العنب الدوماني الأحمر الذي اشتهرت به مدينة "دوما" وكان أحد أسباب انتشار معاصر العنب والدبس، هو أحد أصناف العنب في بلاد الشام المصنف عالمياً والمحفوظ بأرشيف خاص له في مركز البحوث الزراعية، ونظراً لأهميته اتخذت المدينة ورقته شعاراً لها عام 1984 م حسب الباحث النسابة "عبد العزيز محمد الصمادي".

العنب الدوماني

يعرض "الصمادي" للمناطق التي كانت مشهورة في زراعته في الماضي القريب منها، (عناتر) ، والمعرفة باسم المساكن الشعبية حالياً، وبلدات (الرمان والعالية والقصير والدوير والمزرعة والعب)، كما كانت تنتشر زراعته في القرى المجاورة ومنها "مسرابا والريحان والشيفونية وحرستا ومديرة"، ومؤخراً تمت زراعته في منطقة "القريتين" بحمص حيث حققت نجاحاً ملحوظاً هناك.

ويبين "الصمادي" أنه نتيجة لاتساع مساحة الأرض المزروعة بكروم العنب، كان يُقام ما يعرف بخيم النواطير لحراسة المحصول من اللصوص، ومن الحيوانات التي كانت تلتهم منه كميات كبيرة، وتلحق ضرراً بالغاً بالفلاحين كابن آوى، ويوضح أن هذه الخيم كانت مقسمة بشكل مناطر منها خيم لبون وخشب ثلاثة طوابق، وهي دائمة، ومنها قش وخشب طابق واحد وهي موسمية.

الشاعر سامر الشغري والصحفي نديم معلا

ومن المناطر المشهورة وفقاً "للصمادي" منطرة بيت العاقل/ أبو خالد وأبو عمر وأبو رشيد وأبو كاسم، ومنطرة عبد الدايم/ فارس عبد الدايم أبو خالد، ومنطرة العفا ومنطرة حسين الحجة/ أبو عبيد / ولبودة أرض الوقف، ومنطرة الريس /فهد الريس، ومنطرة أبو سليم النمس، ومنطرة المصري/ سباهية، ومنطرة النجار أبو فهد، ومنطرة النمل ومنطرة قطقوط /عبيدة، ومنطرة عز الدين، ومنطرة المهباني ومنطرة أبو عكيد بربور ومنطرة إنجيلة ومنطرة طه ومنطرة أبو علي المصري.

طقوس راسخة

ويشير الصمادي إلى أن الكثير من المنتجات كانت تُحضر من العنب وعرائشه، من اليبرق والحصرم الحامض والزبيب الأحمر والدبس والصليبة والخل، والأغصان اليابسة والقرامي والزبارة للتنور ومواقد الحطب، فيما كان العنب يعبأ في "سحاحير" وهي عبارة عن صناديق كبيرة تسمى سحارة عنابية، وسلال كبيرة وصغيرة ويباع في العاصمة دمشق.

الباحثين الصمادي وسريول

ويشير "الصمادي" إلى أن أبناء قرية "معربا" كانوا يضمنون العنب ويقطفونه بعد الظهر وفي الصباح يباع في دمشق، منقولاً إلى الكراجات عبر الطنابر والدواب والجمال، وفي الأربعينيات كان يشحن العنب والدبس والزبيب أيضاً في الترامواي.

ويعدد "الصمادي" أسماء معاصر دبس العنب ومنها "الصيداوي وحمدان وحليمة والساعور وعثمان والشيخ ضاهر والخجا وسريول وكريم"، مبيناً أن القائمين على هذه المعاصر كانوا يضعون الدبس في سطول وتنك مختلفة الأحجام بعد طبخه وإضافة مادة العصلج للتجميد .

مدينة دوما

وهناك كما يقول "الصمادي" أسماء وألقاب عائلات اشتقت من المهن المرتبطة بزراعة العنب وحراسته وعصره مثل (آل الناطور وآل الخيام وآل المعصراني وآل العناب وآل الزبيبي وآل خلل وآل العنبي وآل الدبس وآل الدباس وآل حلاوة وآل دبس و زيت وآل دبسية) .

ويتحدث "الصمادي" عن نداءات معينة كان يخصها باعة العنب الدوماني للتدليل عليه مثل (على الندى يا عنب ودوماني يا عنب، واليبرق بالدهن بيغرق، وفي شهر آب إقطع العنقود ولا تهاب، وبيروق الدم يا عنب وعلى الندى حوشتو يا عنب، والزيتي الحلواني والأحمر دوماني).

لذة المذاق

بدوره يبين الباحث والمؤرخ الشاب "محمد غسان سريول"، أن "دوما" اُشتهـرت منـذ القديـم بكـروم العنـب التي كانـت تمتـد مـن شمـال النهـر الشمـالي إلـى جبال "ابـو العتـا"، وشرقـاً مـن أرض"عناتـر" إلـى "مـرج عـذراء" (عدرا) و"الريحـان" وتـزرع أيضـاً فـي منطقتـي "المزرعـة والعب" .

ويؤكد "سريول" أن لكروم العنب في "دوما" شهـرة واسعـة وكرمهـا قديـم جـداً ويقـال إن حلـوه جـارح ويجلـب الظمـأ الشديـد لشـدة حلاوته، ويمتـاز بأنـواع عديـدة منهـا العنـب الأحمـر والحلوانـي والزينـي والدُربَلـي، حيث يعـد العنـب الدومـي مـن أجـود أنـواع العنـب فـي بـلاد الشـام.

