ينتمي الزجل إلى عائلة الفن الشعبي الذي يتناول حياة الناس بلهجة محكية سلسة, وبالرغم من تطور الحياة, حافظ الزجل على جمهوره لغاية اليوم في الريف السوري والساحلي خاصة وصولاً إلى المغتربات.
الشعر المحكي
يقول شاعر جبل السايح الدكتور "إياد قحوش" المقيم في كندا, أن الزجل شعر مكتوب باللهجة المحكية, يكتب عمودياً ويغنّى, فالإنسان تكلم قبل أن يكتب, فكانت اللغة المحكية قبل الفصحى, والتي واكبت تطور عقل الإنسان الناطق, وتميزت بمرونتها واحتوائها لكل ما يستسيغه العقل المجتمعي من مفردات, فعماد اللغة المحكية في سورية هو انصهار الكنعانية بالسريانية مع اقتباسات من اللغات المجاورة كالفارسية والتركية وغيرهما.
ويرى "قحوش" أن المنافسة بين شعر اللغة المحكية وشعر اللغة الفصحى محسومة لصالح الناس, بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات, حيث تقترب لهجات اللغات المحكية لتكون لغة واحدة بيضاء مفهومة من الجميع, ومع مرور الزمن ستقترب اللغة الفصحى من المحكية, ليكون هناك لغة فصحى جديدة محكية تجمع اللغتين معا.
ويتابع قائلا: "أنا وبالرغم من غربة تزيد على ربع قرن لا زلت أعيش في حضن "جبل السايح", أتحدث مع جنيّاته و (هنهونات) ينابيعه كأنني سقف كنيسة قديمة لا يعرف التعب أو أنني عجينة ألصقتها يد عروس على جبين سماء الوادي قمرا لا يسقط.
وسأظل أحلم أنني هناك. وجميع هذه المشاعر تنسكب في شعري. وللمحافظة على الزجل كتراث خالد, على الشعراء كتابة ما يرضي عقول النخبة وقلوب عامة الشعب, ليتجاوز رياح النقد ويتقرب من الذائقة الشعبية . ونحن في المغترب حريصون على نشره في لقاءاتنا الاجتماعية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
يختتم الدكتور "قحوش" حواره بمقطع من قصيدة كتبها للشاعر الراحل ألبير حرب :
صلّي شعر
يا بطرك الملْكوت
افتاح السما
وعالمنبر تجلّى
وفوت ع سابع سما.. تعلّى
وفي نفس السياق يقول الشاعر "حسان بسطاطي" ابن مشتى الحلو, الذي صنع لنفسه مساحة هامة في سماء الزجل: أسست في فترة الثمانينيات من القرن الماضي "جوقة الدلب" مع الشاعر المرحوم " روحي طعمة والشهيد الشاعر "سامي سعادة" والشاعر عصام يوسف, حيث استضافتهم مهرجانات سورية ولبنان, وفي عام 2008 طبعت كتاب "نبيد وجمر وشفاف" , بالإضافة إلى كتابي الغير مطبوعين " ناي وخصر" و " دراج ل حرييّ" . حصل "بسطاطي" على جائزة " سعيد عقل" للقصيدة الملكة, كما حصل على جائزة زجل لبنان ببرنامج " لبنان ل زجل " وعلى الدرع الذهبي لثقافة الكلمة في برنامج " أوف" في محطة او تي في اللبنانية .
تاريخ الزجل
يعتبر الزجل لوناً من ألوان الفلكلور الشعبي, دخل سورية بعصر الإكليروس في 1300 – 1800 . و دخل مشتى الحلو مع "شاكر سليمان , سمعان الجبيلي, نسيم النبع, فاضل يوسف, ومخائيل العيد" مؤلفا من القول والشعر وسرعة البديهة وثقافة الشاعر الشخصية, تباينت الأقاويل حول دخول الزجل سورية, فالبعض يقول أنه جاء من الأندلس, أو ذهب إلى الأندلس من بلاد ما بين النهرين, ولكن الأهم برأيه هو من قام بتطويره , ويرى أن تطور الزجل نابع من تأثره باللحن السرياني الكنسي, ومن هنا جاء "شحرور الوادي" وأسس المنبر الزجلي والجوقة الزجلية .
يشير "حسان بسطاطي" إلى أن الفرق بين زجل الأمس واليوم يكمن في ثقافة الشاعر, ففي الأمس كان الشاعر أميّ يعتمد على بساطة الكلمة والعفوية و(الصنعا) بينما تغلل العلم واللغة والفكر والشعر في زجل اليوم, بالإضافة للمنطق . وحالياً يعيق حركة انتشار الزجل ضعف الإعلام المحلي والوضع المعيشي الصعب .
يقول الشاعر الدكتور "إياد قحوش": عماد اللغة المحكية في سورية هو انصهار الكنعانية بالسريانية مع اقتباسات من اللغات المجاورة كالفارسية والتركية وغيرهما, ومع علاقة غرامية مع العربية الفصحى, والتاريخ تكلم عن الجوقات التي أنشدت الشعر منذ زمن بعيد, فكان الشعر السرياني (أصل الزجل) يُغنى في المناسبات الدينية والاجتماعية إضافة للشعر المكتوب والذي يشبه إلى حد كبير الشعر المحكي في أيامنا هذه .
القرادة وأخوتها
يقول "بسطاطي": هناك أنواع للزجل منها المعّنى ومنه "تبئى بلدنا بل حمام مسيّجي.. و تضحك عَ هل علوات غيم بنفسجي وهناك "القرّادي " ومثله راحو ليّ حبّو راحو .. ول عاشئ ضب جناحو " كما اشتهر نوع القلاّب : زمنه " باب ل بوّابي ببابين .. ئفولي ومفاتيح جداد ..عل بوّابي في عبدين .. ل ليل وعنتر بن شدّاد " بالإضافة للعتابا والميجنا والشروقي والموشح
ويؤكد "بسطاطي" على دور اللغة المهم في نجاح القصيدة, فالشعر الزجلي تراث عريق, علينا تدريسه في المناهج, و إعداد برامج تلفزيونية و إذاعية أسبوعية تعنى بهذا اللون, ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي التي نشرت الصفحات والقنوات الزجلية . وهناك أسماء تعتبر بحق سفيرة للشعر الزجلي في مناطقنا كالشاعر عصام يوسف وزاهر حدو وحسان بسطاطي , ويؤكد توطيد العلاقة بين الشعراء للوصول إلى وجدان الناس, ويأمل من الجمهور الصراحة في إبداء الرأي بعيدا عن المجاملة.
أما الشاب علي محمود الذي يحضر وأصدقاؤه أمسيات ومهرجانات الزجل, يؤكد على جمال هذا اللون الشعري, الذي لا يوحي بالملل لسهولة فهم الكلمات, وقدرته على خلق جو من المنافسة الشعرية الودية بين الشعراء التي تضيف الكثير من الألفة بين الجمهور, ويأمل أن تهتم قنواتنا المحلية ومهرجاناتنا الفنية بإدراج الزجل كمادة رئيسية في برامجهم لأنه تراث ولا يجب تغييبه في ظل اقتحام الحداثة لحياتنا .