عبر مروجها الخضراء الممتدة على سهول ومنحدرات بلدة "جباتا الخشب" في شمال مدينة "خان أرنبة"، تقع قرية "أوفانيا" والتي تعد حسب روايات أهلها درة الكروم والحقول في القطاع الشمالي من محافظ "القنيطرة"، تلك الواحة الخضراء التي حباها الخالق بجمال الطبيعة، ومتعة المناظر الخلابة، فضلاً عما تكتنزه أرضها من أوابد تاريخية.

عشيقة الملك

تعددت الروايات حول تسمية "أوفانيا"، وبحسب ما يرويه المهندس الزراعي "محمد صليبي" المهتم بالتاريخ "لمدونة وطن " فإن "أوفانيا"هي قرية صغيرة بالقطاع الشمالي من المحافظة، تبعد ما يقارب / 6 / كم عن مركز مدينة "القنيطرة" وترتفع / 1170 / متراً عن سطح البحر، وتتربع القرية على تلة وربوة مهدمة على أنقاض أبنية أخرى.

ويضيف: "استمدت القرية اسمها حسب الرواية الأكثر تداولاً، من ملك كان يعشق سيدة اسمها "اوفا" ونتيجة حبه لها، بنى لها هذه القرية وقدمها لها هدية، وعلى الأغلب كانت هذه القرية مزرعة خضراء، يوجد فيها مسبح وبئر ماء لا زال موجوداً ومحافظاً على انسيابية مائه العذب إلى يومنا هذا، ويستخدم في الري والسقاية، وهذه البئر كانت عبارة عن كهف عمقه الأفقي 11 متراً، يتم النزول إليه بسبع درجات للشرب منه، وفي آخره في زاوية الكهف ثمة جرن حيث منبع المياه، وكانت عشيقة الملك، تشرب من هذا الجرن، وتنساب المياه ليشكل بقعة كانت بمثابة مسبح للسيدة".

البئر والكهف الاثري

منطقة البئر محاطة كما يقول "صليبي" بأشجار العليق الممتدة على مساحات البركة وطولها، لتكتمل بذلك حدائق الريحان الثلاث المزروعة بشكل تصميمي جميل ومبدع، وكان لافتاً بأطراف البئر ومداخله وجود نبتة النسرين الكبيرة التي تزهر بأيام الربيع، وهذه النبتة من أصل الورد الشامي الجوري البري، ومن المعروف كما ورد بالتاريخ أن واردات الماء من النسوة كنَّ يجمعنّ هذه الوردة مع جرار الماء، ليأخذن الماء معطراّ تفوح منه الرائحة الزكية.

شواهد أثرية

تاريخياً يشير "صليبي" إلى أن المناطق المحيطة بالقرية، تأخذ شكل الأراضي المرسومة والمقسمة بشكل هندسي، وفي أساسياتها أبنية مرصوفة بحجارة بازلتية ضخمة تدل على حصون وقلاع ومدافن أثرية ضخمة وكهوف تحت الأرض، ما يدل على حروب وقعت بهذا المكان، أو ربما زلزال مدمر حدث من جهة أخرى، وثمة حروف قريبة للغة اللاتينية منقوشة على حجارة هذه الأبنية، المصنوعة بالكامل من الحجر ما يدل على وسائل تحصين فعالة للقرية.

المختار نواف البكر والمهندس الزراعي محمد صليبي وسهيل الموسى

ويرى الباحث أن من بين الميزات التي تتصف فيها القرية كشواهد أثرية، وجود ست مطاحن أثرية على الطريق المحاذي لمجرى نبع "عين البيضة" تعود لعصور قديمة ،كانت الناس تطحن عليها القمح والحبوب منها "القوسانية" ومطحنتا "الغدير والصاحي"، ومطحنة "الشيخ مريود والخبي" الموجودتان كآثار حية حتى يومنا هذا، حيث كانت المياه تنزل من المجرى في فصل الربيع بشكل عامودي، لتدوّر عنفة المطاحن بالجرن المنقوش من الحجر ويتم الطحن فيها.

