أكثر من أربعة عقود من الزمن مرت على إحداث المؤسسة العربية السورية لتوزيع المطبوعات، عملت خلالها على نقل المطبوعات المحلية والعربية والأجنبية وتوزيعها على جميع الأكشاك والمكتبات في المحافظات والمناطق المختلفة، إلى أن جاء قرار حلها قبل أشهر والذي انتهى معه مشوار عملها الطويل.

البداية والنهاية

أُحدثت المؤسسة العربية السورية لتوزيع المطبوعات بالمرسوم التشريعي 34 لعام 1975، وتتبع وزارة الإعلام ومركزها مدينة "دمشق" وتنقلت بين عدة مقرات حتى استقرت في منطقة "البرامكة"، ولكن منذ بداية الحرب على "سورية" توقفت عملية توزيع المطبوعات من وإلى الخارج، واكتفت المؤسسة التي أصبحت شركة، بتوزيع الصحف المحلية الرسمية والخاصة، بأعداد قليلة وتوزيعها لمناطق أقل، ومع توقف طباعة الصحف في العام 2020 أصبحت شبه عاطلة عن العمل فتم تأجير بعض طوابقها لشركات حكومية بهدف تأمين رواتب عمالها، بحسب "آدم محمد" المدير العام السابق.

يضيف "محمد": "مع انتشار جائحة كورونا تبدلت الأحوال على المستوى المحلي والعالمي، فالتزمت الشركة بالتعليمات الصادرة فيما يخص التقيد بالحد من انتشار الفيروس، وتوقفت الصحف وتراجع الإعلام المطبوع بشكل عام، وهذا أدى إلى فقدان الشركة أحد أنشطتها الرئيسية وبالتالي تراجع إيرادها، فكان لابد من إيجاد مطارح دخل بديلة تعوض الفاقد، خصوصاً وكما هو معلوم أن الشركة ذات طابع اقتصادي".

بعض فعاليات الشركة

وكشف محمد أن إدارة الشركة قامت بالتعامل مع الواقع الجديد وفقاً لمجموعة من الخطط، تشمل ضبط النفقات والهدر والبحث عن جبهات عمل جديدة، وإيجاد مصادر إيرادات بديلة والعمل على الاستثمار الأمثل للأصول الثابتة التابعة للشركة وفقاً للأنظمة والقوانين، ونتيجة هذه الإجراءات وغيرها حافظت الشركة على مكانتها المالية دون اللجوء الى الاستدانة أو التمويل، حتى عام 2021.

وفي جلسته الرابعة والعشرين من الدورة العادية الثامنة المنعقدة بتاريخ 3/16 /2023 أقر مجلس الشعب القانون المتضمن حل الشركة السورية لتوزيع المطبوعات وأصبح قانوناً.

الاستاذ خليل حداد والصحقي نديم معلا

ولتنتهي رحلة الشركة التي أصبحت، "تشكل عبئاً على الوزارة والخزينة العامة بعد توقف عملها بالكامل، فالمهمة التي أُحدثت من أجلها أصبحت منتفية، بسبب توقف إصدار الصحف والمجلات الورقية المحلية، وتوقف دخول المطبوعات الخارجية الواردة إلى "سورية" نتيجة الحرب الإرهابية التي شنت عليها، وانتشار مرض كورونا" بحسب وزارة الاعلام في تبريرها لحل الشركة.

دور ثقافي وإعلامي

اضطلعت الشركة خلال مسيرة عملها بدورها في القيام بتوزيع الكتب والمطبوعات الدورية وغير الدورية، إضافة إلى تقديم الخدمات الثقافية والإعلامية ونشر المعرفة العلمية والأدبية والفنية، وإطلاع القارئ في الداخل والخارج بصورة مستمرة وبأيسر السبل وأقل التكاليف الممكنة على الحقائق في مختلف المجالات، كما يوضح "محمد" والذي يشير إلى أن الشركة كان يمكنها استئجار وتملك العقارات ووسائل النقل وكافة التجهيزات الفنية وإقامة المنشآت وافتتاح الفروع وإنشاء مراكز للتوزيع المباشر، والبيع والتعاقد مع الأشخاص والمؤسسات وشركات ومكاتب التوزيع داخل القطر وخارجه، كما تولت مهمة الإشراف على استيراد وتصدير الكتب من وإلى "سورية" وكذلك إقامة معارض الكتاب والمشاركة فيها، لافتاً إلى أنه طيلة فترة الحرب على لم تتوقف الشركة أو تنقطع عن القيام بدورها رغم الظروف القاهرة التي مرت بالبلاد.

الاستاذ نزار احمد والاستاذ ادم محمد

بدوره يتحدث "خليل حداد" مدير المطبوعات الغير دورية "الكتب" السابق، عن دورها المهم في نشر المطبوعات والكتب وتوزيعها عبر خدمة استيراد وتصدير الكتب من وإلى "سورية"، وتبسيط الإجراءات المتعلقة بمصدري ومستوردي الكتاب وخصوصاً اتحاد الناشرين السوريين، ودور النشر والمؤسسات الأخرى التي تعمل على نشر الثقافة والوعي، كما كانت تمتلك منفذ بيع كبير في "دمشق" لبيع الكتب مباشرة وبحسومات كبيرة إضافة إلى منفذ آخر في مطار دمشق.

ويتابع "حداد" حديثه بالقول: "أقامت الشركة عشرات معارض الكتاب الريفية المتنقلة، التي استهدفت أريافاً، بغية نشر الوعي والثقافة وإيصال الكتاب إليها بحسومات كبيرة وصلت الى ٦٠%، كما كانت وكيلاً حصرياً لعدد من أهم دور النشر العربية وكانت تمثلهم بمعرض الكتاب السنوي في "مكتبة الأسد" ومنها "دار الريس" ودراسات الوحدة العربية والمنظمة العربية للترجمة وغيرها.