ويصف "سريول" كيف تغنى شعراء كثر بكـروم "دومـا" منهـم العلامـة "عبـدالقـادر بـدران" وممـا قـال فيهـا:

أَعْنَـابُهَـا مَـا إِنْ لَهَـا مِـنْ مُشْبِـهٍ

مَـا بَيـْنَ أَنْـدَلُـس إلَـى صَنْعَـاءِ

كمـا مـدحها الشاعـر "أحمـد الدعـاس"

مَـا أَطَيْـبَ العَيْـشَ فـي ظِـلِ الكُـرْوم

ومَـا أَصْفَـىٰ الْيَالـي وأحلـىٰ الجَمْـعَ والسَهْـرا

ويتابع "سريول" حديثه بالقول: "فـي بدايـات القـرن التاسـع عشـر أقيـم معـرض للعنـب فـي "داريـا" اشتمـل علـى مئـة وسبعـة أنواع مـن العنب، وقـد ذكـر "الطنطاوي" رحمـه اللّٰـه أن مجمـع الكـروم وأكثرهـا كـان فـي دومـا، وقد صنـع مـن العنـب الدوماني الزبيـب والحـلاوة والدبـس وعصيـر الصليبـة فـي المعاصر، والعنـب الدومـي يعد نـادراً فـي يومنـا لمـا أصابـه مـن أمـراض منـذ عقـود أدت إلـى جفافـه وموتـه".

في الأدب

الصحفي والشاعر "سامر الشغري" ابن مدينة "دوما" يقول: "ما زلت أذكر كروم العنب التي كانت تقع خلف دارنا القديمة وتمتد على مساحات شاسعة إلى سجن عدرا المركزي، قبل أن تقطع وتبنى مكانها عمارات سكنية ومعامل ومستودعات وأحياء سكن عشوائي، وكما روى لي والدي حكايات نواطير العنب وخيمهم وكيف كانت الكروم التي خصصها أصحابها لعابري السبيل ليأكلوا من عناقيدها تثمر أضعاف غيرها".

ويؤكد" الشغري" أن الشاعر الراحل "حسين حمزة" وهو أحد أهم شعراء العامية المعاصرين، كتب أغنية للعنب الدوماني، كانت تبثها إذاعة دمشق في صباحات سنوات الثمانينيات ولحنها الموسيقار الراحل "سعيد قطب"، وشدت بها مغنية اسمها "منال" اختفت عن الساحة منذ زمن طويل، يقول فيها:

حصرم عنقودك يا غالي.. مرمر يا زماني

عنقود مربى عالغالي.. سكّر يا دوماني

وشو جاب السكّر للمر.. ومين اللي دوقني المر

وشو هالسر اللي بعنقودك.. بعمرو ما هنّاني.

بين الماضي والحاضر

ويوضح الصحفي "الشغري" أن المكتشفات الأثرية تخبرنا أن "سورية" كانت الموطن القديم لزراعة الكرمة، ومنها نقل الفينيقيون زراعتها إلى مصر وأوروبا، وفي ربوعها وجدت بعثات التنقيب معاصر الدبس والنبيذ، والمعابد التي كرست لباخوس إله الخمر.

ويشير إلى أن "دمشق" ظلت بغوطتيها الشرقية والغربية على مدى قرون موئلاً لزراعة العنب الذي لم يعرف العالم مثيلاً له في طعمه وجودته، وتفنن الفلاحون في زراعته من المتسلق إلى الأرضي، وتنافست عاصمتا الغوطتين "دوما وداريا" في أيهما يزرع العنب الأفضل.

ففي "داريا" هناك العنب الديراني بلونه الأخضر الفاتح وحبته المتطاولة ونسيجه المتماسك، والذي يتميز بقدرته على التخزين لفترة طويلة ما جعله مفضلاً كعنب للمائدة، أما "دوما" فاشتهرت بعنبها أحمر اللون شديد الحلاوة، والمعروف بالدوماني، وفي الماضي كان الدمشقيون يطلقون عليه عنب الطيّانة لما كان يبثه في الجسم من سعرات حرارية، ورغم أنه لا يمكن تخزينه فترة طويلة كالديراني، ولكنه مناسب جداً لصناعة الخل والدبس والصليبة.

وختاماً تتحدث رئيس دائرة الزراعة بدوما "منى الحمصي" عن واقع زراعة العنب وتقول: "للعنب الدوماني كمنتج زراعي وغذائي وتمويني فضل كبير على من عاش في الغوطة حتى منتصف القرن الماضي قبل الجائحة "حشرة الفيلوكسر" التي أصابت معظم أشجار الكرمة القديمة المعمرة وأدت لموتها، ما حدا بالمزارعين إلى زراعة أنواع أخرى من الأشجار المثمرة ذات مردود عالي، وبعض محاصيل الخضار" إضافة الى توسع الحركة العمرانية وتضيف: "كانت مزارع العنب تشغل ثلث مساحة "دوما" وماحولها ومنذ فترة طويلة انقرض ولم يبقَ مزارع عنب دوماني، وخلال آخر 40 سنة الماضية، ظل العنب الدوماني موجوداً ولكنه يأتي لدوما من مناطق أخرى كبلدة "القريتين" .