رغم تدوينها على السجل التراثي للمحافظة منذ أكثر من مئة عام مضت، إلا أن إعداد طبق "سليقة" القمح احتفالاً ببزوغ أسنان الطفل اللبنية ما زالت مدرجة على قائمة العادات والتقاليد في "السويداء"، تتوارثها الأجيال عن الآباء والأجداد، لتبقى بمنزلة الزائر الدائم لكافة بيوت جبل العرب.
عبق القمح
تتحدثت السيدة "أم طلال مقلد" لمدونة وطن "eSyria" عن هذا الموروث الاجتماعي ودلالاته حيث تقول: "تعد آلام بزوغ الأسنان اللبنية للطفل المولود حديثاً، بمثابة الإشارة لأمه أو جدته، لنفض غبار السنين عن الوعاء المخصص "لسليقة" القمح، لتهرع مسرعة الى "الكوارة" مستأذنة إياها لتعبئة ذلك الوعاء بالقمح ليصار إلى سلقه، فرائحة القمح المسلوق الذي نثر عطره في مطابخ الأمهات والجدات مع بدايات القرن العشرين، ما زالت تعبق بالمكان لتاريخه".
وتتابع "مقلد" بالقول: "طقوس سلق القمح احتفاءً بأسنان الأطفال الرضع والتي واكبت آباءنا وأجدادنا منذ عشرات السنين، لا تزال تسكن الذاكرة وتستوطن القلوب، ولم تنل منها السنين ما أبقاها تلقي بظلها اللطيف على أسر المحافظة، فلمة الأهل والخلان على طبق "السليقة" عادة ورثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ولا تزال تفرض نفسها كإحدى الطقوس التراثية التي لم تغادر المنازل، حتى باتت بمنزلة العرف الاجتماعي الذي لا يمكن إلغاؤه، فطبق السليقة المْزين بالحبوب والمكسرات وغيرها، يعد الحاضر الأبرز في هكذا مناسبات".
وتشير السيدة إلى أن طبق" السليقة" هو تقليد اجتماعي رافق أسر المحافظة من القدم، فبعد الانتهاء من إعداد طبق "السليقة" تبدأ الام بتوزيع الصحون المعبأة بالقمح المسلوق على الأهل والجيران، والعادة الأجمل التي لم تغب عن الطقوس التراثية، هي عودة الصحون إلى أسرة المولود أيضاً مملوءة بالهدايا طبعاً كل حسب مقدرته.
عادة متوارثة
بدوره يبين "رامز مفرج" باحث في التراث أن سليقة القمح لأسنان الطفل غدت بمثابة العرف الاجتماعي دائم الحضور، وهي تعبير عن فرحة الأهل بمولودهم الذي بدأ يشاركهم طعامهم، فكان خيار الأسرة الأسهل هو "السليقة" التي تعد من المأكولات التي من السهل على الطفل الصغير تناولها، والأهم هو توافر مادة القمح لدى كل أسر المحافظة، لكون أغلب الأسر في منطقة جبل العرب تزرع القمح.
ويشير "َاحمد دياب" احد المهتمين بالتراث إلى إحدى العادات التي ما زالت ملازمة لطبق "السليقة"، وهي قيام الأمهات أو الجدات بنثر بعض حبات القمح المسلوقة للطيور وخاصة الدواجن، لتأكل منها اعتقاداً منهن أنه كلما أكل من حبات "السليقة" عدد أكبر فإن ذلك يجلب للطفل الخير والرزق.
ويتكون طبق السليقة حسب "دياب" من القمح غير المقشور، الخالي من الشوائب، حيث تقوم الأم بنقع القمح بالماء لبعض الوقت، ثم يسلق على النار حتى ينضج وتتفتح حباته ثم يوضع في إناء أو صينية صغيرة، ويوضع فوقه السكر وترش عليه القرفة ويزين الطبق بالمكسرات و"القضامة الملونة" وحبات السكر وحبات "الملبس" الملونة، وهناك من يضيف إليه أيضاً قطع اللوز والجوز.
