أمام هول كارثة الزلزال وما خلفه من تداعيات خطيرة، بات الدعم النفسي أولوية لا تقل أهميتها عن الدعم الجسدي والمادي للمتضررين، لذلك كان من الضرورة بمكان أن تظهر العديد مبادرات الدعم النفسي في الأماكن التي ضربها زلزال السادس من شباط، أو عبر الإنترنت لتقديم الخدمات النفسية.

في مراكز الإيواء

حول الدعم النفسي المقدم في مراكز الإيواء تواصلنا مع الدكتورة "دلال عمار" دكتوراه في الإرشاد النفسي- رئيس دائرة البحوث في مديرية تربية "اللاذقية" والتي تقول: «بتوجيه من مدير التربية "عمران أبو خليل" قمنا في دائرة البحوث بتشكيل تسعة عشر فريقاً موزعاً على عدد من مراكز الإيواء في مدارس محافظة "اللاذقية"، يتألف كل فريق من مرشدين نفسيين ومعلم تربية رياضية بهدف تقديم الدعم النفسي لأطفالنا المتضررين من الزلزال المدمر، حيث قامت الفرق المذكورة بتقديم الدعم النفسي للأطفال والكبار المتواجدين في مراكز الإيواء».

تهدف المبادرة التي أطلقتها منظمة "سما" الغير ربحية لتخفيف الآلام النفسية الناتجة عن هذه الكارثة الإنسانية من خلال متخصصين بالدعم النفسي وفك الصدمة بطرق حديثة، وتضم أخصائيين من عدة دول حوالي 17 عضواً، وتتم عن طريق جلسات مجانية عبر الانترنت

أعراض الصدمة

من أهم الأعراض التي تظهر على الأشخاص الذين يعانون من ضغوط ما بعد الصدمات -حسب الدكتورة "عمار"- هي الأعراض الاقتحامية أو أعراض التجنب وعن ذلك تقول: «يغزو الحدث الصادم أفكارهم مراراً وتكراراً، نرى الأطفال والبالغين يسترجعون لحظة وقوع الزلزال وحالة الذهول والهلع التي أصيبوا بها وقد يسترجعون هذه الذكريات بشكل لا إرادي، أو تأتي على شكل كوابيس متكررة، أو تظهر لديهم أعراض التجنب حيث يتجنب الذين يعانون ضغوط ما بعد الصدمة الظروف التي تذكرهم بالكارثة، كما يتعرضون إلى تأثيرات سلبية في التفكير والمزاج، الذهول والخوف ونوبات الهلع واضطرابات النوم وصعوبة في التركيز والقلق والاكتئاب ونوبات الغضب وقد يصبحون أقل قدرة في السيطرة على ردود أفعالهم».

د."دلال عمار" من مركز إيواء في "اللاذقية"

أنشطة مدروسة

الاخصائية "نورا قبيلي" مع الأطفال

يقوم الدعم النفسي على مبدأ توفير البيئة الآمنة للأفراد الذين تعرضوا للصدمة ابتداء بالحاجات الأولية من الطعام والشراب والتدفئة والصحة الجسدية، وصولاً إلى الإحساس بالأمان النفسي والتعبير الحر عن الحاجات والمشاعر وبحسب د. "عمار"، تقوم الفرق المدربة بتقديم الدعم النفسي من خلال بعض الأنشطة المدروسة، كما يتم تنظيم جلسات المشورة الجماعية للراشدين بهدف مشاركة الجميع مشاعرهم، وبالتالي يصل الفرد إلى القناعة بأنه ليس الوحيد الذي يعاني من هذه المشاعر والأعراض ما يؤدي في النهاية إلى التخلص منها، والأهم برأيها هو مراقبة هذه الأعراض ومدى زيادة حدتها أو استمرارها لأكثر من شهر، وفي هذه الحالة يستوجب إحالته إلى طبيب نفسي لتقديم العلاج الدوائي المناسب الى جانب العلاج النفسي.

الأمان النفسي

المرشدة النفسية "نورا قبيلي" من فريق الدعم النفسي لحالة الطوارئ التي تعمل في مدرسة الشهيد "يوسف نداف" في محافظة "اللاذقية" التي اعتمدت كمركز إيواء منذ صباح 7 شباط، ترى أنها من خلال تقديم الدعم النفسي تحمي ذاتها وتتجنب الشعور بالذنب لأن كلاً منا هو مشروع مكان أي شخص آخر في المشفى أو مركز إيواء.

فريق دعم نفسي من كلية "التربية" والمعهد العالي للبحوث الزلزالية

وحول حالات المركز تقول: «حسب البيانات الأولية يحتوي المركز على 89 عائلة ما يقارب 402 شخص، منهم 52 طفلاً في مرحلة الطفولة المبكرة، ومن هم في أعمار 6 سنوات وحتى 18 سنة عددهم 103 حيث التواجد الأكبر للإناث، ممن يقطنون بأحياء "الشاليهات"، "الرمل الجنوبي"، "الغراف" بعضهم تهدمت منازلهم والبعض الآخر تصدعت.. في المركز حالات ذوي إعاقة وسيدات مصابات بأمراض مزمنة، وبالتالي هناك مشكلات نفسية واجتماعية بسبب هذا الحدث الاستثنائي الصعب والجميع يمر بتجربة الحاجة، ومن هنا تأتي أهمية تقديم الدعم النفسي للمتضررين للتخفيف من تطور الصدمة، وعند ملاحظتنا إصابة أحدهم بصدمة نموذجية تتم إحالته للمختص لتخفيف تطورها».

ثلاثة محاور

تجد "قبيلي" أن الدعم النفسي يقدم لكل شخص محتاج وفي حال عدم رغبته يتم احترام خصوصيته، وتقبل ردات فعله من دون شرط.

