لا تزال آلهة معابد الأقدمين ورغم مضي أكثر من ألفي عام على طقوس من جاءها متعبداً، تواقة "لتمتمات" صلوات ذلك الزمان، فرائحة طيبهم ومسكهم وعود بخورهم لم تغادر المكان ليشتمها كل من أتاها باحثا أو مستكشفاً عن خفاياها المدفونة.

ربّة الحظ

وحيدةٌ هي أوابد قرية البثينة التي ما زالت شاهدة على آلهة معبدها المسماة ربة الحظ، ولا سيما بعد أن ارتحل من كان بالمعبد متعبداً، إذ يقول الباحث الأثري الدكتور نشأت كيوان لمدونة وطن eSYria: "بين زحمة بيوتها الأثرية، التي ما زالت تؤرخ للعديد من الحقب الزمنية،. شيّد معماريو ذلك الزمان، ولاسيما من أتى المنطقة ساكناً ومستوطناً معبدهم المحتضن لربة الحظ، التي دون تاريخها الموغل في القدم، فمن جاء قرية البثينة باحثاً في بواطن التاريخ، ولينثر معلوماته الأثرية التي توصّل إليها، على صفحات الكتب التاريخية، ومن يتسنى له نفض الغبار عن صفحات الحجارة البازلتية لأوابد هذه القرية وتحديداً معبدها سيلحظ أنه ولدّ متوسطاً لأكثر من عشرين منزلاً أثرياً، ومعانقاً لبرجيها الأثريين من جهته الشمالية، وليستأنسن من أتى المعبد متعبداً، بمن جاء تلك الأوابد متفرجاً، ولتبقى رائحة دماء النذور المقدمة قرباناً للآلهة حاضرة بالمكان، لتشتمها الأجيال اللاحقة، ولاسيما بعد أن بكت الأجيال المتعاقبة، على من حط رحاله في هذه المنطقة- هي الناطق الرسمي باسم من مرَ وعبرَ إلى أروقة معبد "ربة الحظ" المبني من الحجارة البازلتية وفق مخطط معماري وهندسي متميز".

ويضيف كيوان المتصفح للصفحات البازلتية لـ"ربة الحظ" وبعد تلك السنين الألفية، يشعر كأنه يجالس التاريخ، ليحدثه عن ماضي تلك الأيام، وحكايات ذلك الزمان، فالتاريخ بين يديك ورهن إشارتك، فلغة الأقدمين المدونة حفراً وليس نفراً، ما زالت محافظة على سلاسة قراءتها، لكونها لم تنل منها الأيادي العابثة، ما أبقاها بمنزلة الكتاب المقروء لمن قدم إلى تلك المنطقة سائلاً ومتسائلاً عن التاريخ".

معبد ربة الحظ

حامية الحمى

عماد النداف

ومن معبد "ربة الحظ" في الشمال الشرقي من السويداء انتقلت كاميرا التاريخ إلى آلهة أخرى درج اسمها تاريخياً في منطقة حوران ليحط الرحال بنا هذه المرة، عند الآلهة "تيكة" التي حدثنا عنها الأثري عماد النداف قائلاً: "لم تكن القرابين المقدمة لتلك الآلهة وعلى مر مئات السنين، إلا إيماناً من الذين أتوا منطقة حوران ساكنين وعابرين مستوطنين في ذلك الزمان، بأنها حامية حماهم وضامنة بقاءهم، ومن يتجول بين حنايا هذه الأوابد ويتقلب صفحاتها المدونة على بلاطات حجارتها البازلتية من مهتمي الآثار والتاريخ، ومن مدلولاتها التي عثر عليها، أن اسم تلك الآلهة المكتوب بلغة الإغريق ما زال يقرأ سراً وجهراً لمن أتاها زائراً ومستكشفاً، لتبقى روح الحياة تنبض بذلك التمثال الحجري، ليقص على من جاءه ونيساً حكايات ذلك الزمان بحلوها ومرها، فالآلهة "تيكة" والمتكئة منذ أكثر من ألفي عام على معبديها اللذين ما زالا يحتفظان بقدسية المتعبدين في أرشيفها الذي جلهم من الأنباط ما يدل على أن من شيد حجارته المشذبة، والمعنونة بلغتها ورموزها، هم الأنباط"

وتابع "النداف" للآلهة "تيكة" مكانة مميزة عند الأقدمين، وهذا ما أظهرته المكتشفات الأثرية التي جاءت باحثة في بواطن التاريخ، فهي ما زالت تعتمر تاجها المقدس الذي ألبسها إياه معماريو ذلك الزمان، إذ جاء مرتسماً على شكل أسوار في منظر مهيب، ومن يستنطقها بلغة زمانها الماضي، فسيكون جوابها أنا هنا حامية المدينة، ولتظهر تلك الآلهة بعد غيابها لسنين عدة، بثوب آخر ولاسيما بعد خطها رسماً ونفراً خطاطو القرون الماضية على نقودهم القديمة وذلك دلالة واضحة على قدسيتها عندهم، وقد لاقت هذه الآلهة رواجاً شعبياً ولاسيما عند الأنباط واليونانيين".

أحد معابد المشنف

ويضيف النداف: "المتصفح لصفحات التاريخ والقارئ سطورها جيداً، سيلحظ أن الماضي البعيد ظل حاضراً قريباً، فالنقوش المنسوخة على أبواب المعابد تؤكد أن الولادة البنائية والإنشائية لهذه الآلهة قد أبصرت نورها في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، كما أرخت له الكتابات الإغريقية، المكتشفة في منطقة حوران، والتي ما زالت ذكرى من أتاها متعبداً مدونةً على حجارتها البازلتية، ليقرأها من أتاه زائراً".