بالرغم من أنها غابت واندثرت منذ عقود من الزمن، لا تزال آثار النواعير في بلدة "رأس العين" بمحافظة "الحسكة"، شاهداً حياً على عراقة هذه البلدة وماضيها الجميل، وهي البلدة التي ولدت زاهية وجميلة، بعديد المزايا الطبيعيّة فيها وحولها، فقد تزيّنت أساساً بالينابيع الكبريتية والوديان والتلال والطبيعة الساحرة، وامتازت بمحاصيلها وخضارها وزراعتها، فكانت طلّة النواعير سمّة جديدة وجميلة في حياتها.

حكاية جميلة

يتباهى أهالي البلدة بتلك الطبيعة الاستثنائية لبلدتهم، ويتباهون أكثر بنواعيرها التي تحكي حكاية ماضٍ عريق ومميز، وبالرغم من أن الكثيرين منهم لم يعايشوا تلك الحقبة التي وجدت فيها النواعير، لكنها ظلت جزءاً من ماضيهم وحضارتهم حسب وصف ابن البلدة الشاب "عز الدين علي خليف".

عمري الآن 75 عاماً، وحسب ما أتذكر كانت النواعير متوقفة منذ كنت صغيراً، لم تكن لها غاية وفائدة في ذلك الوقت، طبعاً عمرها مئات السنين، وليس هناك من أثبت ولادتها وتاريخها الدقيق، كانت عبارة عن ثلاث نواعير، أنشأت مع بعضها، وتوقفت في فترة واحدة، وحتّى بعد توقفها ظلّت محطة مهمة للزيارات، فهي إرث عظيم ورمز من رموز بلدتنا، ستبقى شاهداً إلى الدوام على رقي وحضارة البلدة، ودورنا الآن توثيق ما شاهدناه، فمنطقتنا بشكل خاص شهدت تلك النواعير وبذلك العدد

يقول "خليف": «سمعتُ من كبير أسرتنا عن وجود نواعير في بلدتنا خلال الحقبة الماضية، هذه المعلومة غائبة عن عديد من أهلها، بما فيهم والدي الذي لم يكن قد عاصرها أو شاهدها، وهذه المعلومة نقلتها لأبنائي بوجود النواعير، لأننا مؤتمنون على نقلها ونقل كل ما يتعلق ببلدة "رأس العين" المثالية في كل ما تملك، جمالها وحضارتها وأناقتها وتاريخها وماضيها وأهلها الأصليون بتنوعهم، ويبقى الأهم أن نطّلع ونتعرف على هذه العناوين الجميلة في البلدة، ويجب أن تتداول على الألسن وتسجل في الدفاتر وتنقل من جيل لجيل، إذ لا يمكن أن تغيب عنّا هذه التفاصيل وهذه الأحداث المهمّة في حياة بلدتنا بكل شيء، صحيح الآن ابتعدنا عنها مكرهين، لكن عودتنا إليها حتمية ومؤكدة، فالبلدة بكل ما فيها باقية خالدة في ذاكرتنا وقلبنا، لذلك من الضروري بقاء كل تفاصيلها في وجداننا».

الطبيعة الجميلة والينابيع لرأس العين منحتها وجود النواعير

ترفيه وفائدة

من نواعيرها

يحمل أبناء بلدة "رأس العين" أمانة كبيرة، بتوثيق وتدوين تفاصيل بلدتهم، بما في ذلك نواعيرها، ففي ذاكرة التسعينية "مروة جعفر سيد هاشم" من أهالي البلدة، المقيمة حالياً في مدينة "القامشلي" تفاصيل عن تلك الينابيع ونواعيرها.

"مروة" تؤكد أن الذاكرة تحفظ جزءاً قليلاً من الماضي البعيد، خاصة النواعير تقول عن ذلك: «أتذكر بأنني مع بعض سيدات حيّنا كنّا نزور مكان النواعير بشكل دوري، وهناك كنّا نجد الشباب والكبار والصغار، يلعبون ويقضون أوقاتاً جميلة، كانت أماكن رائعة للترفيه خاصة في فصلي الصيف والربيع، وكنا في وقتها نراها حدثاً فريداً واختراعاً عجيباً لنقل مياة الينابيع إلى أماكن بعيدة تستخدم لسقاية المحاصيل والأشجار بطريقة غير معروفة.. بالنسبة لنا كنا نحن النساء نستفيد من الطبيعة المميزة حول النواعير، ونجني النباتات الصالحة للأكل منها، هذه النواعير رغم عمرها الكبير في المنطقة، لكنني وغيري من المعمرين لم نشهد إلا فترتها الأخيرة في الوجود».

رمز العطاء

بدوره يتحدث الباحث في تاريخ البلدة وأحد أبنائها "طارق ابراهيم خضر" عن تفاصيل تاريخيّة تتعلق النواعير، ويقول: «عمري الآن 75 عاماً، وحسب ما أتذكر كانت النواعير متوقفة منذ كنت صغيراً، لم تكن لها غاية وفائدة في ذلك الوقت، طبعاً عمرها مئات السنين، وليس هناك من أثبت ولادتها وتاريخها الدقيق، كانت عبارة عن ثلاث نواعير، أنشأت مع بعضها، وتوقفت في فترة واحدة، وحتّى بعد توقفها ظلّت محطة مهمة للزيارات، فهي إرث عظيم ورمز من رموز بلدتنا، ستبقى شاهداً إلى الدوام على رقي وحضارة البلدة، ودورنا الآن توثيق ما شاهدناه، فمنطقتنا بشكل خاص شهدت تلك النواعير وبذلك العدد».

وعن أهمية هذه النواعير يشير "خضر" إلى أنها وضعت على أطراف البلدة بمسافة 3 كم عنها، تحديداً على مجرى نهر الخابور، ومن مزايا هذا النهر أنه كان يأتي بقوة، فيساهم بدوران النواعير، وبذلك تتوزع المياه على الأراضي المُجاورة، ومن خلالها كانت تسقى الخضار والبساتين والمزروعات والأشجار التي حولها، هذه الفائدة الرئيسية من تلك النواعير، وهي فائدة عظيمة كون المنطقة زراعيّة وتهتم وتعتني بزراعة الخضار بشكل كبير.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 21 تموز 2023 أجرت اللقاءات السابقة عن نواعير "رأس العين