رغم مضي أكثر من ألفي عام على النقوش الكتابية المؤرخة على بوابات بيوت بلدة "عرمان" القديمة، إلا أن أرشيفها داخل منازل البلدة ما يزال غنياً به ليكون مرجعاً تاريخياً، ووثيقة تحكي قصص ذلك الزمان بأحداثه وعاداته وطقوس من عاشوا خلاله.

توثيق الحضارات

في بداية حديثها للمدونة تشير رئيسة المعمل الفني بدائرة آثار السويداء "ربيعة أبو بكر"، إلى أن العوامل الطبيعية لسنين الألفية الماضية لم تستطع طمس الهوية التاريخية للنقوش الكتابية المْورخة للحضارات المْتعاقية على تلك المنطقة، فالمتصفح لذلك الأرشيف المنحوت على صفحات حجارتها البازلتية، سيعثر وبكل تأكيد بين تلك الصفحات على العديد من النقوش الحجرية الممهورة بلغة يونانية ولاتينية تؤرخ للحضارات التي ولدت على أرض البلدة، لتبقى شهادة ميلادها متدوالة بين أيدي محبي التراث والتاريخ.

وتضيف: "البعثات الأثرية التي جاءت البلدة مستكشفة أوابدها، نفضت غبار السنين عنها لتظهرها للعلن من جديد، وأول تلك النقوش التي تم إحيائها بعد موتها سريرياً لأكثر من ألفي عام، والتي عثر عليها في إحدى اسطبلات الخيل، كان عنوانها الأبرز الاعتناء بنظافة وطهارة الأماكن المقدسة، ما يدل على أن هذه المنحوتات كانت بمنزلة لوحات إعلانية وتوجيهية في ذلك الزمان، وما هذه المنحوتة إلا دلالة واضحة على قدسية المكان المكتشف والذي من المرجح أن يكون معبداً أو كنيسة".

صورة عامة لعرمان

لغة الأزميل

نقش حجري في عرمان

وتتابع "أبو بكر" وصفها لتفاصيل المكان ونقوشه وتشير إلى أن ثمة نقشاً ثانياً يبدو أنه ما زال مؤرشفاً في أحد جدران البيوت الحديثة، ومن يفك شيفرته سيلحظ أنه يؤرخ للفترة الرومانية، وللحروب التي دارت رحاها في تلك الفترة بين الفرس والروم، ليبقى ذلك النقش حاضراً في كل زمان ومكان، ولتبقى صدى أصوات حكاية من سكنوا وعبروا تسمعها الأجيال، يرويها ذلك الحجر بلغة من بناه، ليتحول إلى وسيلة إعلامية مكتوبة لكنها ليست بقلم الحبر بل بأزاميل الأقدمين".

بدوره الباحث الأثري "فراس ملاعب" يرى أن الزائر لبلدة "عرمان" القديمة لا يمكنه مغادرتها قبل أن يتصفح صفحات تاريخها القديم، فكلما تمعن في القراءة كلما اكتشف المزيد، ولعل النقوش الكتابية التي دونها الأقدمون على دفاترهم البازلتية، ما زالت تقرأ بوضوح من دون رتوش أو تزيين، فرحلة الاستكشاف لتلك النقوش التي باتت بمنزلة كتب تاريخية لم تنتهِ، كيف لا وهناك في جهة البلدة الغربية يقبع نقش وكأنه مختبئ من يد عابثة تحطمه عسى ولعل صاحبها يعثر على كنز ثمين، ليبقى محتفظاً بأسرار أهله حتى هذا التاريخ، ومن يترجم ما سجل عليه سيكتشف أنه شاهدة لقبر أحد القادة الذي عاش فقط 29 عاماً في ذلك الزمان، إذ يعود تاريخها إلى 228 وفق التاريخ البصراوي أي ما يقارب 333 ميلادي، إلا أن عاتيات الزمن دفعت بهذه الشاهدة لتؤرشف كوثيقة تاريخية في أحد المصاطب المعدة للجلوس، وقد كانت بمنزلة الموعظة الدينية حينها تقول ما معناه أنه لا أحد خالدٌ في هذه الحياة، وقد كُتب على النقش "هنا يضطجع ماكنوس بن فيليبوس من أسرة ماكنوس الجنرال الذي عاش 29 عاماً تغمره الراحة النفسية لا أحد خالد".

ربيعة أبو بكر

حكايات لا تنتهي

لا تزال بلدة "عرمان" ولّادة للنقوش الكتابية، ولاسيما بعد أدت التنقيبات الأثرية إلى اكتشاف المزيد منها، وهذه المرة كانت حاضنتها الجهة الجنوبية للبلدة، يقول "ملاعب" إنه جرى العثور على أحد هذه النقوش مؤرشفاً في أحد جدران منازل البلدة، مع شهادة ميلاده المؤرخة بتاريخ 372، وبعد فك طلاسمه تبين الكتابة "تجهيز الطواطي والطينة ضمن البيوت"، ما يدل وحسب آراء الكثيرين من الباحثين على وجود قاعات كبيرة ضمن البيوت السكنية مزودة بمقاعد جانبية مثل ما يعرف حالياً باسم (المضافة)، وهذا يدل على ترابط بين الماضي والحاضر في طراز بناء البيوت حيث تحيط بتلك القاعات.