سموها "جنة على الأرض", اشتهرت بطبيعتها الساحرة, وينابيعها العذبة وطقسها المعتدل فأصبحت مقصداً سياحياً للباحثين عن الجمال والهدوء إنها منطقة صافيتا التي تربعت منذ ثمانينيات القرن الماضي على خريطة السياحة الداخلية والعربية

توزع الينابيع

وجود العيون والينابيع أدى إلى انتشار العديد من الزراعات إضافة لإقامة منشآت سياحية كما يؤكد المهندس "أسامة زغبور" مدير مكتب الزراعة في "صافيتا" الذي أشار إلى غنى المنطقة بالينابيع, كقرية نشير التي أدى وجود الينابيع فيها إلى انتشار العديد من الزراعات المتعددة منها عين الضيعة, عين النموذة, عين الصفصوف, عين المقيسبي ونبع الفوار الذي يفيض في الشتاء ويجف في الصيف, كما تضم العديد من الوديان والأحراش من جهة شمال وادي المعروف.

ويشير "زغبور" إلى قرية كفريخة التي تقع على طريق عام طرطوس- دريكيش, والتي تشتهر بنهر "أبو يابس" الذي يمر في منتصف الأراضي الزراعية وينبع من قرية "بيت طيون" وبجواره أهم ينابيع المنطقة وأشهرها "نبع الغمقة" بالإضافة إلى نبع "عين الحج" ويضيف: في قرية بصيرة الجرد هناك نبع "عين الكروم" الذي يجري من قمة جبل النبي صالح إلى القرية عبر أنابيب تنتهي بحنفية في ساحة القرية لشرب المياه العذبة, ومن الجهة الغربية يقع حصن سليمان حيث ينبع من تحت سوره نبع القرية الرئيسي المسمى "بنبع الحصن" بالإضافة إلى النبع الرئيسي الذي يتوسط قرية متبت ويسمى نبع الشيخ عبد الله, ونبع "عين حمزة" في قرية جنين. تتوزع العديد من الينابيع في تلك المناطق, وصولاً إلى منطقة مشتى الحلو وفيها نبع عين العروس الذي تشرب منه معظم قرى المنطقة ومزروعاتها, بالإضافة إلى نبع الغبيط. يجاور المشتى قرية عيون الوادي ونبعها الرئيسي المسمى بعين الضيعة يليها قرية الجويخات ونبعها "نبع سلوم" الذي يتفجر من بين الصخور بشكل خلاب, ويوجد نبع داوود في قرية المهيري .

نبع الغمقة

يشير "زغبور" إلى وجود العديد من الينابيع الصغيرة المنتشرة في معظم قرى منطقة صافيتا. لتقدم هذه الهبة الربانية للمنطقة طابعاً خاصاً على المستوى المناخي والزراعي والسياحي, وبالتالي وجوب اهتمام المجتمع المحلي بهذه الثروات, وتربية الجيل الناشئ على هذا الأساس.

مقومات سياحية

تبعد الكفرون عن صافيتا 16 كم, في الشمال الشرقي منها, وتجاورها من الجهة الجنوبية مشتى الحلو, سكنها الفينيقيون ثم الرومان 333-395 ق.م, ما أكسبها أهمية تاريخية, ناهيك عن طبيعتها التي جعلت منها أهم المناطق السياحية في سورية.

نبع الشيخ حسن

يروي "أسامة طنوس" ابن القرية ذكرياته منذ الطفولة في تلك المنطقة حيث نشطت فيها السياحة منذ ثمانينيات القرن الماضي على شكل مشاريع سياحية صغيرة تمثلت بالمقاصف والجلسات الشعبية التي أقيمت بجانب الينابيع والأنهار, وأشهرها هو نبع الشيخ حسن الشهير بمياهه العذبة صيفاً وشتاء, ويعتبر رافداً أساسياً لنهر الأبرش الذي يصب في بحيرة الباسل, حيث أقيمت بجواره المنشآت السياحية الكبيرة منها والشعبي, التي تعد مورد رزق لكثيرين من أبناء البلدة, ويستذكر "طنوس" الرحلات المدرسية التي كانت تأتي من جميع المحافظات السورية إلى كفرون, حتى أن هناك جيلاً بأكمله يعشق المنطقة لارتباطها بذاكرة الزمن الجميل المتفوق على الحداثة رغم تطور السياحة وتحسّن الخدمات.

