يتمتّع أطباء الأسنان السوريون بِقدراتٍ مَشهودٍ لها عالمياً، ويبدو أنّ ذلك يعود إلى سنوات الدراسة، حيث يتلقى الطلاب تعليماً يُواكب أحدث المستجدات العلمية، إلى جانب تعزيز ثقافة البحث والتجريب عندهم، وهو ما دأبت عليه جامعة دمشق في احتضانها هذا العام مسابقة البحث العلمي الطلابي SSRC في كلية طب الأسنان، والتي كانت أطلقتها عام 2007 بشكلٍ سنوي، ثم توقفت خلال سنوات الحرب، وانتقلت إلى جامعاتٍ خاصة.

الأبحاث الفائزة

مع عودة المسابقة إلى المُؤسسة صاحبة الفكرة، ضمن فعاليات الذكرى المئوية لتأسيس الجامعة، كان الإقبال كبيراً لِجهة العدد أولاً، حيث وصل عدد الأبحاث المقبولة إلى 55 بحثاً، عددٌ منها من جامعاتٍ خاصة وأخرى عراقية، وثانياً لِجهة سوية وتنوّع الأبحاث والدراسات المُقدّمة، ورغم المنافسة الشديدة، حازت جامعة دمشق الصدارة، حيث فازت بالمركز الأول الطالبات (بيان زعيتر، بيان الدكاك، رنيم خسارة) عن بحثهن (تقييم الفعالية المضادة للجراثيم للعلاج الضوئي الحركي على اللويحة الجرثومية/ دراسة سريرية جرثومية مخبرية)، بإشراف الأستاذتين الدكتورة عبير الجوجو والدكتورة نوال داود، كما كان المركز الثالث للطالبات (ريما خطيب، رغد شاكول، ملاك قيّم) عن بحثٍ استبياني استطلع آراء ومعارف طلاب الكليات الطبية في جامعة دمشق حول طب الأعشاب، بإشراف الدكتورة الجوجو أيضاً، فيما ذهب المركز الثاني إلى إحدى الجامعات الخاصة، في بحثٍ حول استخدام الليزر لتخفيف ألم حقنة التخدير عند الأطفال.

خَطوات العمل

تحفيز الطلاب نحو البحث العلمي قبل التخرج، وتقصي المعلومة المُعتمدة على الدليل والتجربة والفحوصات، توجهٌ عالمي، لضمان خريجٍ بمستوى أعلى وقدراتٍ أكبر كما تقول الدكتورة عبير الجوجو رئيسة قسم طب الفم في كلية طب الأسنان في جامعة دمشق، والتي أشرفت على عدة أبحاث، تأهل منها 9 للمرحلة الأخيرة، مُضيفةً في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": "فور الإعلان عن المسابقة المتاحة لطلاب السنوات الثالثة والرابعة والخامسة في 9/2022، استقبلت كغيري من الأساتذة في الكلية، عدداً كبيراً من الطلاب الراغبين في المشاركة، لكن بعضهم كانت أفكارهم مُبعثرة وغير واضحة، فكنت أحاول تحديد التخصص أو التوجه الذي يرغبون العمل عليه "أمراض إنتانية أو وبائية، أمراض الفم، ترميم"، لأقترح عليهم عدة عناوين، كما طلبت منهم ترجمة مقالاتٍ في مجلات عالمية مُختصة ومُعتمدة، إلى أن وصلنا لتحديد الفكرة ثم أعطيت كلاً منهم شهراً للقراءة والترجمة ووضع الخطة البحثية، قبيل العمل الذي احتاج ستة أشهر وكثيراً من الجهد والصبر والإرادة".

