عكست مؤلفاته المترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، تعلق الأديب والمترجم "محمد الدنيا" ابن مدينة "حمص" بهاتين اللغتين معاً وتمكُّنه منهما، ما أتاح له أن يترجم كل ما هو مفيد، إضافة إلى مواضيع تعنى بالأطفال وبالعلوم الحديثة.

مسيرة مستمرة

أربعون عاماً قضاها "الدنيا" في رحلته مع فن الترجمة بحسب حديثه لـ"مدونة وطن eSyria"، والذي استهله بالتعريف عن نشأته وميوله بالقول: «الولع بسحر اللغة العربية لاحت معالمه لديَّ منذ مرحلة الدراسة الابتدائية التي توزَّعت على مدارس في أحياء "باب تدمر" و"باب الدريب" و"الزهراء" كذلك، ومع انتقالي للمرحلة الإعدادية وتلتها الثانوية أخذت قراءة مؤلفات الأدب العربي حيِّزاً واسعاً من اهتماماتي، عززت من تمكين أسس تلك اللغة الساحرة لديَّ من خلال مطالعة مؤلفات أبرز أدبائها أمثال "مصطفى الغلاييني" و"مصطفى لطفي المنفلوطي" ومعهم "طه حسين" إضافة لشخصيات أخرى منها "عباس محمود العقاد" و"ميخائيل نعيمة" وآخرون، عدا عن مطالعة الروايات العربية والمترجمة من لغات أخرى إضافة لمؤلفات ذات مواضيع فلسفية وسياسية وثقافية متنوعة».

مؤلفاته المترجمة المسجَّلة باسمه، تميَّزت بالدَّقة والوضوح اللغوي وهذا يعكس تمكُّنه القوي من مفردات اللغة العربية إلى جانب الفرنسية المتمكِّن منها باقتدار ما جعله عضواً فاعلاً في "اتحاد الكتَّاب العرب"، ومن أهمِّ المترجمين على المستوى المحلِّي والعربي، وسعدت جداً بتقديم محاضرته الأخيرة التي ألقاها في مقرِّ "رابطة الخريجين والجامعيين"

المرحلة اللاحقة من حياة الأديب "محمد الدنيا" أخذت منحى آخر أثناء فترة دراسته الجامعية التي يقول عنها: «بعد نيلي الشهادة الثانوية سنة 1969، اتجهت لدراسة اللغة الفرنسية وآدابها في جامعة "حلب" حيث نلت شهادة "الليسانس" منها عام 1973، لألتحق في العام التالي بسلك التعليم، وعملت مدرِّساً للغة الفرنسية على مدار أكثر من 30 سنة، توزَّعت على مدارس إعدادية وثانوية في محافظتي "حمص" و"الرقة" وأريافهما، إضافة لعملي مدرِّساً في "معهد إعداد المدرسين" و"جامعة البعث" كذلك. لم يرق لي الاكتفاء بتدريس اللغة الفرنسية وحسب، فبدأت بالعام 1981 بأعمال الترجمة مستفيداً من تمكُّن اللغة العربية الذي ذكرت تفاصيل تشكُّله سابقاً، والبداية كانت مع المقالات العلمية وما يخصُ شؤون الأطفال، وانعكس ذلك من خلال منشوراتي المترجمة بالعديد من الصحف والمجلات الدورية المحلية والعربية على حدٍّ سواء رحلة طويلة دامت نحو 40 عاماً، وما زالت مستمرة لغاية يومنا هذا».

الأستاذ المترجم حسين سنبلي

دقة وأمانة

الأديب والروائي عيسى اسماعيل أثناء تقديمه محاضرة المترجم محمد الدنيا

عن تفاصيل تلك الرحلة الطويلة مع أدب الترجمة وفنونها، والواجبات المفروضة على القائم بعملية الترجمة يتابع ضيف "مدونة وطن" حديثه: «البداية كانت من خلال جريدة "العروبة" المحلية التي تصدر من مدينة "حمص"، انتقالاً للنشر في صحف "الثورة" و"البعث" و"تشرين" اللواتي يصدرن في العاصمة "دمشق"، أضف عليها المجلات التي تصدر عن وزارتي "التربية" و"التعليم العالي"، ومنها التابعة لجامعة "دمشق" وكذلك ما يتبع لوزارة "الإعلام" وسوى ذلك من المجلات.. لم يكن لديَّ تأثُّر بشخصية معروفة عملت بفنِّ الترجمة سابقاً، بل حاولت الاستقلال بعملي وبناء شخصيتي الخاصة من خلال الأعمال التي قمت بترجمتها، والتي حرصت على اختيار موضوعاتها بما يلائم اهتمامات الناس وقضاياهم الحياتية، إلى جانب الموضوعات المتعلقة بتطور العلوم وخصوصاً الإنسانية منها، عدا عن الاهتمام والتركيز على علوم الدماغ التي ربما لم يسبقني أحد ما بالعمل على ترجمتها من وجهة نظري أهمُ واجبات المترجم هما الدقة والأمانة بعمله، واتجاه المؤلِّف الأصلي أولاً، ومن ثمَّ القارئ والمترجم أيضاً، هذا الأمر تطلَّب سعة إطلاعٍ ومعرفةٍ تامة، بالمصطلحات والمفردات العلمية والتقانية التخصصية التي اكتسبتها من خلال جمع المعاجم وقراءتها، وما يصدر من منشورات إلكترونية عن مراكز الأبحاث ودور النشر العالمية».