وعن آلية العمل تشرح: «يقوم العمل الميداني في مراكز الإيواء باللقاء مع الأهالي على ثلاثة محاور، الأول من خلال جلسات مناقشة قائمة على التفاهم الوجداني ومساعدة الأشخاص على تحرير المشاعر، مع عدم الضغط عليهم وإشعارهم بالهدوء وتقدير مخاوفهم، حيث يسود بالمناقشات جو من اللطف والهدوء والإصغاء باهتمام، المحور الثاني هو الأطفال ويعتمد على اللعب الذي يعتبر علاجاً لضمان تقديم الدعم كما يجب، ومنها أنشطة حركية كلعب كرة القدم للذكور والرسم للإناث ولعبة تقليد أصوات الحيوانات لخلق حالة من الانسجام فيما بينهم، وتتم جلسات الدعم النفسي على مراحل منظمة تتضمن تمريناً افتتاحياً، الإحماء والتعبير عن المواهب، والمحور الثالث حول ما هو الزلزال وكيف تصرفت عند حدوثه والاستماع لآراء الأطفال، وهنا دور المرشد بإعادة البناء المعرفي والتذكير أنهم بأمان، ثم القيام بنشاط تخيلي يسمح لهم بالتخطيط للمستقبل، والإغلاق بأغنية، ألعاب أنشطة حركية باستخدام البوالين والكرات، مسرح مصغر، إحضار دمية، وضبط الأفعال عن طريق الأنشطة، وأسئلة في نهاية اللقاء».

دعم طلابي

شكلت جامعة "دمشق"- كلية التربية فريقاً للدعم النفسي والفني، وحول هذه المبادرة يقول د."آصف يوسف" نائب عميد كلية التربية للشؤون العلمية: «بناءً على تعليمات رئيس جامعة "دمشق" د."أسامة الجبان" وبطلب من عميدة كلية التربية د."زينب زيود" قمت بتشكيل فريق الدعم النفسي، ويتألف من 15 عضواً من زملاء أساتذة في الكلية وطلبة دراسات عليا بمجال الدعم النفسي، وزملاء من المعهد العالي للبحوث الزلزالية، وفي 12 شباط توجه الفريق المتخصص بالدعم النفسي والفني والتقينا مع الجهات المختصة وتوجهنا إلى "جبلة" حيث كان فريق جامعة "دمشق" أول فريق متخصص يصلها ويقسم الفريق إلى جناحين؛ الفني الذي قام بمعاينة الأبنية الحكومية والأحياء الشعبية المتضررة من الزلزال كمشفى جبلة، خزان المياه، جبلة القديمة، "الدريبة" و"صليبة"، وفريق الدعم النفسي الذي غطى مراكز الإيواء في مناطق "الملعب"، "العزة" ومركز "النقعة" و"الفيض"، وقام بعمل متميز لاقى استحسان أهالي المنكوبين في مراكز الإيواء، وتم تقسيم الفريق إلى مجموعات كل مجموعة اختصت بفئة عمرية، الأولى للأطفال مع تأمين مستلزمات الدعم من ألعاب ومواد، وفريق مختص بالكبار واستمر العمل لأربعة أيام متواصلة لتقديم كل ما أمكن لأهلنا المنكوبين».

خدمات أون لاين

أطلق المعالج النفسي "عامر محمد" مبادرة فردية للدعم النفسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم خدمات الإسعاف النفسي، وهو واحد من عدد كبير من مقدمي الخدمة النفسية في "سورية" الذين تطوعوا لتقديم مقاربة للجانب النفسي من المعاناة وعن مبادرته يقول: «استجابة للكارثة وضرورة تقديم الخدمات للجميع كان لابد من إتاحة فرصة للمتضررين من الحديث مع شخص مدرب على الإسعاف النفسي، ويتم ذلك عبر خط ساخن للتواصل مع المتضررين، أو من خلال التشبيك بين الحالات والمعالج النفسي من الفرق الموجودة على الأرض، لمسنا المعاناة النفسية التي يجب مقاربتها بشكل إسعافي ولا تعبر عن اضطراب نفسي، والتي تظهر على شكل أرق، اضطرابات النوم والشهية، عدم القدرة على العودة إلى الأنشطة اليومية، حالة ذهول، العصبية، قلة تركيز والتواصل مع الآخر، وبالنسبة للأطفال نلاحظ التعلق الشديد بالأم، الكوابيس والتبول اللاإرادي، وبالتالي علينا الإصغاء للطفل والتعامل مع تعبيراته، الشرح له بشكل علمي وتبسيط الأمور».

مبادرة "سما"

بدورها تشرح "تغريد أبو الخير" أخصائية علم اجتماع ودعم نفسي وفك الصدمات النفسية عن مبادرة منظمة "سما" لتقديم الدعم النفسي للمتضررين بقولها: «تهدف المبادرة التي أطلقتها منظمة "سما" الغير ربحية لتخفيف الآلام النفسية الناتجة عن هذه الكارثة الإنسانية من خلال متخصصين بالدعم النفسي وفك الصدمة بطرق حديثة، وتضم أخصائيين من عدة دول حوالي 17 عضواً، وتتم عن طريق جلسات مجانية عبر الانترنت».

وعن آلية تقديم الدعم تقول: «بعد تسجيل الشخص عبر الاستمارة الإلكترونية وحسب الوقت المناسب له تتم الجلسة ونرسل له ملفاً يتم من خلاله تقييم الأمان الحالة الصحية، توفر الاحتياجات الأساسية، ثم تأتي الأسئلة النفسية الخاصة به وبعد التقييم الأولي عن الشخص، تأتي خطوات أخرى للعلاج، ونستهدف شريحة الأطفال خصوصاً كأشد المتضررين».