سلة غذائية

في حقول القرية يوجد، حسب قول المهندس "صليبي"، نهضة زراعية بدليل وجود شبكة أقنية تتغذى من "عين البيضة" بشكل هندسي منظم، اذ تشتهر القرية بزراعة المحاصيل الصيفية كالقمح والشعير، وعرفت القرية منذ السبعينيات بزراعة أشجارالجوز والتين والعنب، وأشجار الزيتون القديمة التي تعود لمئات السنين والموجودة الى الأن، وهذه الأرض الخضراء في القرية تمتد على مساحات  تقارب 7000 دونم، ابتداء من "عين النورانية" إلى "وادي البيضة"، كما يتم زراعة التوت الشامي بالقرية والخضراوات كالخيار والفاصولياء، كما اشتهرت القرية بتربية النحل، وكانت تنتج قرابة 9 أطنان من عسل الكينا واليانسون والأشواك والجبلي وغيره.

مزارع القرية

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن كتب التاريخ و"منها تاريخ الجولان وآثاره" التي نشرته المديرية العامة للأثار والمتاحف، خلدت القرية في صفحاتها حيث ذكر الكتاب إنه يوجد بالقرية مقابر أثرية كثيرة، ومن المعالم الأثرية مبنى يقع للغرب من القرية ويعرف بقصر "زخلان"، وهو عبارة عن كنيسة بيزنطية أجريت فيها تنقيبات أثرية عام 1990، وعثر على أجزاء من أعمدة جميلة المظهر رزخارف نباتية ونقش لصليب.

كروم خضراء

مختار القرية "نواف محمد بكر" يعطي وصفاً دقيقاً لحدود القرية التي تقع على الطريق الواصل بين "جباثا الخشب" وناحية "خان ارنبة"، يحدها من الشمال "جباتا الخشب"، ومن الغرب قرية "الحرية"، ومن الجنوب "خان أرنبة"، ومن الشرق "جورة الشيخ وتل الأحمر" ، ويقدر عدد سكانها بحوالي ألفي نسمة يعملون في الزراعة وتربية المواشي.

ويؤكد "بكر" أن التنوع الطبيعي والمناخي للقرية لعب دوراً في تميزها بكثرة المزارع والكروم والمراعي، ومن أهم الزراعات التفاحيات وكروم العنب والزيتون والرمان والتين والتوت الشامي، ويتصف أهل القرية حسب قول المختار بالطيبة والكرم وإغاثة الملهوف، تبدى ذلك جلياً عندما تم تهجيرهم قسرياً من الإرهابيين عام 2013، وبعد عودة الأهالي إلى القرية إثر تحريرها منذ خمس سنوات، كان التعاون بين أهالي القرية في ترميم المنازل وشبكات المياه والكهرباء المدمرة، وتم تأهيل المدرسة الابتدائية الوحيدة بالقرية وعودتها للتدريس.

ويختم المختار حديثه بالقول: إن القرية اليوم  مكتفية من منتجات الحليب والعسل والبيض والألبان والأجبان والخضار والفواكه التي تسوق لسوق الهال الرئيسي بدمشق.

تستحق الاكتشاف

بدوره الأستاذ "سهيل الموسى" من أبناء القرية والذي رافق المدونة في جولتها واطلعها على الشواهد الأثرية من سور القرية المرصوف بالحجر البازلتي، والطواحين الحجرية، والقلعة ،والبئر المائي، يقدم نبذة مختصرة عن تاريخ القرية وقدم أوابدها التاريخية.

يقول "الموسى": "تاريخ هذه القرية جزء من تاريخ عريق يعود إلى عصور قديمة كالرومانية والإسلامية، حيث تدل النقوش الحجرية والكتابات الرومانية على الأحجار كما ورد بالأثر، على وجود حضارات قديمة تاريخياً، حتى أن المدافن الأثرية تحت الأرض تدل على وقوع حروب تاريخية عظيمة بهذا المكان، أما الجغرافيا فالقرية تمتاز بتنوع تضاريسها ومناخها وانتشار الكروم الخضراء، لتبدو وكأنها لوحات فنية خضراء تستحق الاكتشاف، لدرجة يمكن للزائر عيش الفصول الأربعة في شهر واحد، حيث يتغير المناخ من البارد الى المعتدل والدافئ، وهذا ما يؤدي إلى خلق جو سياحي وتنوع بالإنتاج الزراعي في كافة المحاصيل".