بعد انتهاء الزلزال انصبت كافة الجهود على التخفيف من تداعياته والعمل على تجاوزها بسرعة وخاصة الآثار النفسية والاجتماعية التي أصابت المنكوبين وفاقمت مأساتهم وخاصة الأطفال منهم.

على الأرض

دخلنا مركز الإيواء بمدرسة "عدنان مدني" بحي "الحمدانية" وحدثنا مدير المدرسة "عماد موسى" والمكلف بمهام مدير الإيواء أيضاً ومتابعة أوضاع النازحين قائلاً: «كل صفوف المدرسة مشغولة تماماً بالنازحين ووصل عدد الأسر حالياً إلى مئة وست عائلات وبمعدل خمسمئة وخمسين شخصاً بينهم خمسة وستون طفلاً. والتدريس متوقف في المركز. ووضع الطعام ممتاز وكاف. عبر مبادرات أهل الخير القريبين من المركز وجمعية "ساعد" ومن الفريق العراقي للإغاثة».

أنا رجل بسيط وكادح ومعوق وبيد واحدة، ورغم ضيق العيش والظروف التي أعيشها لكنني تأقلمت عليها ورضيت بها

وتابع "موسى" حديثه: «قامت جمعيتان خيريتان بتقديم ألعاب كرتونية وبلاستيكية للأطفال وعمل مسرحية عن الحكواتي لاقت التصفيق والبهجة لدى الأطفال. وتلك مبادرة جيدة لكنها بحاجة للاستمرار بشكل منظم كما يقدم مستوصف مديرية الصحة الرعاية الطبية».

ولدى سؤالنا أولياء الأهالي والأطفال ومنهم "حسن جليلاتي" أكد أن الأمور في هذا المركز جيدة من حيث الإيواء والطعام وضمن الإمكانيات المتوافرة، لكنه تمنى أن تمر هذه الغمة على خير ويعود الجميع لمنازلهم بخير وأمان. مطالباً بمساعدة الأطفال نفسياً وتعليمياً بشكل أكبر.

شهامة "محمد"

على اوتوستراد الحمدانية بمدينة "حلب" مكان التقاء وتجمع منكوبي الزلزال على طرفي الطريق، وبإحساس بالوجع بادر الكثير من أبناء "حي صلاح الدين" بتقاسم لقمة طعامهم وشرابهم ولباسهم مع أشقائهم المتضررين من أحياء أخرى مجاورة. وليس بالضرورة أن يكون العمل الخيري صاحبه من يملك النفوذ والمال، بل قد تأتي المؤازرة من أشخاص لا يملكون سوى عافيتهم وتعبهم وأدوات بسيطة ومتواضعة في مضمونها لكنها قوية وفعالة في آثارها.

موقع "مدونة وطن eSyria" تابع وشاهد بالعين المجردة وفي الأيام الأولى لوقع الزلزال نماذج من رجالات الخير البسطاء وهم يمدون يد المساعدة والعون لأبناء جلدتهم. ومنهم الشاب المعوق "محمد طالب" صاحب الخمسة وثلاثين عاماً وهو المهجر أصلاً والذي فقد بيته ومأواه في "حي صلاح الدين" وهو يتنقل يميناً وشمالاً يسأل ويلبي أي مساعدة طارئة بدراجته النارية ذات الثلاث عجلات فقال: «أنا رجل بسيط وكادح ومعوق وبيد واحدة، ورغم ضيق العيش والظروف التي أعيشها لكنني تأقلمت عليها ورضيت بها».

ويتابع "محمد": «أقطن في حي "صلاح الدين" الشعبي وبمنزل متواضع وفجر يوم الإثنين لحظة وقوع الزلزال أحسست باهتزاز المنزل وبقوة من أركانه الأربعة وبمعجزة وقدرة قادر وضعت أولادي مع والدتي فوق دراجتي المركونة أمام البناء وسرت مسرعاً نحو أوتوستراد الحمدانية».

