قبل ظهور التطور العمراني الهائل في مدينة دمشق وريفها بالأخص ابتكر العديد من سكان الريف قديماً بيوتاً صغيرة وبسيطة أو غُرفاً فوق منازلهم وسخروها للحصول على مزيد من الأمان الراحة والحماية من الكوارث الطبيعية المحتملة، تحت اسم المعارش أو (العرزال) ليتجهوا لاحقاً لإعادة بنائها من جديد وبشكل عمراني حديث وفق متطلبات حياتهم.

من وحي الطبيعة

العرزال يسمى بالإنكليزي vernacular architecture وهذا المصطلح يدل على المكان الذي بناه الأنسان واستوحاه من الطبيعة ليعيش فيه ويتعايش معه تقول "رانيا قطف" حاصلة على ماجستير في التراث العالمي في حديثها لموقع مدونة وطن: «من هذه الفكرة انطلق سكان دمشق وريفها القدامى إلى بناء مكان يتناسب مع ظروف معيشتهم المناخية والتي تتماشى مع أجواء وطبيعة المدينة التي تتكون من جبل ونهر وأشجار، فلم تكن بداية بناء البيوت من "الإسمنت" كما نراها خصوصاً فيما يتعلق بفكرة الطابق الثاني أو (العرزال) التي لا تقتصر فقط على توفير التهوية اللازمة أثناء فصل الصيف للإنسان بل كانت أيضا بهدف الحماية في كل المواسم من المخاطر التي يمكن أن تحصل فجأة من دون سابق إنذار، سواء من فيضان النهر أو كوارث أخرى تتعلق بالحرائق وغيرها، وفي "دمشق" كان السكان منذ القدم يقطنون في الجبال وخصوصاً في الأرياف وذلك قبل وجود (دمشق القديمة) بل كانت المدينة محيطة بها وقريبة من السور أكثر، والسبب في ذلك بالأساس يعود إلى خوف الناس من فيضان نهر بردى لذلك كانوا يحاولون قدر المستطاع الابتعاد عن خطر الفيضان وبناء إما بيوت بعيدة عن بردى، أو غرفة أو "عرزال" خشية من ارتفاع منسوب النهر لحد كبير لذلك ابتكر الدمشقي في البدايات العرزال ليحمي حاله من المخاطر، كذلك في أي بلد آخر أو مناطق آخري في العالم نجد أيضاً عدة منازل على شاطئ البحر مناسبة للبيئة المحيطة ومبنية على عصي على سبيل المثال تفادياً لارتفاع مستوى المياه وتغير المناخ لكن اليوم اتجه أغلبية الناس لهجرة هذه الأماكن والاستقرار ضمن مناطق أفضل» وتضيف: الفكرة انطلقت منذ البداية للبحث عن الأمان والطمأنينة، وبقينا حتى اليوم نشهد في بيوت الدمشقيين كيف بنوا بيوتهم الحديثة وعززوا فكرة التهوية الجيدة وتوفير البرودة بناء على فكرة العرزال القديم وذلك في كل ركن وزاوية من هذا البيت لاسيما الطابق الثاني منه الذي يمتاز بالبرودة أكثر من الأول وبسقف أعلى وبتهوية جيدة محاطاً بالنوافذ والمشربيات البارزة لدخول الشمس والهواء، إذاً اختراع العرزال تكونت من حاجة الإنسان بهدف البحث عن الأمان ثم الراحة ثم الخصوصية».

عند العودةِ إلى بعضِ المعاجم نجد أنَّ كلمة "عرزال " في معجمِ المعاني الجامع تعني موضع يتخذهُ من يقوم بحراسةِ الأراضي الزِّراعية فوقَ أطرافِ الأَشجار خوفاً من الحيواناتِ المفترسة، وربما أيضاً تبنى هذهِ "العرازيل" فوقَ أسطحِ المنازلِ بغية الحراسة والمراقبة وكذلك الاستجمام لاسيما في ليالي الصيف الجميلة. وقد ورد في هذا المُعجمِ وغيرهِ معانٍ كثيرة لهذا المصطلحِ ومنها: العِرزالُ: المتاع القليل، وأيضاً عِرِّيسَةُ الأسد، أي مأوى إذاً لهذا المصطلحِ رواسب متجذرة ومتسربلةٍ في حنايا الأَدبِ والثقافةِ والفن، وحتى في الأحاجي والألغازِ والقصص الشعبيَّةِ إذْ يقول ابن الرومي في شعرهِ: يستثيرُ المكائدَ الصُّمعَ منها.. أيَّ صِلّ هناكَ في العرزالِ. ويضيف: إذاً العرزال ورد ذكرهُ في التُراث الثقافيِّ بكثرةَ، وحتى في التُراثِ الثقافيِّ الأوروبي، وإن اختلفت أصول التسميات، وقد وثقَ ذلك في التُراث الأوروبي من خلال الطوابع البريدية، ولم أجد في التُراث الثقافيِّ العربيِّ توثيقاً لهذهِ العرازيل من خلال الطوابع البريدية العربية، بالرغم من أنَّ الطوابع البريدية حملت في مضامينها العديد من مفردات التراث الثقافي بشقيهِ الماديِّ وغير الماديِّ