أعمال متميزة

أما عن حصيلة مؤلفاته المترجمة خلال السنوات الطويلة الماضية يجملها الأديب "الدنيا" بالقول: «باكورة مؤلفاتي حملت عنوان "إمبراطورية البيت الأبيض" عام 1986 وقد صدرت حينها عن "دار طلاس للنشر"، وهي ذاتها التي صدر عنها مؤلَّفي الثاني "الأم والطفل" بعد عام واحد، تلا ذلك بعامين تعاون مع "دار الحقائق" الكائنة في "دمشق" التي أصدرت ثالث أعمالي وهو بعنوان "الطفل بين الصحة النفسية والإبداع"، من ثمَّ انتقلت إلى "دار القلم العربي" ومقرُّها مدينة "حلب" ليصدر عنها كتاب "مرضيات الطفل" سنة 1992، مؤلَّفي التالي صدر في مدينة "حمص" سنة 1993 عن "دار علا" وكان عنوانه "التطور العصبي والذهني عند الطفل"، ليتجدد تعاوني مع الدار ذاتها بالسنة التالية، من خلال رواية "المرأة- الفهد"، ومن ثمَّ مؤلف عنوانه "عالم الطفل الرضيع" الصادر عن "دار الإرشاد" عام 1995، تلاه "الطفل والمدرسة" سنة 1998 وصدر بذلك الحين عن "دار التوحيدي" الكائنة في مدينة "حمص" أيضاً، "ذكاء الطفل الرضيع" نتاج جديد صدر عن "دار اسكندرون" في "دمشق عام 2001».

ينتقل الأديب في حديثه إلى محطة من مسيرته الأدبية ويقول: «سنة 2002 انتسبت إلى "اتحاد الكتَّاب العرب" وأصبحت عضواً في "جمعية الترجمة" المنبثقة عنه، ليكون هذا حصيلة عشرين عاماً من العمل الدؤوب، وجرى تعاون جديد بيني وبين "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" ومقرُّه دولة "الكويت" كانت حصيلته بين عامي 2004-2005 ثلاثة أعمل حملت عناوين "حكايات وأساطير إفريقية، الطفل– الملك" و"حكايات وأساطير إفريقية، السهول العشبية تحكي" إضافة إلى "أجمل حكايات الزن، يتبعها فن الهايكو"،من ثمَّ باتت مؤلفاتي بمعظمها، تصدر عن "وزارة الثقافة" السورية بين أعوام 2008- 2023 أذكر منها "كيف يتعلم الطفل الكلام" و"الفينيقيون وأساطيرهم" و"غزو الفضاء" وتلاه "الجزيرة الزرقاء" ومن ثمَّ "حول القمر"، وبعدها "حكايات لطيفة، حكايات قاسية من النيجر" و"حكايات الليل الإغريقي" الذي حصلت به على المرتبة الأولى في "مسابقة سامي الدروبي للترجمة" عام 2019 وصدر عن "الهيئة العامة السورية للكتاب" سنة 2022، وآخرها بعنوان "من العقل إلى الدماغ"، مؤلفي الأخير قيد الطباعة حالياً، وعنوانه "من حكايات الزن اليابانية"».

رائد الترجمة

تعارفي الأول بشخصية الأستاذ المترجم "محمد الدنيا" حصلت عندما انتسبت إلى "اتحاد الكتَّاب العرب" وأصبحنا زملاء في "جمعية الترجمة" فيه، لكن شهرته كانت تسبق ذلك من خلال سماعي عن فنِّه الخاص بالترجمة وعن جمال أسلوبه بها، هذا بعض مما ذكره أستاذ اللغة الإنكليزية والمترجم "حسين سنبلي" مضيفاً بقوله: «لست بمقامٍ يؤهِّلني كي أُقيِّم شخصية أدبية مثله وهو الذي قضى الشطر الأعظم من حياته مترجماً للمعارف والفنون على اختلاف أجناسها، وهو صاحب أسلوب سردي جميل وناصع البيان واضح التعبير لا أخطاء فيه ولا لحن، وقد التمست ذلك من خلال ما سمعت عنه، وما قرأت له مثل "حكايا الليل الإغريقي" وعدد من مقالاته المنشورة في دوريات مثل "الدوحة" و"الفيصل" وغيرها، كما أنَّه محاضر فصيح يحسن اختيار ألفاظه وكلامه حسنٌ مسموع».

الروائي والقاص "عيسى إسماعيل" يراه من أهمِّ العاملين في حقل الترجمة على مدار العقود الأربعة الماضية، وقد انعكس ذلك الأمر من خلال آلاف المقالات التي قام بترجمتها بمجالات الأدب والعلم والفن سواء في "سورية" وخارجها، ويضيف: «مؤلفاته المترجمة المسجَّلة باسمه، تميَّزت بالدَّقة والوضوح اللغوي وهذا يعكس تمكُّنه القوي من مفردات اللغة العربية إلى جانب الفرنسية المتمكِّن منها باقتدار ما جعله عضواً فاعلاً في "اتحاد الكتَّاب العرب"، ومن أهمِّ المترجمين على المستوى المحلِّي والعربي، وسعدت جداً بتقديم محاضرته الأخيرة التي ألقاها في مقرِّ "رابطة الخريجين والجامعيين"».

تجدر الإشارة إلى أنَّ "محمد الدنيا" من مواليد عام 1950 متزوج ولديه ولدان أحدهما طبيب والآخر طالب بكلية "الحقوق"، وتسلَّم منذ عامٍ تقريباً أمانة سر فرع "اتحاد الكتَّاب العرب" في مدينة "حمص".