أربعون شخصاً تقريباً تجمعوا في الشارع الضيق قبالة جمعية الشباب الخيرية في منطقة "دمر البلد"، صباح يوم الإثنين 6/2/2023 يوم حدوث الزلزال، بعضهم اصطحب أطفاله وآخرون جاؤوا مع أصدقائهم وأفرادٍ من عائلاتهم، عددٌ منهم تبرع بالمال، والبقية حملوا ما استطاعوا من فرشات وثياب وألعاب، وكلهم يدعون بالسلامة ويتمنون لو بإمكانهم تقديم المزيد لأهلنا ممن أصابتهم فاجعة الزلزال في ذلك اليوم الحزين.

تطوّع وإغاثة

في الساعات الأولى من عمر الكارثة، أدرك القائمون على الجمعية، هول ما حدث وضرورة التعاطي السريع مع النتائج المُفاجئة، فبادروا إلى نشر إعلانٍ في صفحتهم في فيسبوك، يدعو الناس للتبرع بما يُمكن لهم، لإيصاله إلى المناطق المتضررة من الزلزال، ولم يمضِ الكثير من الوقت حتى بدأ التجمّع الذي ظل أفراده يعملون حتى الليل، وهو ما حصل أيضاً في الأيام التالية، حتى تجهيز القافلة الأولى المكوّنة من "فرشات، مواد غذائية، أغطية، بطانيات، وجبات طعام، ملابس"، لكن العمل الإغاثي يستوجب المزيد وبسرعةٍ أكبر، على حد تعبير "ناصر الماضي" مدير القسم الإعلامي في جمعية الشباب الخيرية.

رغم وجود أزمات معيشية يعرفها الجميع لكن الأهالي لم يركنوا إليها بل لجؤوا إلى ما يدخرون في بيوتهم من مونة وثياب، وهذا لم يأت من فراغ أبداً ولم يكن وليد اللحظة، إنما يعود إلى ارتباطٍ حقيقي بأهلنا على امتداد أرض الوطن

يقول "الماضي" في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": «أثناء التحضير للقافلة، أدركنا أن الحاجة للطبابة والإسعاف ملحة جداً، فأرسلنا إلى مدينة "جبلة"، كرفانين طبيين يضمان فريقاً طبياً من اختصاصات مختلفة، ويقدمان الإسعافات الأولية وتصوير الإيكو والمعاينات والدواء المجاني على مدار أربع وعشرين ساعة، ويبدو أن تفكيرنا كان صائباً لأن إقبال الناس عليهما كبير جداً».

في "جبلة"

فور انتهاء العمل على القافلة التي تجاوز وزن حمولتها خمسة عشر طناً، والمُقدّمة من التبرعات وعدة جهات أخرى منها محافظة "دمشق" التي رفدتها بسلات غذائية، إضافةً إلى "جمعية نور" التي اهتمت بحاجيات كبار السن والمصابين من أدوات حركية وأجهزة مساعدة للمشي، وما يتعلق بالإصابات العظمية، انطلقت إلى "جبلة" وأُفرغت في مستودع، وبدأ التحضير للتوزيع مباشرةً.

يضيف "الماضي": «توجهنا إلى الجوامع والحدائق والأمكنة التي لجأ إليها الأهالي الذين فقدوا بيوتهم وخرجوا من تحت الأنقاض، وحرصنا على تقديم المعونات باليد، تلافياً لأي تلاعب، وتابعنا عدة حالات أُبلغنا عنها، كذلك اهتم فريقنا الجوال بإيصال احتياجات ضرورية إلى المناطق الريفية، كما ساعد المتطوعون في الجمعية الفرق العاملة في البحث عن ناجين، وكانوا جنباً إلى جنب مع فريق الإنقاذ السوري والدفاع المدني اللبناني».

حملة كلنا لبعض في جرمانا

ويقول للمدوّنة: «بعد مرور أسبوعين تقريباً على الزلزال أصبحت الاحتياجات مُضاعفة، لكن أعداد المتطوعين تضاعفت أيضاً، ولا نملك إلا شكرهم، نحن شهودٌ على محبة الناس لبعضهم ورغبتهم المساعدة كباراً وصغاراً، ونستعد لإرسال قافلة ثانية إلى "حلب" هذه المرة».

خليّة نحل

في جمعية الشباب الخيرية، التقينا أيضاً "ندين طلع" المتطوعة في العمل الإغاثي وفرز التبرعات، تقول للمدوّنة: «تصنيف التبرعات حسب طبيعة المواد والأعمار ضروري، حتى يُمكن الاستفادة منها مباشرةً حيث يحتاجها إخوتنا من المنكوبين، ولم يفتنا استبعاد الثياب غير المناسبة، لكن ما لفتني وعي الناس المبكر تجاه ما يجب تقديمه، من ذلك ألعاب وثياب للأطفال، وضعوا معها قطعاً من الشوكولا والسكاكر، حتى إن بعض الأطفال حملوا ألعابهم بأيديهم وقدموها لنا، كما انتبهت أعدادٌ من الأمهات إلى ضرورة توافر (ديارة) للأطفال حديثي الولادة».