المرحلة الذهبية

كانت المؤسسة تعمل وحيدة في سوق توزيع المطبوعات بلا منافس، حيث حصر بالمؤسسة توزيع المطبوعات الدورية وغير الدورية التي تصدرها أو توزعها الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة أو أية جهة حكومية أخرى، وكذلك المنظمات الشعبية والمهنية ويستثنى من ذلك المطبوعات التي يكون توزيعها محدوداً ولأغراض غير تجارية، ويحدد مجلس إدارة المؤسسة حالات الاستثناء من هذا الحصر كلياً أو جزئياً لغاية عام 2009، حيث سمح للقطاع الخاص بالدخول إلى سوق العمل في توزيع المطبوعات،

وذلك حسب ما قاله الأستاذ "نزار أحمد" مدير عام المؤسسة الأسبق في حديثه لمدونة وطن قبل وفاته بيومين

ويتابع "أحمد" الذي بدأ العمل في المؤسسة منذ عام 1989 وتدرج في المسؤوليات الوظيفية حتى تسلم مهام مدير عام المؤسسة عام 2011،

حديثه: "كانت المؤسسة من أهم العاملين في سوق التوزيع وهي عضو مؤسس في اتحاد الموزعين العرب، و كانت في فترة معينة مقراً لعمل الاتحاد كما تسلمت رئاسته أيضاً.. كانت المؤسسة كخلية النحل لا تهدأ على مدار ال24 ساعة، من خلال كادر مؤهل يعمل في مفاصل إدارية وفنية لإنجاز مهامها، وكان يمكن عبر زيادة التأهيل والتدريب وتقديم مزيد من الدعم وإجراء بعض التغييرات على مهامها، أن تستمر بالعمل وتقوم بدور مهم وخاصة في خدمة القطاع العام وليس فقط وزارة الإعلام".

ويضيف "أحمد": تمتلك المؤسسة أسطولاً من السيارات والشاحنات ولديها كادر متمكن وخبير وفي مرحلتها الذهبية التي امتدت لغاية 2012 كانت وكيلا لعدد من دور النشر العربية المعروفة، كما كانت وكيلاً لشركة "ليفانت العالمية" المتخصصة بتوريد المطبوعات الاجنبية بكل اللغات، وتقوم بتوزيع 4500 عنوان من الكتب و600 مطبوعة دورية محلية وعربية وأجنبية، منها اليومي والأسبوعي والشهري والفصلي والنصف سنوي والسنوي، كما كان لها وكلاء توزيع في كافة المحافظات ومراكز المدن الرئيسية إضافة الى أكثر من 1500 مركز توزيع وبيع مطبوعات".

ذكريات وآمال

عدد من المتعاملين السابقين مع المؤسسة تحدثوا للمدونة عن طبيعة العمل في تلك المرحلة ومنهم "عبد الحليم زمريني" المشرف على توزيع المطبوعات لدى وكيل المؤسسة في "طرطوس" حيث يقول لمدونة وطن:" كانت عملية توزيع المطبوعات قبل الأزمة في أيامها الذهبية، فالصحف المطبوعة شكلت في تلك المرحلة المصدر الوحيد الموثوق للأخبار، وكان القراء ينتظرون وصول المطبوعات من صحف ومجلات بفارغ الصبر، وكنا نعمل بمحبة مع الموزعين وتشكلت بيننا صداقات ماتزال مستمرة، وكانت سيارات التوزيع تصل إلى "طرطوس" بين الساعة الرابعة والخامسة صباحاً، وفي الساعة السابعة تكون جميع الصحف في المكتبات، وفي حال حصل تأخير تردنا اتصالات كثيرة من القراء عن أسباب التأخير".

يتابع "زمريني" حديثه بالقول: "في "طرطوس" كنا نوزع نحو 50 ألف نسخة من كافة الصحف المحلية الأربعة، إضافة إلى الصحف اللبنانية وبعض الصحف العربية، وكان هناك مجلات مشهورة ينتظرها القراء مثل "زهرة الخليج" و"العربي" الكويتية وغيرها، ولكن بعد الأزمة تغير الوضع كثيراً، سيارات المؤسسة صارت تتأخر وانخفضت الكميات الموزعة من الصحف والمجلات كثيراً، وتفاقم الوضع مع انتشار جانحة الكوروناحيث توقفت عملية طباعة الصحف المحلية وتوقف عمل مؤسسة المطبوعات".

ويختم حديثه: "على ما أعتقد لا يوجد دولة في العالم لا تصدر مطبوعات ورقية، وثمة آمال أن تعود المطبوعات إلى الأسواق السورية من جديد"

بدوره يتحدث "موفق كيال" بائع صحف في "دمشق" عن ذكريات ذلك الزمن ويقول: " كل يوم صباحاً كعادتي منذ عشرات السنين اتواجد في مكان بسطتي المخصصة لبيع الصحف والمجلات والكتب في منطقة "ابو رمانة".. لي ذكريات كثيرة ومعارف وأصدقاء من خلال عملي ولا أريد أن يأتي أحد زبائني او معارفي ولا يجدني.

ويضيف "كيال": "منذ قرار حل المؤسسة ونحن ضائعون، فهذا عملنا ولنا ارتباط وثيق به وبالعاملين في المؤسسة، وحقيقة لا أعرف أسباب حلها وتصفيتها وخاصة مع عدم وجود جهة أخرى تمارس مهامها، وكل ما أتمناه أن لا تزول هذه المهنة المرتبطة بتاريخ بلدنا وثقافته، ففي كل بلدان العالم مايزال هناك مطبوعات في الأسواق بالرغم من تكاليف الطباعة المرتفعة".