تشكل منطقة "وادي بردى" امتداداً لنهر بردى من المنبع حيث البحيرة شمال غرب "دمشق" وسيره من "عين الخضرة وعين الفيجة" وصولاً إلى "الهامة ودمر الربوة"، وتعج هذه المناطق بأنواع مختلفة من الفواكه، منها تشكيلة واسعة من أشجار المشمش، البلدي، والعجمي الأحمر، والعجمي الأبيض، والوزري، واللوزي، والإفرنسي، والكلابي، حيث تصنع منها المربيات والدبس، كما تصنع من "المشمش الكلابي" مادة "القمر الدين" ذائعة الصيت، وهي بيت القصيد في قصتنا هذه.

"المشمش "الكلابي"

"القمر الدين" هو عصير المشمش، ويستهلك بكثرة وخصوصاً خلال شهر رمضان المبارك، كما يقول الباحث والكاتب السوري "محمود محمد علقم"، والذي يتابع حديثه للمدونة: «"وادي بردى"، مشهورة بصناعة "القمر الدين"، ليس فقط لأن شجرة" المشمش الكلابي" تزرع فيها وفي "ريف دمشق" عموماً فحسب، بل لطبيعة مناخها المواتي، لأنه يناسب عمليات التجفيف الطبيعي لهذه المادة، نتيجة السطوع الشمسي المترافق مع نسبة الرطوبة المناسبة». هذه الصناعة هي تراثية في "وادي بردى" متوارثة عبر الأجيال، يضيف "علقم"، « لقد كانت في الماضي تعتمد على أدوات بدائية بسيطة، لكن سرعان ما تطورت في مراحل لاحقة لتصبح صناعة آلية من حيث القطاف والتنقية والغسيل والعصر وإضافة مادة القطر لها، فضلاً عن تغليف مادة "القمر الدين" ليصبح جاهزاً للتداول المحلي، أو ليصدر إلى الخارج».

"وادي بردى"، مشهورة بصناعة "القمر الدين"، ليس فقط لأن شجرة" المشمش الكلابي" تزرع فيها وفي "ريف دمشق" عموماً فحسب، بل لطبيعة مناخها المواتي، لأنه يناسب عمليات التجفيف الطبيعي لهذه المادة، نتيجة السطوع الشمسي المترافق مع نسبة الرطوبة المناسبة

خطوة بخطوة

وتمر صناعة "القمر الدين" حسب ما يقول الباحث "علقم" بعدة مراحل: «صناعة هذه المادة بالطريقة البدائية، تمر بعدة مراحل، وتستغرق وقتاً طويلاً، منها مرحلة قطاف المشمش، وغالباً ما كانت تحصل يدوياً، أو بهز الأشجار، لتتساقط الثمار الناضجة فوق شادر من الكتان ليسهل جمعه، وكيلا يتلوث بالتراب، ومن ثم تنقية المشمش الجيد والناضج، وغسيله بأحواض بلاستيكية أو معدنية، لتزول عنه الشوائب، وتنشيفه خلال تعريضه لأشعة الشمس مدة قصيرة، ليبدأ هرسه جزءاً فجزءاً، وذلك بوضع المشمش في وعاء نحاسي، له إطار خشبي ممعك ويقوم الرجال أو النساء بهرس المشمش ضمن هذا الوعاء بواسطة آلة معدنية تشبه المبرشة، ولها قطعتان خشبيتان للإمساك بها بكلتا اليدين، أما عصير المشمش فيسيل من خلال ثقوب الممعك إلى جرن أعد سابقاً من الحجارة والطين، أو من الحجارة والإسمنت، طُلي جيداً، ويستمر هرس المشمش باليدين حتى تنتهي الكمية المراد صنع "القمر الدين" منها، ومن ثم تحضر دفوف الخشب المعدة لهذا الغرض، ويدهن سطحها بزيت الزيتون، ثم يصب العصير بواسطة وعاء على الألواح الخشبية بسماكة تصل ما يقارب سنتيمتر، وأحياناً يضعون مع عصير المشمش القطر الصناعي لتزداد حلاوته ووزنه، وتوضع الألواح الخشبية تحت أشعة الشمس لعدة أيام حتى يجف العصير، ثم ينزع "القمر الدين" عن الألواح، ويطوى على شكل لفافات ويوضع في عبوات خشبية أو كرتونية بعد أن يدهن بمادة الزيت ليبقى طرياً ومرناً، وبعد أن يقوم التجار بشراء هذه المادة يعدونها بالشكل اللائق ويغلفونها بالنايلون، تباع محلياً أو تصدّر».

قبل تحويله إلى لفافات

فوائد طبية

تجميع ثمار المشمش

مخلفات "المشمش" من البذور، تغسل بالماء، وتُعرض لأشعة الشمس حتى تجف جيداً، لتباع لتجار متخصصين بشرائها، إذ يستعمل اللب المر في بعض الصناعات الدوائية، والقشور الخارجية القاسية تستعمل في حفر آبار النفط.

تقول السيدة المسّنة "فاطمة أم زياد" من منطقة "الزبداني": « رغم تحديث آلية صنع "القمر الدين"، وإنشاء معامل حديثة لهذه الغاية، ما زالت هناك نساء يصنعن هذه المادة كمونة منزلية، وأنا منهن، بطريقة بسيطة إذ نصب عصير المشمش على الألواح الخشبية بشكل متتالي، يوماً بعد يوم، ونمزجها بالسكر العادي حتى يجف جيداً، وندهنها بزيت الزيتون ونلفها على شكل لفافة، ومن ثم نضعها في وعاء خشبي، لتكون جاهزة عند اللزوم».

مشهد من وادي بردى

يعد "القمر الدين" ذا قيمة غذائية مهمة ومفيدة للجسم، ولا سيما في شهر رمضان، فعصيره يشرب عند تناول وجبة الإفطار، أو على السحور، لأنه يقي الصائم من العطش، خاصة إذا كان الجو شديد الحرارة.

وهنا يتحدث الدكتور "سعيد حمي" عن فوائد هذه المادة بالقول: «يساهم "القمر الدين" في الحد من ارتفاع مادة الكوليسترول وفي تنظيم ضغط الدم، وحماية القلب من بعض الأمراض، والوقاية من هشاشة العظام، وكما أنه له فوائد، له أضراره أيضاً إذا تم تناوله بكثرة، حيث يتسبب في زيادة الوزن، وقد يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم، ولذلك ينصح تناوله بكميات محدودة».

تطورت صناعة "القمر الدين" الآن، وخضعت لعمليات الآلات الحديثة التي تساعد على إنتاج كميات كبيرة من هذه المادة في وقت قصير، ويستعمل في صنع عصير تناوله في شهر رمضان، فضلاً عن تقديمه للضيوف مع لب الجوز، أو يؤكل مع لب الجوز في سهرات الشتاء.