ويتابع "طالب" حديثه للمدونة: «وبعد أن أدركت أن الأمر قد يطول قمت بنصب خيمة متواضعة من شوادر المعونة أتقي بها شرد الهواء والبرد والأمطار لإيواء أطفالي الثلاثة، ورغم وضعي الصعب أقوم بتلبية الأعمال الخيرية وإسعاف ونقل المرضى والمحتاجين من جيراننا في مركز الإيواء على دراجتي لأقرب نقطة طبية».

ويتحدث بعض جيران "محمد" أن له الكثير أيضاً من المبادرات الخيرية على دراجته في نقل المصابين والعجائز والمرضى والنساء والأطفال من دون أن يتقاضى أي أجر، وكل ما يطلبه هو الدعاء لله أن يزيل هذه المحنة بأقرب وقت ويعود الجميع لمنازلهم بخير وسلامة كما يقوم بالتخفيف عنهم نفسياً ومعنوياً بروحه المرحة وابتسامته الدائمة وإيمانه بتجاوز الكارثة بالرغم من ظروفه وإعاقته.

خطوات بسيطة

ولموقع "مدونة وطن eSyria" تحدث الدكتور "حليم أسمر" عميد كلية التربية بجامعة حلب فقال: «الإنسان السوري بطبعه مؤمن بالقضاء والقدر وله قدرة كبيرة على تجاوز الصعوبات والتكيف معها مهما كانت قاسية، فكيف في حال كانت من فعل الطبيعة» ويضيف: «هناك عدة نصائح مفيدة أقدمها للمجتمعات لمرحلة ما بعد الزلزال قد تكون بسيطة في محتواها وسهلة وغير مكلفة في تطبيقها، غايتها رفع الروح المعنوية للمنكوب أو المصاب للعودة إلى الحياة بهمة ونشاط ومن أهمها العودة التدريجية إلى منزله وتفقده هندسياً والتأكد من سلامة العيش فيه ومن ثم الخروج للطبيعة وممارسة أنشطة رياضية وفكرية وثقافية وسماع الموسيقا الهادئة والتصالح مع المكان والزمان في الطبيعة وكل تلك المفردات تعيد الحالة النفسية والهادئة للأفراد».

الضرر النفسي

من جهته يقول الدكتور "عبد الله قدور" رئيس قسم الإرشاد النفسي بكلية التربية "بجامعة حلب": «في كل المجتمعات التي يضربها الزلازل تقع حالات هلع وخوف وانهيار عصبي، وقد تؤدي هذه الأعراض إن لم تتم معالجتها فوراً إلى كوارث أكبر من مخلفات الزلزال نفسه، والبديل المخفف هو أن نكون متعاضدين ومتسامحين وصبورين ومؤمنين بقدر الله ولطفه، وأن آثار الزلزال كما هو معلوم تبدأ شديدة ثم مع مرور الساعات تبدأ بالتناقص تدريجياً حتى تتلاشى، ومطلوب منا جميعاً بمرحلة ما بعد الزلزال هو القبول بالأمر الواقع والوقوف مع بعضنا البعض مادياً ونفسياً ومهنياً وتأمين المتطلبات المادية للمتضررين أمر أساسي في العلاج النفسي كالغذاء والكساء والرواتب لمن فقد عمله ومصدر رزقه لأسباب بدنية أو فكرية أو نفسية علماً أن الفكرة الأخيرة طبقتها الكثير من دول العالم حين تعرضها للكوارث الطبيعية المؤثرة».

وختم الدكتور "قدور" حديثه للمدونة: «في حالات الكوارث المؤذية التي نتعرض لها جميعاً يجب علينا وبمختلف إمكانياتنا وفوارقنا العلمية والبدنية والفكرية التي نمتلكها أن نعطي ما نستطيع حتى ولو كان أمراً يسيراً فبمثل هذه الأعمال الخيرية والبسيطة قد ننقذ الكثير من العوائل ونعيدهم بهمة وعافية للمجتمع لممارسة حياتهم الطبيعية».

تم إجراء اللقاء والتصوير بتاريخ السابع عشر من شهر شباط لعام 2023 على طريق اوتستراد الحمدانية.