الحمضيات وزراعة الفطر المحاري والفيرمي كومبوست والحدائق الأسريّة وبدائل الأعلاف، وغيرها من المواضيع على كثرتها، ومنها التّفاح الذي كان محور نقاش لأحد المجموعات، وقد أعطت نتائج قيّمة.

عن هذه الأفكار يشير "العفيف": «فكرة تحويل تفل التّفاح الناتج عن العصير إلى طحين بنسبة 4 % يُحسن من جودة رغيف الخبز، وهذه نتيجة رائعة وضمن التفكير التّنموي الذي نعمل عليه ويمكّننا من امتصاص الوفرة بالإنتاج، فضلاًَ عن أنها تُحسّن من سعر التّفاح، مع ضمان الصّنف الجيد من تفاح المائدة بحكم ذهاب الأصناف الأقل جودة إلى التّجفيف والطحن، فيتجاوز الفلاح ممارسات قطع أشجار التّفاح، وبالعودة إلى مجموعة حوار التّفاح، فهناك من عَمِل وبشكل جدي على إنتاج عسل التّفاح وقمر الدين التّفاح وشيبس التّفاح».

بدائل التّدفئة

بعد تضرر الغابات من ممارسات جائرة من قطع وتحطيب من أجل التدفئة، تصدّر موضوع بدائل التّدفئة قائمة الحوار وتبلورت قصة نجاح "حنا أديب" في هذا المجال، فبعد العودة إلى موروث أهلنا القديم بما كانوا يُعدّونه من مزيج لروث الحيونات مع قلامات الأشجار وبقايا المحاصيل الزّراعيّة ضمن ألواح خشبيّة معينة تحيط به ثم تجفيفه وتخزينه لأيام الشتاء، وبعد الوصول إلى استخدام مكبس جاهز قام أحد الصناعين المتواجدين في المجموعة بتصنيعه وتقدير تكلفته.

عمل "حنا الأديب" على تصنيع آلة تشبه فرامة أو خلاطاً تعطي قوالب تُجفف مكوناتها التي عرفناها سابقاً، لتكون جاهزة للاستعمال في التدفئة شتاءً، وقد قدرت تكلفة هذه الآلة بما قيمته 50 مليون ليرة، ويتكفّل بنك الإبداع بتمويل المشروع حيث تكتمل بذلك حلقة المشروع من الفكرة والمادة المصنعة والمستثمر والتمويل.

يقول "أديب" عن مشروعه: «كانت حاجة بيتي في جبل "الحلو" للتدفئة، الحافز الأكبر في تصميم هذه الآلة وقد لاقت مساحة انتشار واسعة في المنطقة لدينا، فقمت بتطويرها وإنتاج المزيد منها، وقد اقترحني أحد الزّبائن للانضمام إلى صفحة المشاريع الأسريّة، فتعرفت على القائمين على إدارتها وأطلقنا مجموعة بدائل التّدفئة وحضرنا بهذا المشروع بجامعة البعث، وأرى في هذا المشروع الحل الحالي والمستقبلي الأمثل للتدفئة».

المزارع السمكيّة

كان لإدراج مشاريع الأسماك الأسريّة ضمن مجموعة المشاريع الأسريّة الرئيسية الفائدة والأهمية الكبيرة، فهي كما باقي مشاريع المجموعة لا تسهم فقط في خلق مصادر دخل إضافية، بل تعزز أيضاً الشعور بالانتماء للمجتمع والتعاون بين الأفراد المشاركين.

هذا الأثر الإيجابي يؤكده المهندس "محمود عيسى" مدير الثروة السمكية ومشرف مجموعة مشاريع المسامك الأسريّة، وهو يشير إلى الدّور الحيوي الذي لعبته المناقشات والأنشطة داخل المجموعة في تعزيز النتائج الإجمالية، بما عرضته من مقترحات وحلول تناولت بدايةً إمكانية استغلال مياه تربية الأسماك النتروجينية الغنية بالسماد بسبب فضلاتها في سقاية الأراضي، وبما قدمته من سبل تأمين البروتين الحيواني والنباتي للأسماك، ما يتيح الحصول على غلال وفيرة وجيدة من السمك، وبذلك فقد وفرت هذه المناقشات منصة لتبادل الخبرات ومناقشة التحديات واستكشاف الحلول المبتكرة، وتقديم والنّصح والإرشادات للتغلب على العقبات التي تواجه الاستزراع السمكي، كما إنها خلقت حالة تفاعل كبيرة ولازالت مستمرة في تسجل نشاطاً إيجابياً ناجحاً بامتياز.

نحو النجاح

الدكتور "يونس إدريس" المسؤول الزراعي العلمي والفكري لمجموعة المشاريع الأسريّة، والمشرف مع الأستاذ "أكرم العفيف" على أعمال المجموعة وفرقها الـ 35، يؤكد أن هذه المبادرة الأسريّة هي بمثابة بداية جيدة ومبشرة، فهي تجذب يوماً بعد يوم أعضاءً جدداً من "مصر" و"لبنان" و"الأردن". كانوا قد سمعوا عن المجموعة ونشاطاتها، فطلبوا الانضمام إليها سواء للحصول على المساعدة العلمية أو لمشاركة خبراتهم القيمة في خدمة المجموعات الأسريّة.

ويشير الدكتور "إدريس" إلى أنه رغم التوسع المستمر للمجموعة وزيادة قوتها، إلا أنها تعاني من عدم وجود القدر الكافي من المؤسسات الرسمية التي تدعم هذه المشاريع وتمولها بشكل مناسب.

أخيراً تعد المجموعة المشاريع الأسريّة بكل فروعها مثالاً يحتذى به في استغلال الخبرات والمواهب العلمية والفكرية لخدمة المجتمع وتنمية المشاريع الصغيرة،وانضمام العديد من الأعضاء الجدد يثبت أن هناك رؤية طموحة كبيرة نحو النجاح.