تُضيف "طلع" عن المتبرعين الذين عملت معهم: «كنا كخلية نحل، فوجئنا بطفلٍ اسمه "جواد"، عمره حوالي 11 عاماً، تطوع معنا في فرز المعونات ووضعها في أكياس، وهو الوحيد الذي لم يتوقف ليستريح، كان سعيداً بتقديم شيءٍ للآخرين، كذلك قدّم شابٌ من المتطوعين سترة شتوية كان يلبسها لأن غيره يحتاجها في هذا الجو البارد، فيما عرضت سيدات استقبال الناس في منازلهن، الأمر رائعٌ جداً، لهفة ومحبة وأمنيات بالخير شاهدتُها من الجميع».

عن الجمعية

يُذكر أن جمعية الشباب الخيرية تأسست عام 2005، مُشهرة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تتكون من عدة أقسام "إغاثة، تأهيل وتدريب ذوي الاحتياجات خاصة، كفالة أيتام، قسم تعليمي، قسم طبي يضم 9 مراكز طبية مُوزّعة في المحافظات، فيها عيادات شاملة، إسعاف 24 ساعة، صيدلية، مركز غسيل كلية، كرفانات طبية"، وفي "دمشق" لديها مركزان "دمر البلد" و"حي الورود".

"كلنا لبعض"

مدينة جرمانا أيضاً أطلقت حملة "كلنا لبعض" لدعم المناطق المنكوبة في كارثة الزلزال، بالتعاون مع مجلس البلدية وعدد من الفعاليات الرسمية والدينية والتطوعية، خصصت بموجبها 7 مراكز لاستلام التبرعات والمعونات، مُزودة بإيصالات مختومة باسم مجلس المدينة، إحداها مقر فريق بشائر بيدر جرمانا، والذي يستقبل حتى اليوم الأهالي والفعاليات الراغبة بالمساعدة، يقول مدير الفريق فائز الحناوي لـ "مُدوّنة وطن": «شكّلت جرمانا هيئة إغاثة مركزية ضمت عدداً كبيراً من الجمعيات والمنظمات العاملة في المدينة، لتنظيم العمل وتوحيد الجهود بما يُحقق الهدف الأسمى بإغاثة إخوتنا، استقبلنا تبرعاتٍ عينية ومادية، معظمها من الألبسة والبطانيات والأغذية، قمنا بفرزها وإرسالها إلى اللاذقية، وحالياً العمل مستمر لإرسال قافلة أخرى إلى حلب».

يُضيف "الحناوي": «رغم وجود أزمات معيشية يعرفها الجميع لكن الأهالي لم يركنوا إليها بل لجؤوا إلى ما يدخرون في بيوتهم من مونة وثياب، وهذا لم يأت من فراغ أبداً ولم يكن وليد اللحظة، إنما يعود إلى ارتباطٍ حقيقي بأهلنا على امتداد أرض الوطن».

حسب الإمكانات

من أعضاء فريق "البشائر" التقينا تغريد الحميدي، مرشدة نفسية في ثانوية الذكور في جرمانا، تطوعت لفرز التبرعات، تقول للمُدوّنة: «ركّزت الحملة على فكرة التبرع حسب الظروف والإمكانات، بمعنى أن المُساهمات مهما كانت بسيطة، يُمكن أن تكون لها قيمة عند من يحتاجها، بعض الأطفال تبرع بلعبته أو لباسه وبعضهم بما ادخر بمطمورته، فيما بعد قمنا بفرز التبرعات وترتيبها وإرسالها إلى الأهل في اللاذقية ولا نزال نستقبل الراغبين في مقر الفريق».

في السياق ذاته، قدّم كورال أطفال فريق "بشائر بيدر جرمانا" رسالة حب عبر صفحته في فيسبوك إلى الأطفال متضرري الزلزال، مضمونها أغنية وشمعة مُضاءة تُؤكد لهم أن الغد سيكون أفضل، كما استعان القائمون على بيت الدراسة في الفريق، بخبراء أطلعوا الطلاب على الإجراءات الوقائية الواجب اتباعها أثناء وبعد الزلزال، تحسباً لأي طارئ.

عن الفريق

يُذكر أن فريق "بشائر بيدر جرمانا" تأسس عام 2012، هدفه بناء المجتمع عبر تلبية احتياجاته بشكل مجاني، من ذلك: دعم التعليم ونادي الأطفال (كورال موسيقي، رسم، رياضة)، نادي الشباب (سينما، ورشات مسرح تفاعلي، رحلات، مسير، موسيقا)، نادي الأسرة (احتياجات صحية ونفسية، صناعات منزلية، توعية)، واستجابة إغاثية (سوق خيري للقرطاسية، فعالية خيرات العيد)، إضافة إلى التشبيك مع جهات أخرى لدعم احتياجات الأحياء في المدينة.