يصمم الحرفي "أحمد النويلاتي" النقوش المتوارثة منذ القدم على قوالب المعمول الخشبية بحرفية عالية بأزميله ومطرقته، لكن حبه لحرفته ورغبته بتطوير مهارته الحرفية دفعته لإدخال تقنية الحفر بالليزر وآلة "السي إن سي" والتي استطاع من خلالها إدخال تصاميم جديدة وتكوين "لوغو" لمنتجات محددة حسب رغبة الزبون.

عراقة وقدم

يبين الحرفي "أحمد النويلاتي" في حديثه للمدونة: حرفة تصنيع قوالب المعمول هي حرفة تراثية قديمة عمرها حوالي 400 عام، وقد ورثتها من عائلتي التي تكنت باسم "النويلاتي" كونها من العائلات الدمشقية التي عملت بالخشب والنول.

ويضيف: "في البداية كان أجدادي يصنعون النول الخشبي إضافة إلى الخشبيات من قوالب للمعمول والملاعق ومعظم أدوات المطبخ الخشبية، وعندما انتهى العمل بالنول الخشبي وتوقف تصنيعه استمرت العائلة بحرفة صناعة قوالب المعمول الخشبية والمستلزمات المنزلية، مثل الشوبك والملاعق الخشبية والمناخل إضافة إلى بعض لوازم المطبخ كجرن الثوم وقوالب صناعة الكبة وغيرها".

الحرفي عبد الناصر النويلاتي

سر المهنة

قوالب خشبية مصنوعة يدوياً

يتابع "النويلاتي" حديثه بالقول: "ترتبط هذه الحرفة بعاداتنا وتقاليدنا وبطقوس عيدي الفطر والأضحى، نظراً للإقبال عليها في ذلك الوقت، كون النساء الدمشقيات ما يزلن يمارسن طقوس صنع الحلويات الموجودة في كل بيت دمشقي، فتتفاخر الدمشقيات أثناء فترة العيد بامتلاك العدد الأكبر والأجمل منها، وما يزال القالب الخشبي الأداة المفضلة لدى العديد من الأسر رغم انتشار مثيلاته من القوالب البلاستيكية والسيلكون، كما إن للقوالب الخشبية نقوشاً تقليدية قديمة ماتزال منتشرة حتى يومنا هذا، ولكل قالب استخدامات، فما يزال القالب المخصص للمعمول المحشو بالعجوة أقل عمقاً ومسطحاً بأرضيته، بينما نجد نقوش قالب الفستق عميقاً ومبوزاً، ويكون الجوز متطاولاً، حتى محلات الحلويات ما تزال ملتزمة بهذه الأشكال من القوالب للدلالة على نوع الحشوة الموجودة داخل المعمول، وهنا يرتبط سر هذه المهنة المتعلق بتقانة الخطوط والنقشات التي يزخرفها الحرفي بكل دقة وإتقان، بحيث تمنع التصاق عجينة المعمول داخل القالب مستخدماً أزميله ومطرقته".

حبه للحرفة كما يقول" النويلاتي"دفعه لتطويرها من خلال إدخال صناعة قوالب المعمول المحفورة بالليزر أو بآلة السي إن سي، حيث يمكن اختيار الرسمة والنفوش الخاصة بالقالب مع إضافة كلمات ولوغو محدد يتم طباعته وتصنيعه بالليزر حسب رأي الزبائن؛ ولكن بالرغم من ذلك ماتزال القوالب التقليدية المصنوعة يدوياً الأكثر طلباً بالسوق بالرغم من أنها الأغلى ثمناً، حسب رأيه.

قوالب خشبية محفورة بالليزر وتقنية السي ان سي

مراحل العمل

وخلال جولتنا التقينا الحرفي "عبد الناصر النويلاتي" الذي انتقلت إليه المهنة أباً عن جد، ويشير إلى تعلقه وحبه لهذه الحرفة التي عمل فيها منذ الصغر ولايزال يسعى جاهداً للحفاظ عليها من الاندثار في ظل التطورات التكنولوجية.

وعن مراحل العمل يقول: "تعتمد صناعة القوالب على أخشاب المشمش اليابس، أما إذا كانت خضراء فيتم تعريضها لدرجة حرارة الغليان حتى يخرج منها الماء ثم تنشر في الهواء لتجف جيداً لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، لتتم معالجتها لمنع حدوث التشققات بداخلها، ثم نقوم بتقطيع الخشب إلى قطع صغيرة ونضعها على آلة الرابوب لتنعيمها وتمليسها، ثم يتم وضعها على ما يسمى الهندازة لرسمها وتحديد مكان الحفر وأبعاد القالب التي تختلف حسب رغبة الزبائن، ثم يأخذها الحرفي لنقش الرسمة بأزميله ومطرقته ليصنع فيها أجمل النقشات والرسمات التي تناسب جميع الأذواق.

ويلفت الحرفي إلى أن الحرفي يجب أن يتحلى بالصبر والأناة وطول البال، لأن عمله يحتاج إلى الدقة بالصنع والمهارة بالحفر، ونظراً لقلة أخشاب المشمش يمكن باستخدام خشب الزان أو الخشب البلدي لصنع القوالب والمستلزمات المنزلية.

ويتابع "عبد الناصر": "بعد ظهور القوالب البلاستيكية والسيلكون خف الطلب على القوالب الخشبية بسبب غلاء ثمنها، ولكن في الآونة الأخيرة انتعشت الحرفة بسبب طلب المغتربين السوريين للقوالب الخشبية التقليدية نظراً لمتانتها وجودتها، كما إنها تنشط وتزدهر في كل عيد نظراً لكثرة الطلب عليها".

ذكريات

ارتباطها بذكريات الطفولة وطقوس العيد هو ما يدفع السيدة "أم أنس" لاقتناء القوالب الخشبية، فهي تقصد سوق مدحت باشا لاقتناء الأشكال الجديدة من القوالب الخشبية في كل عيد، ولديها مجموعة مميزة من القوالب الخشبية لتزين مائدتها بحلويات العيد فرحاً بقدوم أبنائها وأحفادها، مؤكدة أن صنع المعمول بالقوالب الخشبية له نكهة خاصة مرتبطة بذكريات طفولتها ولمة العيلة أثناء تجهيز المعمول.

أجريت اللقاءات بتاريخ22 تموز2023