رغم انه تجاوز مئة عام من عمره، فقد ظل المعمّر "حمو معاد العبد"، مواظباً على ممارسة عاداته وطقوس حياته اليومية فضلاً عن أنه لا يزال يتمتع بصحة جيدة، وهو الشاهد على قرن من الزمن، عاصر خلاله أحداثاً كثيرة وحفظها في ذاكرته لسنوات طويلة ويعتبر من أكبر الرجال سناً في منطقته.

ذاكرة غنية

يعيش "العبد" حتّى اللحظة في قريته الريفيّة، "قلعة الهادي الغربية" 65 كم عن مدينة "القامشلي"، والقريبة من الحدود العراقية، ويروي في حديثه للمدونة بعضاً من ذكرياته بالقول: «أنا من مواليد 1920 لا أظن أن هناك في المنطقة من هو أكبر مني سناً.. لقد كنت خلال هذه السنين شاهداً على تأسيس بلدات ومناطق وقرى، أتذكر جيداً بأن نسبة من الأهالي كانت تقطع المسافة الطويلة للوصول إلى "نصيبين التركيّة" على الدواب، ذات الحال مع "العراق" فقد كنتُ واحداً ممن عمل في التجارة بالذهاب والإياب إلى "العراق"، كنت أحياناً أقطع المسافة سيراً وأحياناً أخرى عبر الدواب، طبعاً في فترات كثيرة لم تكن هناك آليات في هذه المناطق، شهدتُ تواجد المحتلين "الفرنسي، والإنكليزي"، في بلدنا، لديّ ذاكرة وبفضل من الله تحفظ وتتذكر معلومات وتفاصيل عمرها عشرات السنين، لذلك عديد الأسر والأشخاص تستعين بذاكرتي لمختلف القضايا والأمور».

لا يمكن لأحد أن ينام خارج المنزل في فصل الشتاء، أمّا أنا فنومي شتاء وصيفاً في الخارج، والبرودة أحد أسباب منح الجسم بالطاقة

عاشق الأرض

يصف المعمّر "العبد" نفسه بعاشق الأرض والطبيعة والأنعام وتربية الطيور، ولكل ما تنتجه الأرض فهي من الأسباب التي جعلت صحته قوية، فهو يعتمد على ما تقدمه الأرض والأنام من خيرات.

حمو العبد في أحدث صورة

يقول المعمر: «مستمر بهذا الطقس، وشرب السمن العربي حتّى اليوم، واعتمده ضمن طعامي اليومي كأهم عامل للصحة والحيوية، وأتنقل بين الأراضي الزراعية، ولدي الخبرة والقدرة على تقييم المحصول مهما يكن نوعه، نتيجة معاصرتي لسنوات عديدة من القحط ومن سنوات الخير الوافر أيضاً، يمكنني إدارة المجالس وأداء الواجبات الاجتماعيّة حتى هذا التاريخ، وأتذكر جيداً تفاصيل كثيرة تتعلق بحياة الريف، أبرزها عندما كنّا نذهب مع ساعات الفجر الأولى إلى المطحنة المائية خلف الجسر الكبير، لدي خطوط حمراء لم أقربها نهائياً، منها التدخين، وكذلك الابتعاد عن المنبهات الشاي، واعتبر ذلك من الأسباب التي تحافظ على صحتي وتدعم نشاطي وقوتي».

من الطقوس المتعارف عليها في مناطق مدينة "القامشلي" بأن غالبية الأهالي تُفضّل النوم في فصل الصيف خارج المنازل، أمّا بالنسبة لمعمرنا فالصيف والشتاء واحد يقول "حمو" عن عادة نومه: «لا يمكن لأحد أن ينام خارج المنزل في فصل الشتاء، أمّا أنا فنومي شتاء وصيفاً في الخارج، والبرودة أحد أسباب منح الجسم بالطاقة».

المعمر حمو يتجول في منزله

علاقات راسخة

لدى المعمر "حمود العبد" أصدقاء كثر، داخل وخارج حدود قريته، ولديه حرص على تعزيز العلاقة الاجتماعيّة، دائماً ما كان مجلس منزله عامر بالزوّار والمحبين حسب ما يقول صديقه "صالح المحمود" ابن قريته السبعيني، مؤكداً أن بعد المسافة لم تمنع التواصل والزيارات الدائمة بينهما، ويضيف: «على الرغم من استقراري خارج القرية منذ فترة، لكنني ملتزم بزيارته وزيارة أسرته، أنا وأفراد أسرتي، فهو مُحب للخير والسلام، هو رجل متواضع ويتمتع بعلاقة طيبة مع كافة أبناء المنطقة، ويمكنه مداعبة الطفل الصغير لساعات، وما سمعتُ طوال عمري أنه أزعج أي شخص، يتميز بالابتسامة والبشاشة والروح المرحة.

"إسماعيل المحمد" مدير ثانوية "قلعة الهادي" يعتبر المعمر "العبد" قدوة له ولكافة أفراد القرية وحتّى غالبية القرى المجاورة، يضيف: «إنه أكبرنا سناً، مع ذلك يتحلى بالعزم والإرادة ويتحرك ويتحدث بطلاقة، يجالس الكبار والصغار، يداعب الأطفال ويتعامل بحكمة مع الظروف والأحداث، سمعنا كثيراً من كبار السن بأنه أحد المعمرين على مستوى منطقتنا، لذلك يعد مرجعاً ومرجعية لأحداث المنطقة خاصة لمنطقة "اليعربية"، تحفظ ذاكرته قصصاً وروايات كثيرة، يسردها لكل من يطلبها».

مدوّنة وطن "eSyria" زارت قرية المعمر "حمو" "قلعة الهادي الغربية" 65 كم عن مدينة "القامشلي"، وأجرت اللقاء السابق.