لا يزال العرس الأسطوري المؤرخ على لوحة الفسيفساء والذي يعود تاريخها إلى نهاية القرن الثالث الميلادي، حاضراً على تلك اللوحة الموجودة في متحف "السويداء" الوطني، ومن يزور المتحف لا يغادره قبل مشاهدة ذلك العرس، التي تفوح منه رائحة ذكريات الماضي الجميلة.
الفسيفساء تتحدث
يقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لمدونة وطن eSYria: إن هذه اللوحة التي تم اكتشافها في عشرينيات القرن الماضي بمدينة "شهبا"، تعد بمنزلة الذاكرة الحية لأحداث أيام زمان، فقد قد اكتسبت الأعراس في العصور القديمة قدسية كبيرة ومعاني تدل على عادات وتقاليد تلك الشعوب تلك العصور.
تتضمن اللوحة حسب قول "كيوان"، مشهداً لعرس حورية البحر "تيتس" من زوجها "بيليه"، وهي -أي "تيتس"- حفيدة كبير الآلهة في ذلك الزمان "زيوس"، فضلاً عن وجود تسعة أشخاص في اللوحة أولهم جد العروس ويظهر حاملاً بيده مشعلاً متوهجاً وصولجاناً كدلالة على رمز السلطة.
ويتابع "كيوان" عرضه لمشاهد تلك اللوحة التي يظهر فيها شابٌ يعزف على المزمار فرحاً بالعرس وقد دُون اسمه ولكن لم يبق منه سوى حرفين، إضافة إلى وجود ثلاث نساء يلبسن الزي اليوناني إحداهن تحملن سلة وأخرى تحمل قارورة خمر بينما تحمل الثالثة علبة مملوءة بالحلي الذهبية، ومن المرجح هن خادمات أو مرافقات العروس "تيتس".
طقوس وأساطير
بدورها تبين "لينا الصفدي" أن بصمة الأعراس الأسطورية المدونة على لوحات الفسيفساء والمنقولة بأيدي فناني ذلك الزمان، لم تقتصر على تلك اللوحة المْحتفظ بها في متحف "السويداء" الوطني، فقد كان للمكتشفات الأثرية الفضل الأكبر في حصد المزيد من هذه اللوحات، والتي كان من ضمنها اللوحة المكتشفة أيضا في مدينة "شهبا"، والتي تؤرخ لعرس الآلهة "ياخوس وأريادن"، ومن اتى المتحف زائراً ومستكشفاً من محبي التاريخ والتراث، سيلحظ ما تجسده هذه اللوحة من شخصيات بعضها إلهي وبعضها بشري، مع تدوين أسمائهم للدلالة عليهم، ومن أهم تلك الشخصيات الحاضرة على هذه اللوحة الإله "ياخوس"، الذي يظهر ورأسه مكللٌ بأوراق اللبلاب والكرمة وهي إحدى رموزه، وتظهر بجانبه زوجته "أريادن"، جالسة على صخرة بينهما طفل صغير مجنح يحمل بيده شعلة ملتهبة وهو رمز الرسول إله الزواج "هيمانوس"، ومن ينظر إلى أسفل اللوحة سيلحظ وجود رجل ملتحٍ من الواضح أنه يتمتع ببنية قوية، وهو بالتأكيد يمثل البطل الأسطوري "هرقل".
وتضيف "الصفدي": المتصفح لجمالية اللوحة سيرصد صورة لرجل طاعنٍ في السن، دون اسمه بجانبه "مارون" حيث يظهر التحليل الأثري والتاريخي لهذه الشخصية أنه المعلم الأول لإله الخمر "ياخوس" ومرافقه الدائم، وهذه اللوحة تمثل رمزية الزواج الذي كان يقام إشهاراً، ولعل متصفح كتب التاريخ، حسب قولها، لابد أن يخرج بنتيجة حتمية، وهي أن الأعراس كانت فناً من الفنون، حيث عمد منتجو اللوحة إلى دمج الأعراس التي كانت قائمة في ذلك الزمان، مع الأساطير، فأنتجت عملاً فنياً، وفكراً متقداً لحضارات قديمة قدست هذه الطقوس".