تشكل الوثائق التاريخية حيزاً مهماً يعتمد عليها الباحثون والدارسون والمؤرخون في البحث عن المعلومة التاريخية، في محاولة لتوظيفها ضمن أبحاثهم ومشاريعهم البحثية، فأرشيف أيّ أمّة كما يقال "هو مجموعة الوثائق التاريخية التي تجمّعت على مدى الأزمنة"، وفي هذا السياق يأتي المعرض الوثائقي "وحي من ذاكرة الثورة" ضمن فعاليات "مهرجان سلطان باشا الأطرش الثقافي الثامن في السويداء" ليضيء في جانب منه على أهمية الوثائق التاريخية كقيمة معرفية.

الوثيقة التاريخية

يوضح "رياض نعيم" المُعِد للمعرض الوثائقي ضمن فعاليات "مهرجان سلطان باشا الأطرش الثقافي الثامن" والذي أقيم في مركز "سميح للتنمية والثقافة والفنون"، أن الوثائق التاريخية لأي مجتمع هي الموروث الإنساني أو الأرشيف الأدبي والفكري له، فالمراسلات القديمة كانت تتميز بلغة حصيفة وفكر تنويري، فهي كنز معرفي من كنوز الماضي، تعكس من جهة صورة أصحابها في حياتهم وماضي تاريخهم، وتُشكِّل من جهة أخرى أهمية بالغة في إغناء المحتوى الأدبي لِما تحمله من معلومات.

وينوه "نعيم" إلى أن أهمية الوثيقة التاريخية تزداد إذا اندرجت ضمن مجموعة من الوثائق في موضوع واحد، أو مرحلة تاريخية معينة، أو في مجال محدد، كما حدث في توثيق أكثر من 200 وثيقة مقسمة لمراحل زمنية متنوعة، من أعلام الثورة السورية الكبرى وصولاً للمنجز الثقافي التاريخي الموسوعي للباحث المهندس "سميح متعب الجباعي" وهو بعنوان "ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي"، وقد مثّلت الوثائق المعروضة الفترة الزمنية للثورة السورية الكبرى، وشكلت وعاءً يزودنا بمعلومات دقيقة وواضحة عن جوانب متعددة.

الموثق رياض نعيم مع لوحاته

ذاكرة وطنية

من الوثائق

بدوره يؤكد الباحث التاريخي "إبراهيم جودية" أن معرض "من وحي ذاكرة الثورة" تميز بعمل تاريخي لمؤرخ في التاريخ ومتميز بالتنوع والتعدد في أشكال وأصول الوثيقة، فنلاحظ على سبيل وثائق الأمير "شكيب أرسلان" أمير البيان، أو "عادل أرسلان" أمير السيف والقلم، أو الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر"، وغيرهم ممن أرّخ ودوّن في تلك الحقبة الزمنية، كما أن الباحث التاريخي "سميح متعب الجباعي" استطاع جمع أكثر من 500 وثيقة في كتابه "ذاكرة الثورة".

ومن الحضور يقول "إسماعيل الجباعي" المهتم بجمع الوثائق التاريخية: إن الوثائق السمعية البصرية كانت طغت على مسامعنا ومشاهدنا، ولكن معرض "من وحي الذاكرة" أعادنا لرؤية صنف من الوثائق تعود لسنوات خلت في زمن الثورة السورية الكبرى، حيث اطلعنا على وثائق تحمل عبارات أدبية يمكن إغناء المؤلفات الأدبية بها، لأنها تحمل لغة رفيعة وتوفر معلومات تاريخية عن الأوضاع الاجتماعية وطرق العيش، وأنماط الحياة والعادات ويكفي التذكير بأهمية الشعر في وصف المجتمع".

ابراهيم جودية واسماعيل الجباعي ومفيد الجباعي وم. هيام القطامي ومعين العماطوري

ويتابع "الجباعي" بالقول: " لا يعد الوقوف عند نوعية النص كأول عنصر من عناصر التقديم أمراً اعتباطياً، بل هو أساسي لاستخلاص باقي عناصر الوثيقة بشكل دقيق، ويمكن عبره تحديد رؤية صاحب الوثيقة أو المهتم بجمعها، وبالتالي يمكن الإجابة عن إشكالية العلاقة بين صاحب المصدر الذي أخذ منه النص، والعلاقة الأدبية والفكرية والتاريخية، كما هو في معرض "من وحي ذاكرة الثورة".

تواصل وارتباط

المهندسة "هيام القطامي" حفيدة المجاهد "عقلة بيك القطامي" تؤكد أن مهرجان "سلطان باشا الأطرش الثقافي الثامن" جاء لإيقاظ الشعور بأهمية الوثيقة التاريخية، إذ لا يمكننا البدء في تطبيق منهجية التحليل ما لم نقرأ النص قراءة متأنية ولا نبغي من ورائها تحديد المضامين، فهذا أمر نتركه للتحليل، وإنما الوقوف عند العناصر المحددة لنوعية الوثيقة سواء كانت في المشهد السمعي أو البصري أو الفني، وتتجلى أهمية هذه المرحلة في كونها توجه انتباه الدارس إلى بعض الملاحظات المنهجية الضرورية لتحليل النصوص ونقدها والتعليق عليها بالصيغة الأدبية، والمفاجأة أن النصوص تميزت بقيمة أدبية، إضافة للمعلومات والأحداث والوقائع السائدة آنذاك، وبالتالي ربط العلاقة بالوثيقة التاريخية، فالصيغة الأدبية كانت ملحوظة واليوم نحن نقرأ نصوصها بإدهاش وتأمل في قيمتها الأدبية العالية.

ويشير الفنان "مفيد الجباعي" أحد المشاركين، إلى أن الوثيقة التاريخية هي ذاكرة جمعية تحمل قيم مضافة عن ذاكرة الجيل الماضي، حيث تقرأ فيها أدباً رفيعاً، ومعلومة تاريخية، والأهم تصنع حدثاً يمكن تجسيده بعمل فني وأدبي ومسرحي وموسيقي، وهذه الرؤية تجعل من الوثيقة التاريخية عامل ارتباط بين الأجيال فيما بينها وبين المناطق الجغرافية كما حدث وشاهدنا في فعاليات المهرجان والمعرض الوثائقي.