أثبتت النقوش البازلتية المحفورة على صخور قرية "الكفر" الواقعة في الجهة الجنوبية من "السويداء"، أنها نقوش تحمل دلالات متنوعة من أهمها أنها حددت طبيعة المجتمع وفصّلت الأملاك العامة والخاصة، وميزت الأشخاص بألقابها وصفاتها وخصائصها الاجتماعية من خلال نقوش كتابية تعود للعصور الرومانية والبيزنطية.

نقوش مجتمعية

تشير معظم تلك النقوش إلى الروابط المجتمعية التي كانت سائدة في حقبة زمنية تاريخية، ويرى الباحث الآثري الدكتور "نشأت كيوان" لموقع مدونة وطن eSyria، أن هذه النقوش المكتوبة باليونانية واللاتينية التي عثر عليها في بلدة "الكفر"، تعد نموذجاً مميزاً لبعض الألقاب والصفات أو مكانة الأشخاص التي تم ذكرهم في العديد من هذه النقوش، كما أشار بعضها لكيفية التنظيم العمراني وحدود الأراضي وفصّل ما هو خاص عن ما يسمى أملاك الدولة أو الأملاك العامة.

ويشير "كيوان" إلى أحد النقوش التي دونت على حجر في أحد كروم العنب بالقرب من "تل قليب" المجاور للبلدة، ويفيد أن شخصاً اسمه "ماركوس هيربيوس" وبأمر من "آفيدوس آيوكاسيوس" الحاكم، قد وضع خط حدود وترسيم بين الأملاك العامة أو أملاك الدولة، وبين أملاك "ماركوس"، ويذكر النص أن من قام بتنفيذ هذا التحديد هو "فافونيوس" المراقب الأول وهي إحدى الوظائف العسكرية، حيث لقب الأخير بلقب "بريور" والذي كان قائد سرية سابق تم ترفيعه إلى مرتبة مراقب قوات أو حصن لصالح الفيلق الروماني الثالث الذي كان مقره "بصرى"، ويبدو أن ظهور موظف عسكري يعني أن أملاك الدولة هذه تعود ملكيتها للجيش على الأرجح.

الباحث الاثري خلدون الشمعة

حكايا النقوش

الباحث الأثري الدكتور نشأت كيوان

ويضيف "كيوان" أن نقوشاً كتابية أخرى من "الكفر" تفيد بإشادة مبان قام بها ليس رب الأسرة فقط بل زوجته أو أحد أبنائه، منها نقش كتابي يشير إلى أن أحدهم بنى آبدة على نفقته الخاصة لكن من وضع مخطط البناء هو زوجته وارد "ورد"، ويبدو أنها كانت على دراية بالتصميم المعماري، كما عثر على نقش كتابي مؤرخ بعام 245 بصراوي 350 ميلادي، يذكر أن "اوريليوس مونتانوس" بن "ثيودورس الشيخ" القاضي السابق من بصرى، قد بنى قبراً على نفقته الخاصة، وهنا دليل على وظيفة هذا الشخص في القضاء ومن ثم تبوؤه مكانة اجتماعية كشيخ بين قومه.

بدوره يبين الباحث الأثري "خلدون الشمعة" رئيس دائرة الآثار بالسويداء، أن أحد النقوش المكتوبة باللغة اللاتينية والتي عثر عليها في الجزء الغربي من البلدة بعهد أحد الحكام، ويذكر النقش انه قد تم تأسيس كنيسة بعام 392 ميلادي، وظهر اسم عربي كاسم متداول في مناطق متعددة من سورية وخاصة في "تدمر" وهو "وهب الله بن غنيم"، كما ذكر اسم شخص آخر اسمه "مكسيموس" حيث قام ببناء آبدة في عام 583 ميلادي، وكان هذا الشخص يخدم في الجيش لمدة عشر سنوات كعضو في الحرس الامبراطوري الخاص وهي مكانة عسكرية مميزة.

قرية الكفر

اخر النقوش

ويكشف "الشمعة" أنه عثر على كسرة حجر عليها نقش كتابي يشير إلى أن المدعو "فيليبوس بن خادم" وراعي المعبد بنيا بدون مشاركة أحد بيتاً في عام 735 ميلادي، وتاريخ هذا البناء مميز باللغة اليونانية لأنه جاء في العصر الإسلامي وتحديداً في القرن الثامن، ويعتبر هذا النقش من أواخر الكتابات اليونانية في منطقة جبل العرب المكتشفة حتى الآن.

ولابد أن نذكر أخيراً أن أحد النقوش الكتابية ذكر "الكفر" وهو الاسم القديم لها حيث كانت حصناً قوياً، فيما يدل نقش آخر على نذر للنبع حيث ذكر "نذر اسحق الصايغ" في نبع "عين موسى" حالياً.