تشكل نقوش قرية "بوسان" بريف "السويداء" معلماً أثرياً يحمل دلالاتٍ ومعاني عديدة، ولأن النقوش في العصور الرومانية كانت تمثل رؤية المجتمع بأنماطه ومكوناته، فقد عمل الباحثون في "السويداء" على دراسة تلك المنحوتات ونقوشها بشكل علمي ومنهجي.
لمحة تاريخية
تقع قرية "بوسان" إلى الشمال الشرقي مدينة "السويداء" على أطراف البادية السورية، ويشير الباحث الدكتور "نشأت كيوان" لموقع مدونة وطن eSyria إلى أن هذه المنطقة كانت قديماً المركز الحضري الذي بنى وأشاد العمائر كنوع من الحياة الحضرية المختلطة مع البداوة، من حيث العلاقات القائمة بينهما حيث ساهم بدو منطقة "الصفا" في تأسيس هذه القرية التي كانت تحوي معبداً وكنيسة والعديد من البيوت السكنية القديمة، إضافة إلى النقوش الكتابية القديمة التي ذكرت اسم "بوسان"، بحيث عثر على حجر مكسور نُقش عليه ضمن إطار الاسم القديم "لبوسان نوهو بوسانا" والتي ذكرها "أيوزيبو" باسم "بوزان" معتمداً على ما ذكر في سفر "ارميا" الذي ذكر اسم "بوز" والتي تحولت إلى "بوزان" ومن ثم "بوسان"، وهذا ما أيده القديس "جيرومي" بأن هذا هو الاسم القديم لـ"بوسان" حيث ذكرها النبي "يرميا" في معرض حديثه عن البلدان والمماليك المتاخمة لـ"فلسطين"، والممتدة حتى المناطق الصحراوية إلى الشمال من بلاد "عمون ومؤاب" وهي المناطق التي تحيط بقرية "بوسان".
نقوش رومانية
ويتابع الباحث الأثري حديثه بالقول إن الألماني "فتزشتاين" ذكر في قراءته لما ورد في سفر "أيوب" الإصحاح السادس الآية 19 عن وجود أشخاص من سكان "تيما وبوسان" وفي نقش كتابي آخر مؤرخ بعام 582 م ذكر فيه اسم "بوسانا" للمرة الثانية بالصيغة نفسها، ومن هذين النقشين نستدل أن الاسم الحالي لـ"بوسان" تغير فقط بإضافة الألف لآخره تبعاً للغة المكتوب بها. بدوره يلفت الباحث الأثري "خلدون الشمعة" رئيس دائرة الآثار بالسويداء إلى أن النقوش الكتابية القديمة تدل على وجود ما يسمى عمدة البلدة الذي ذكر على حجر وجد بجانب البرج في الجزء الغربي من القرية، وهو مؤلف من ثمانية أسطر بحسب المخطط وبإشراف من "ماكينوس بن هيرينانوس" العمدة "اموثيوس"، واللذين شيدا المبنى في العام ذاته وأخذ شكله النهائي في عام 253 بصرى = 358 ميلادي، وهذه الظاهرة في ذكر من شيد البناء وأوصله إلى شكله النهائي، واردة في العديد من النقوش في قرى جبل حوران، وخصوصاً الأبنية العامة والمدافن كالنقش الكتابي في "بوسان" الذي يذكر أن أحدهم بنى المدفن ولم ينتهِ منه بل أكمله من بعده ولده وأقاربه.
القناطر والربدات
ويبين الباحث "الشمعة" أن آخر بناء بناه كاهن عام 285 بصرى، الموافق ل 390 ميلادي على نفقته الخاصة، ونقوش أخرى تشيد بمهارة المعمار الذي أشاد أحد البيوت وتحديداً قناطره أو ربداته، مضيفاً أن هناك نقوشاً كتابية في "بوسان" تشير إلى تحديد الملكيات في البناء نفسه مؤرخة بعام 401 م، وهي تذكر أن المبنى قام بتشييده ثلاثة أشخاص كانت حصة الأول والثاني 28 سهماً، والثالث 72 من أصل 100سهم، وهذا نوع من التنظيم العقاري الجيد في تلك الفترة. يختم "الشمعة" حديثه بالقول: "تلك النقوش التي باتت معلماً أثرياً تنم عن تاريخ قرية "بوسان"، وهي قرية استطاعت أن تحمل من تاريخها القديم، أنماطاً اجتماعية حفرت على صخورها البازلتية العائدة الى العصور الرومانية، خاصة بما تحمل من جمال تل الأبنية القديمة الأثرية التي ما زالت شاهدة على تلك الفترة الزمنية".
.