طواحين الخير

أما الأستاذ "حبيب ندور" في العقد السابع, تحدث عن نبع كركر الذي يقع في الجهة الشرقية من قرى الكفارين, ونبع كركر إحداهن, ترتفع 440 م عن سطح البحر, وكانت قديماً امتداداً لأكبر مستوطنة فينيقية أروادية في جبال الساحل السوري الجنوبي, وبحسب ما هو متداول كثرت دلالات التسمية, فالبعض يعزو التسمية إلى نبعها العذب "نبع كركر" كدلالة على عذوبة مياه النبع ونظافتها, ينساب من باطن أرضها الخصبة ومن بين الصخور المكسوة بالغار والزيتون والكثير من المزروعات الأخرى, ويعتبر نبع كركر الذي يجري من الجهة الشرقية للقرية من واد يدعى وادي السباع بطول 3 كم وغزارة 6 إنش ويصب في أسفل الوادي في حوض مائي يدعى الحومة, ومنذ أكثر من مئة عام كان النبع أهم مورد اقتصادي لسكان القرية, حيث أقيمت بجانبه الطواحين التي لم يعد لها أثر ويشير "ندور" إلى "الحومة" وهي حوض مائي عميق يفرض على من يود الاقتراب منه أن يتوخى الحذر.

نبع الفوار

ففي فصل الشتاء وبعد أن تتشبع الأرض بالمياه, يبدأ هذا الحوض أو الحفرة المائية "بالفوران" وتمتلئ حتى الحافة لتسيل مياهها في المجرى وتلتقي بمياه الشيخ حسن, والحومة مقياس لأهل المنطقة, فعدم فيضها دليل على أن الأرض لم تتشبع بالمياه, وموسم الأمطار ليس جيداً.

طقوس المحبة

وكأننا أمام شاشة عرض بالأبيض والأسود تسلب تفاصيلها قلوبنا لجمال القصة وبراءتها, إنها قصة العم "أبو طعمة" 91 عاماً, الذي تعرف على أم طعمة وهي تملأ جرتها من نبع الشير المشهور بجرفه الصخري المرتفع, المتاخم للمجرى في قرية بقرعوني, ليكون هذا المشهد كفيلاً بسلب عقل الرجل على حد قوله, لتكثر لاحقاً اللقاءات على النبع بحجة ملء "جرّة" الماء من جهة وجمع ما تيسر من خيرات الأرض من السليق والخبيزة والجرجير الذي ينمو بجانب الماء من جهة ثانية, وبرأيه أنه وبالرغم من الفقر وصعوبة الحياة سابقاً, كانت سمة المحبة والخير تخفف من وزر المعاناة, بعكس ما نعيشه اليوم.

ويتحدث أبو طعمة عن مياه نبع الشير التي كانت تروي بيوت القرية والقرى المجاورة, ليشرب من مياهها النقية السكان والمزروعات وأشجار الحقول المسقية. هذا النبع الذي كان سبباً مهماً باستقطاب السياح إلى البلدة الصغيرة, ويستذكر أبو طعمة جلساتهم بجوار الجرف الصخري عند "خزان الماء سابقاً" حيث يجتمع معظم سكان القرية يتبادلون مشاكلهم وأفراحهم وأحزانهم, فهي مكان مناسب لتختار منه الأم عروساً لولدها, واليوم تغير شكل النبع نتيجة البناء الحديث, ويختتم آسفاً على المساحات الخضراء التي يلتهمها الإسمنت, و التي كانت سبباً في تغير معالم البلدة.

كما نوه أسامة طنوس إلى الدور الاجتماعي للينابيع التي تحوم حولها قصص العجائز , فالعين كانت المكان الأنسب للقاء الأصدقاء والأقرباء من الرجال والنسوة, يجلسون على الصخور الكبيرة بجانب النبع, وكأن الزمن شكّلها لهذه الغاية, ومكاناً نموذجياً للهو الأطفال, وبالتالي طقساً اجتماعياً جميلاً نفتقده اليوم.