تراث عتيق

لابدَّ لنا أنْ نعود إلى معاجمِ اللغة لنعرف عن كثبٍ ماذا تعني هذهِ الكلمة أو هذا المُصطلحِ الذي استخدم منذ زمنٍ طويلٍ يقول الباحث في التراث "محمد فياض": «عند العودةِ إلى بعضِ المعاجم نجد أنَّ كلمة "عرزال " في معجمِ المعاني الجامع تعني موضع يتخذهُ من يقوم بحراسةِ الأراضي الزِّراعية فوقَ أطرافِ الأَشجار خوفاً من الحيواناتِ المفترسة، وربما أيضاً تبنى هذهِ "العرازيل" فوقَ أسطحِ المنازلِ بغية الحراسة والمراقبة وكذلك الاستجمام لاسيما في ليالي الصيف الجميلة. وقد ورد في هذا المُعجمِ وغيرهِ معانٍ كثيرة لهذا المصطلحِ ومنها: العِرزالُ: المتاع القليل، وأيضاً عِرِّيسَةُ الأسد، أي مأوى إذاً لهذا المصطلحِ رواسب متجذرة ومتسربلةٍ في حنايا الأَدبِ والثقافةِ والفن، وحتى في الأحاجي والألغازِ والقصص الشعبيَّةِ إذْ يقول ابن الرومي في شعرهِ: يستثيرُ المكائدَ الصُّمعَ منها.. أيَّ صِلّ هناكَ في العرزالِ.

رانيا قطف

ويضيف: إذاً العرزال ورد ذكرهُ في التُراث الثقافيِّ بكثرةَ، وحتى في التُراثِ الثقافيِّ الأوروبي، وإن اختلفت أصول التسميات، وقد وثقَ ذلك في التُراث الأوروبي من خلال الطوابع البريدية، ولم أجد في التُراث الثقافيِّ العربيِّ توثيقاً لهذهِ العرازيل من خلال الطوابع البريدية العربية، بالرغم من أنَّ الطوابع البريدية حملت في مضامينها العديد من مفردات التراث الثقافي بشقيهِ الماديِّ وغير الماديِّ».

في الثقافة الشعبيِّة

ويضيف الباحث "محمد الفياض" عن أهمية العرزال في التراث قائلاً: «إذا ما تعمقنا في جذورِ التُراث الثقافيِّ العربيِّ وجدنا هذا المصطلح أي "العرزال" كانَ حاضراً في قضايا الأدبِ من شعرٍ وأحاجي وألغازٍ وحكايات وأمثالٍ شعبيةٍ بالإضافة إلى الغناءِ الشعبيِّ، وربما تطور هذا الأمر إلى التسميات التي أُطلقت على "النُزلِ "أي الفنادقِ وكذلك المطاعم والمقاهي والنوادي والجمعيات الأدبية تحت عنوان: "العرزال" أو العرازيل وفق طبيعة توظيف المكان. وعندَ الغوص في قضايا الحكايا الشعبيَّة المرتبطة بالعرزالِ وجدنا بأنَّ هناكَ أدباً قصصياً خرافياً غزيراً يختلفُ باختلافِ البيئات، نُسج حولَ هذهِ العرازيل، اختلطت فيها الروايات والحكايا الشعبية مع توفرِ عنصري " التشويقِ والإثارة" إذْ وظف القاص في سردهِ الشفوي قضايا تتعلقُ بالجنِ والغولِ وربما جاءت هذهِ الأساليب بدافعِ الخوفِ من المجهول، إذْ كانت الليالي التي يقضيها ساكن العرزالِ مشحونة بجملةٍ من التوقعات لاسيما عندما كانت الحيواناتِ المفترسةِ كثيرة في الأَريافِ فربما هذا حفز ساكن العرزال ليسبح في مخيلتهِ بخلقِ قصصٍ ليست من الواقعِ ولكنهُ نسجها كي يمتع الآخرين في روايتها، ونحن بالطبعِ نؤمن بحقيقةٍ نرددها إذْ نقول: ((من رابعِ المستحيلاتِ))، إذاً ماهي تلك المستحيلات التي لا رابع لها؟! طبعاً المستحيلات هي: ((طائر العنقاء والغول والخل الوفي))، إذاً القاص أو ساكن العرزال أراد أن يوهم أقرانهُ بأنَّ بعض هذه المستحيلات حقيقة كذلك ورد "العرزال" في قضايا الأمثال الشعبية؛ كما ورد ذكرهُ في الكتابِ المُقدسِ، وكذلك في رحلاتِ المستشرقين الذين جسدوا حكايا (العرازيل) في توثيقهم لعاداتِ وثقافة الشعوب العربية التي سكنت هذهِ المنطقة وتلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر بيئة بلاد الشام، ويتابع حديثه: الأجمل من هذا وذاك هو الغناء الشعبيِّ الذي انتشر وجسد صورة العرزال في هذا الغناء، إذْ صدحت حنجرة الفنان الراحل وديع الصافي في أغنية جميلة حملت عنوان: "عرزالنا الأخضر" وفيها: (عرزالنا الأخضر بيفوح بالعنبر بعدو بها لجوزة منصوب يا أسمر) ومن الحناجر التي ذكرت العرزال في أغانيها السيدة فيروز لا سيما في أغنية تقول فيها (بعدنا من يقصدُ الكروم من يملأ السلال في هدأة الليالي في سفحنا العرزال يرف سحري الغصون وساحة الأظلال في شجرها طيب حنون) وفي أغنية ثانية تحت عنوان: "يلّا نلم زهور" كلمات الأخوين رحباني وجاء فيها: (يلّا يلّا نلم زهور من الغاب المسحور ولما الفجر بيشلح نور عالغاب المسحور مننزل عالكروم ونزور عرزال الناطور) ومن هنا نجدُ بأنَّ العرازيل ولدت في البيئة العفوية وحملت معها أشواق العاشقين، وحكايا الصيف المُترعة بأحاديثِ النجوم، ولو أردنا أن نكتب عنِ العرازيل وما يرتبط بها من تراث لما اتسعت مساحة الكتابة عن ذكرِ الحكايا الجميلة التي ارتبطت بالزَّمان والمكانِ والحياة الاجتماعية كُلّها».

الباحث محمد الفياض