لم يكن يخطر في بال الحرفية "رهام خدوج" أن يأتي اليوم الذي تستفيد فيه من مراقبة والدتها وهي تقوم بصناعة مقالي الفخار، وأنها ستمتهن هذه الصناعة، إلى أن جاء الوقت الذي استطاعت فيه أن تؤسس مشروعها الخاص مستفيدة مما اكتسبته من خبرة والدتها، وأن يكون مشروعها بمستوى عالٍ من الجودة والحرفية.

من البداية

تشرح "خدوج" في حديثها للمدونة خطوات ومراحل تعلمها لحرفة صناعة المقالي الفخارية وبداياتها في هذا المجال وتقول: «بدأت بتعلم هذه الصناعة التقليدية منذ كنت في سن العاشرة تقريباً، حيث كنت أجلس بالقرب من والدتي التي أتقنت هذه الصناعة لأراقبها وأحاول تقليدها، لكن البداية الفعلية لي في هذا المجال كانت في العام 2013 بمساعدة زوجي، وقد كانت دوافعنا لامتهان هذا العمل هي ظروف الأزمة وما نجم عنها من قلة في توزيع الغاز المنزلي، وهو ما دفع كثيرين للتوجه إلى استخدام مقالي الفخار استخدامها في الطهي على الحطب، الأمر الذي شجعنا للبدء بالعمل على تصنيعها، ولم أكن أتوقع أن يكون الطلب على شرائها واقتنائها كبيراً إلى هذا الحد».

بالنسبة لي لم تكن قلة توافر الغاز المنزلي الدافع الوحيد للطبخ بمقلى الفخار، إنما الطعم الذي يمكن الحصول عليه خاصة عند طهو أكلات الأجداد القديمة، لذلك لم تعد المقلى مجرد قطعة إكسسوار لتزيين إحدى زوايا المطبخ، بل أصبحت ضرورة أساسية لا يمكنني التخلي عنها

ولجهة الصعوبات التي واجهتها في البداية تضيف: «كأي مهنة فقد واجهتنا في البداية مجموعة من التحديات تمثلت بتأمين مكان مناسب للعمل، أيضاً تكلفة تأمين التجهيزات اللازمة، لذلك كان لا بدّ من الحصول على قرضين للتمكن من البدء بالمشروع الجديد، وكان الدعم من المحيطين كبيراً، سواء من والدتي أو الأصدقاء والمقربين، وبدأت العمل كما ذكرت منذ العام 2013 حتى العام 2022، حيث كان لا بدّ من التوسع أكثر وافتتاح مشغلي الخاص الذي سيؤمن فرص عمل لعدد من الأيدي العاملة، ومن ناحية أخرى تحقيق زيادة في الإنتاج».

جانب من مراحل صناعة مقالي الفخار

مراحل العمل

أكلات مطهوة بوساطة مقلي الفخار

تعد صناعة مقالي الفخار مهنة تراثية قديمة عمل بها الأجداد وهي متوارثة جيلاً بعد جيل، وعن هذه الصناعة تقول "رهام": «يحتاج العمل في صناعة مقالي الفخار إلى توافر مواد خاصة منها التراب الخاص بالفخار، أيضاً نحتاج إلى الملح الصخري البلوري، كذلك كميات من الحطب، والمرحلة الأولى بصناعة مقلى الفخار تبدأ بتحضير العجينة الخاصة المصنوعة من التراب والملح، حيث تُعجن حتى تُصبح ذات قوام متجانس، ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة تشكيل المقلى بحسب الشكل المتعارف عليه، من ثم نعمل على تنعيم المقلى من داخله بواسطة حصاة بحرية ناعمة، ثم نزيل كافة الزوائد عنها، والمرحلة اللاحقة هي مرحلة "تحليق" المقلى بالشمس، ثم تأتي مرحلة الشوي بواسطة التنور، لنقوم بعدئذٍ بغمره بالتبن حتى يصبح لونه أسود بشكل تام».

الجودة أولاً

لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بالترويج لمختلف الصناعات اليدوية التراثية ومنها مقالي الفخار بشكل كبير، لكن "رهام" ترى وبحسب تجربتها أن جودة المنتج والمواد المستخدمة في تصنيعه، وتنفيذ العمل بطريقة صحيحة واحترافية، بالإضافة إلى الإقبال الكبير من الزبائن، كل ذلك يُعتبر المروج الأساسي لما تصنعه، وبالنسبة لها أيضاً فإن هذه المهنة قد شكلت لسنوات عدة مصدر دخل أساسي لها، لكن في الآونة الأخيرة وبسبب الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار وارتفاع تكلفة الحصول على مستلزمات العمل، قلّ الربح بشكل واضح إذا ما تمت مقارنة سعر المنتج مع تكلفة تصنيعه حسب قولها.

رهام خدوج

وتتابع الحرفية حديثها: «كل ما سبق ذكره دفعني للتفكير بشكل جدي لأن أبدأ خطوة جديدة في العمل، وهي التصدير إلى خارج البلاد، وهذا ما أسعى إليه بجهد وجد، وهذا سيساهم بالتأكيد بتوسيع مجال العمل وتوفير المزيد من فرص العمل، بالإضافة إلى قيامي بتعليم مهنة صناعة مقالي الفخار للأجيال الناشئة وبالطريقة الأصيلة، وهو ما سيساهم في حفظ هذه الحرفة التقليدية الهامة وحمايتها من الاندثار».

عن تجربة

منذ عدة أعوام اشترى "سامي خلوف" من ريف "القدموس" مقلى مصنوع من الفخار من صناعة الحرفية "خدوج"، وحسب ما يشير للمدونة فإنه ومنذ ما يقارب العام يعتمد عليه بشكل كبير في طهي العديد من المأكولات ليكتشف أن طعمها ألذ من تلك التي تطهى بأواني مصنوعة من مواد أخرى.

ويضيف: «بالنسبة لي لم تكن قلة توافر الغاز المنزلي الدافع الوحيد للطبخ بمقلى الفخار، إنما الطعم الذي يمكن الحصول عليه خاصة عند طهو أكلات الأجداد القديمة، لذلك لم تعد المقلى مجرد قطعة إكسسوار لتزيين إحدى زوايا المطبخ، بل أصبحت ضرورة أساسية لا يمكنني التخلي عنها».

من جانبها تشير المهندسة "بتول مرهج" إلى أن ذكريات الطفولة في بيت الجد من جانب، وفضولها لاقتناء مقلى فخار شبيه بمقلى جدتها دفعها لشرائه، حيث تطهو به حالياً عدداً من الأكلات التراثية كالبرغل بحمص والبرغل ببندورة وكواج الخضار، بالإضافة إلى اليخنات بأنواعها.

أما "سميحة بدور" تبين أن قلة توافر الغاز المنزلي وتباعد فترات استلامه دفعها لإيجاد البديل، فقررت العودة إلى طرق الجدات لذلك قامت بشراء مقلى فخار من صناعة "رهام" تقوم من خلاله بطهي بعض أنواع المأكولات على الحطب كونه يتوفر في الأرياف.