تحنّ أعراس الجزيرة السوريّة إلى عديد الآلات الموسيقيّة التي رافقتها في الماضي، ويحن لها جيل ذلك الزمن، فقد حلّت مكانها الآلات الموسيقيّة الحديثة والمتطوّرة، بينما يرى بعض كبار السن أن التشبث بتلك الآلات وتذكير الأجيال الحالية بها واجب وضرورة اجتماعية.

عبق التراث

الكثير من أبناء المنطقة يعتبر آلات الماضي مثل "الدف والزرناية والربابة" عنوان جمالي لحفلات وأعراس مناطقهم، ولها قيمة عظيمة وأهمية كبرى، ما فارقت مخيلتهم حتّى لو تغيّبت عن المسارح والحضور، وبعض فناني المنطقة منهم "إبراهيم الساير" متمسك حتّى تاريخنا بآلته الموسيقية التي تعدّ من ماضيه الثري والثمين.

قد تكون آلة الربابة بعيدة عن الحفلات والأعراس الرسميّة، لكن لها جمهورها ومحبوها وحضورها ولو بشكل قليل في المجالس، لم أكن في يوم من الأيام عازفاً للربابة في الحفلات العامة والأعراس، لكنني اليوم أجد نفسي حريصاً جداً عليها وعلى بقائها في الحياة والعطاء

"الساير" ماض في حلمه وعزفه على آلته الربابة، رغم سنوات عمره الكبيرة في الحياة، لكنه مؤتمن وحريص على تلك الأمانة، إنها عبق الماضي وذكرى جميلة منها، الأهم أنها رمز من رموز الفن والتراث الجزراوي بحسب قوله وأضاف: «حرصي حتّى يومنا هذا أن أقدم المقطوعات والمعزوفات الموسيقيّة على إحدى أهم الآلات الموسيقية على مستوى المنطقة، إنها تراث عظيم، ورثناه ومن الأمانة أن نحافظ على تلك الأمانة، وحرصي المضاعف أن أمزج الشباب مع رجال الماضي أثناء العزف، هناك جلسات للربابة في منزلي بشكل متواصل ودائم لتبقى الآلة في الذاكرة والوجود، وهناك من يتردد لتلك الجلسات من مناطق مختلفة بالقامشلي»، ويتابع حديثه: «قد تكون آلة الربابة بعيدة عن الحفلات والأعراس الرسميّة، لكن لها جمهورها ومحبوها وحضورها ولو بشكل قليل في المجالس، لم أكن في يوم من الأيام عازفاً للربابة في الحفلات العامة والأعراس، لكنني اليوم أجد نفسي حريصاً جداً عليها وعلى بقائها في الحياة والعطاء».

الساير لا يفارق ربابته

الزرناية والدف

محمود العبد مع مراسل مدونة وطن

"خليل عبدي" وشقيقه "محمد" كانا يعيلان أسرتيهما على آلتيهما الموسيقيّة، وهي من آلات الماضي، وهما يعانيان ويشكيان قلة الإقبال عليها، خاصة في الأعراس، رغم ذلك تمسكا بتلك الآلات، وحافظا عليها في منزلهما.

أشار "خليل" إلى أن الناس خاصة فئة الشباب اتّجهت في أعراسهم نحو الآلات الموسيقية الحديثة، لذلك انخفض وبنسبة كبيرة حضورهم في الحفلات والمناسبات، قال عن ذلك: «آلتي الزرناية وشقيقي الدف، ونحن ومنذ سنين طويلة مترافقان في المناسبات الفنية المختلفة، والآلتان متلازمتان، طبعاً ورثنا الهواية وحب الفن والعزف على تلك الآلات من أجدادنا وآبائنا، هي عشق قبل أن تكون مورد رزق، ولم نتخل عنهما، حتّى تاريخنا هذا، نكتفي بالعزف في مناسبات عائلية محدودة، أو التجوال في ساحات الاحتفال للعزف، وكسب قلوب بعض كبار السن، وهناك فئة من الأهالي على الرغم من قلتها، تصر على مشاركتنا في حفلات الأعراس لفترة زمنية محدودة، تقتصر على عزفنا من منزل العريس حتّى صالة الفرح فقط، وتجدر الإشارة إلى أننا نشجع أبنائنا وأحفادنا للسير على نهجنا، واكتساب الخبرة منّا في العزف على هذه الآلات، فهي ملازمة لنا، ولا يمكننا العيش والهدوء والاستمتاع إلا بآلتي الدف والزرناية».

في ذاكرة "خليل" اللحظات الرائعة لأعراس الماضي، ما بقي منها إلا ما تحفظه مخيلته وذاكرة الجيل القدم، قال عن تلك الأعراس: «أعراس الماضي مخلفة بنسبة كبيرة عن أعراس اليوم، أبرزها أن الأعراس كانت تعتمد على الدف والزرناية، يعني الاعتماد علينا فقط، نمضي ونقضي ساعات طويلة في العزف من دون الشعور بالتعب، وكانت هناك حفلة الحنّة، تسبق حفلة العرس بيوم، يذهب العريس وأهله وبعض أصدقائه لبيت العروس لوضع الحنة على يدها وتكون الحفلة عامرة بالعزف على آلتي الدف والزرناية، حتى حفلة العرس في السابق كانت سبعة أيام متواصلة بعضهم يواصل ساعات الليل كاملة، مع استراحات في النهار، والجهد علينا، يقيم الضيوف والمدعوون للحفلة في منزل العريس طوال الفترة، في يوم العرس أيضاً وفي الماضي تتم دعوتنا لمرافقة العريس إلى الحمام، كان يكون عند نبعة أو في مكان آخر غير منزله، يتم العزف عند الحمام حتى الانتهاء وصولاً إلى منزله، نحن نعزف والنساء والشباب يغنون، ومن مزايا أعراس الماضي الجميلة أن الولائم كانت تدار في الأيام السبعة، ثم انخفضت لثلاثة أيام، حتّى لما كانت الحفلة يوم واحد كانت هناك ولائم من الذبائح، حالياً انتهت تلك الولائم أيضاً، بالنسبة لي وللكثيرين ممن هم في عمري كان يجد في تلك الأعراس الجمال والبراءة والفرح الحقيقي».

الفنان "محمود العبد" يشارك بشكل شبه دائم في إحياء الحفلات مستعيناً بالآلات الموسيقيّة الحديثة، له وجهة نظر تجاه الآلات الموسيقيّة القديمة، فيتحدث عنها قائلاً: «أعد أحد أكثر المحبين والمُشجعين للآلات الموسيقيّة ومنها "الدف والزرناية "التي طالما طربنا بعزفها في الماضي، هي نكهة وفاكهة الحفلات، تعد من التراث والفلكلور، ولا يمكن لأي شخص الانعزال عن ماضيه، حتى وأنا من فناني الحاضر، لكن جيل اليوم يهوى ويطلب هذا النوع من الفن، لذلك أقدم في كل حفلاتي أغاني لها علاقة بتراث الجزيرة وفلكلورها بتوزيع موسيقي حديث».

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 23 تموز 2023 أجرت اللقاءات السابقة.