مَعايير التحكيم

لاحقاً، شكّلت إدارة المسابقة لجنةً علميةً رصينةً للتحكيم، واختيار أفضل 15 بحثاً من بين 55 بحثاً مقبولاً، للانتقال نحو المرحلة النهائية، والعرض أمام جمهورٍ واسع من مختلف الكليات والجامعات، في مدرج المؤتمرات في كلية طب الأسنان 5/2023، تشرح الدكتورة الجوجو: "اللجنة المكوّنة من أساتذة وأكاديميين ليست لهم أبحاث مُشارِكة، استندت إلى معايير معترف عليها عالمياً، لتقييم الأبحاث، ومدى ضبطها علمياً، إضافة إلى ما يتعلق باختيار العينة وعددها وطرائق البحث الدقيقة، وعلى هذا فالبحث الفائز بالمرتبة الأولى مضبوطٌ من كل الجهات سريرياً وجرثومياً وإجرائياً، وهو بحثٌ حديث، يمكن وصفه بـ (تريند عالمي)، كونه يُثبت دور الليزر علمياً كأداةٍ تقتل الجراثيم المُسببة لنخور الأسنان، بالاعتماد على دراسة جرثومية، أيضاً يُساهم البحث الفائز في المرتبة الثالثة في تعزيز ثقافة الطبيب الواجب تمريرها إلى المريض، وتبيان الأوهام والحقائق في عالم الأعشاب، كما تصدت الطالبات جميعهن للأسئلة التي وُجِّهت إليهن بثقة، نتيجة الإعداد العلمي المُتقن، ونسعى حالياً للمشاركة في مسابقاتٍ طلابيةٍ عالميةٍ كما نعمل لنشر الأبحاث في مجلةٍ عالميةٍ مُعتمدة، توثيقاً للنتائج العلمية، ودعماً لجامعة دمشق التي احتضنت العمل بمخابرها وعياداتها".

خدمة غير مسبوقة

يتميز البحث الأول المطبّق على عينةٍ من طلاب كلية الأسنان، بقابليته للتطبيق على المرضى عموماً، لكنه فعالٌ جداً بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، تُوضح الجوجو للمدوّنة: "استخدام الليزر لقتل أو تخفيف أو تعديل الجراثيم الموجودة في الفم، يستهدف النخور والتهابات اللثة وأمراض النسج الداعمة للثة، والتي يُسببها تكاثر الجراثيم المتعايشة في الفم، نتيجة إهمال الصحة الفموية، وهو ما يحدث عند الأشخاص غير القادرين على تحسين صحتهم الفموية، منهم مرضى متلازمة داون والشلل دماغي والعجز الحركي، والمصابين بداء باركنسون، وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالتالي تطبيق الليزر على الفم والأسنان عندهم لقتل الجراثيم الممرضة "تعديل اللويحة"، سيكون خدمة غير مسبوقة، تضمن لهم حماية الأسنان ما بين ستة أشهر إلى سنة دون أي نخور أو التهابات".

صعوبات البحث

الطالبات (بيان زعيتر، بيان الدكاك، رنيم خسارة) وصفن فترة العمل على البحث العلمي بالأجمل في حياتهن، رغم كل المعوقات، ورأين في بحثهن تحدياً للطلاب في مرحلة ما قبل التخرج، كونه الأول الذي يُناقش تعديل اللويحة تحت العنوان المذكور في جامعة دمشق، مع الإشارة إلى أن بحثاً لنيل الماجستير في نفس الإطار، يجري التحضير له حالياً، لكن تبقى الأسبقية لهن.

وعن صعوبات البحث قلن للمدوّنة: "أكبر الصعوبات كانت في بدء العمل على البحث بالتوازي مع بدء السنة الدراسية الخامسة، والضغط الكبير بين الدراسة والامتحانات والبحث العلمي وما يستلزم من عمل سريري وجرثومي، كذلك كان للزلزال الذي ضرب البلاد، تأثيرٌ سلبيٌ كبيرٌ علينا، ولا سيما ما فرضه من إغلاق للجامعة حوالي أسبوعين في وقت كان العمل الجرثومي يحتاج منا متابعةً يومية، أيضاً بعض الأدوات والمعدات غير متوافرة في كليتنا، فكان لا بد من الاستعانة بمخابر كليتي الصيدلة والطب، وهذا يستلزم عدة إجراءات وموافقات، ولأن عينة البحث كانت من طلاب كلية طب الأسنان، وجميعهم يقدمون امتحانات مثلنا، توجّب التنسيق بين وقتهم ووقتنا وما يحتاجه البحث، إضافة إلى التكلفة المادية العالية التي احتاجها العمل، لم يكن الأمر سهلاً، لكننا نسينا كل ما واجهناه مع فرحة النجاح".